خواطر نسوية على هامش يوم المرأة العالمي

0 57

كتبت: رشا عوض

.

شهيدات مجهولات
من حكايات الثورة السودانية المؤلمة والجديرة بالتأمل العميق، رفض بعض أسر شهيدات مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش في 3 يونيو 2019 الحديث الى وسائل الإعلام ورواية قصص استشهاد بناتهم وتخليد أسمائهن في ذاكرة الوطن كبطلات قدمن أرواحهن في معركة الحرية، وسبب ذلك هو الخوف من الوصمة الاجتماعية!! على خلفية جرائم الاغتصاب الجماعي التي حدثت خلال لك المجزرة ، بالاضافة الى الخطاب الدعائي الذي تخصص في تشويه صورة الاعتصام لتعبئة الرأي العام ضده والتشكيك في سمعة النساء المعتصمات.
وهكذا تم التستر على قصص الشهيدات بدلا من الفخر بها! تم قتل الشهيدة مرتين: مرة على يد عسكر الانقلاب ومرة على مقصلة الإعدام المعنوي بسبب التقاليد الاجتماعية المتشددة وأنماط التفكير الظالمة للنساء وتواطؤ السلطة الانقلابية التي سمممت الأجواء بخطاب معادي للنساء قائم على تحريض المجتمع ضدهن.
وهنا ليس من العدالة بمكان تجريم الأسر التي فعلت ذلك بشكل مطلق، فهي أيضا ضحية لقسوة المجتمع وأسيرة لواقع ثقافي ليس من السهل تجاهله، بل اسيرة كذلك لإرهاب السلطة السياسية المستبدة.
بعد ان تشرق شمس الحرية مجددا يجب على النساء والرجال تشييد نصب تذكاري للشهيدات المجهولات او بالاحرى المخفيات بفعل فاعل! واجب الاجيال القادمة ان ترسل تحايا التقدير والعرفان لنساء دفعن حياتهن ضريبة للحرية والكرامة ، ومن تعرضت للاغتصاب من كلاب السلطة لم تفقد شرفها كما يردد البسطاء جهلا وظلما، بل هي في قمة الشرف شأنها شأن اي ثائر فقد عينه او رجله او يده بطلق ناري! الاغتصاب أذى جسيم في معركة شريفة ، من اصابها هذا الأذى فهي أشرفنا جميعا ككل جرحى الثورة ومصابيها ! واللعنات يجب تصويبها للمجرم الذي اغتصب وللنظام السياسي الذي سمح له بذلك.
ما زال المشوار طويلا امام مجمعاتنا حتى تستوعب معنى ان تكون المرأة مواطنة ذات حضور وفاعلية في الحياة العامة ، فما زال العقل الباطن لهذه المجتمعات اسيرا لفكرة ان خروج المرأة ومشاركتها في النضال السياسي حالة استثنائية غير مرغوب فيها، وان نموذج المرأة المثالية هو تلك المستورة داخل المنزل! ولذلك لا يرون في الاستشهاد في اعتصام سياسي شرفا وفخرا بل وصمة يجب التستر عليها!
المرأة والمشاركة السياسية: مأزق التبسيط!
ان اي مشروع للتحرر الاجتماعي والسياسي هو بالضرورة مركب ومعقد ولا يمكن اختزاله في عامل واحد، ومن أكثر القضايا التي يظهر فيها هذا التعقيد قضية المشاركة السياسية للمرأة، هل نتوقع ان تمثيل النساء بنسبة كبيرة في مواقع صنع القرار السياسي سيؤدي بالضرورة الى تصميم سياسات منصفة للمرأة وتشريعات حساسة للنوع الاجتماعي؟ بكل تأكيد لا! هل عندما نذهب الى صندوق الاقتراع سنصوت للمرأة لمجرد انها امرأة؟ بالتأكيد لا! لأن الجندر (النوع ) في حد ذاته ليس هوية فكرية وسياسية مستقلة، فلا يوجد حزب سياسي واحد نستطيع ان نقول هذا حزب المرأة! فالنساء مختلفات في انتماءاتهن الفكرية والسياسية وانحيازاتهن الاجتماعية وخياراتهن الاقتصادية، بل ومختلفات تبعا لذلك حتى في مواقفهن من قضايا المرأة، مثلا في السودان اللجنة التي صاغت قانون الاحوال الشخصية وهو الأسوأ في المنطقة العربية والاسلامية من حيث كفالة حقوق المرأة شاركت فيها سبع نساء من جملة 13 عضوا! يجب ان تطوى صفحة التنظيم النسوي الجامع لكل النساء لصالح التعددية في التنظيمات النسوية تبعا للتعددية الفكرية والسياسية في المجتمع على ان يكون هناك تنسيق
ان التقدم في حقوق المرأة يحتاج الى تدابير دستورية وتشريعية وبيئة محفزة لمشاركة النساء في العمل السياسي، ولكن كل ذلك لن يثمر واقعا أفضل إلا في ظل وجود تيارات نسوية منظمة (من النساء والرجال) داخل الاحزاب السياسية على اختلافها، وفي منظمات المجتمع المدني، تعمل هذه التيارات بشكل منهجي في ثلاثة اتجاهات متكاملة: بناء قدرات النساء والضغط لزيادة نسبة مشاركتهن السياسية، والحرص على تصعيد الكفاءات الحقيقية الى مواقع صنع القرار .
“أنثى ضد الأنوثة”
أثناء تصفحي في الانترنت صادفت فيديو لمناظرة على قناة الجزيرة بين الدكتورة نوال السعداوي والشيخ يوسف البدري الذي كان محور حديثه هو ان الفوارق البيولوجية بين الرجل والمرأة مبرر لرفض الحقوق المتساوية، د. نوال اجتهدت في إثبات عدم وجود فوارق وانها شرَّحت جسم الرجل والمرأة ولم تجد فوارق، واسهبت في الحديث عن ان المرأة التي تعمل في المصانع والفلاحة يمكن أن تربي عضلات قوية وتغلب عشرة رجال! وكأنها تشترك مع ذلك الشيخ التقليدي في فكرة ان قوة العضلات والخشونة مبرر موضوعي للتراتبية الأعلى! ان المدخل الصحيح لقضية المرأة هو ان اختلاف الخصائص البيولوجية والسيكولوجية بين الرجال والنساء لا يجب أن يكون اساسا لتراتبية اجتماعية أدنى للنساء، وأن المساواة ممكنة بل واجبة رغم أنف هذه الاختلافات، وأن الانوثة هي قيمة في حد ذاتها وليست عبئا يجب الاعتذار عنه او التخفف منه بالسعي لتقوية العضلات وربما انبات شارب او لحية، فالرجل والمرأة متساويان في ان لكل منهما عقلا وروحا وحضورا انسانيا ببصمة خاصة ، باختصار المساواة يجب ان تكون في الحضور الفكري والاجتماعي والسياسي والحقوق الاقتصادية والسمو الروحي والاخلاقي، وليس من شروطها محو البصمة الانثوية، بل ان جوهر المساواة هو ان تُطبع هذه البصمة بفخر وكبرياء في دفتر الحضور الانساني دون تحوير او تعديل لها في اتجاه التطابق مع البصمة الذكورية.
هذه المناظرة استدعت الى ذاكرتي دراسة المفكر الراحل جورج طرابيشي عن أدب نوال السعداوي وقد عنونها بأنثى ضد الأنوثة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.