انتفاضة مارس – أبريل: ما اشبة الليلة بالبارحة (3 والأخيرة)

0 70

كتب: تاج السر عثمان بابو

.

1. أشرنا في الحلقتين السابقتين  الي الذكرى 38 لانتفاضة مارس- أبريل 1985م ، والبلاد تمر بنفس الظروف التي فجرت الانتفاضة فضلا عن استمرار تراكم المقاومة الجماهيرية بمختلف الأشكال ضد انقلاب 25 أكتوبر التي حتما سوف تصب في الاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي ، ويبقى ضرورة الاستفادة من دروس الانتفاضة  حتى لا تتكرر الانتكاسة في ثورة ديسمبر الجارية ، اضافة للتحضير الجيد لمواكب 6 أبريل القادم  في الداخل  والخارج في ذكرى الاطاحة بالديكتاتور نميري واعتصام القيادة العامة ، ومواصلة المعركة رغم المتاريس أمامها ، كما في الترسانات العسكرية والمليشيات الحالية في الشوارع التى يجب اخراجها من المدن حماية للمدنيين ، والاسراع بالترتيبات الأمنية لحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات والكيزان وقيام الجيش القومي الموحد ، رغم تلك المليشات والترسانات العسكرية ، تواصل المقاومة استمرارها وصمودها حتى اسقاط الانقلاب.

2 . شأنها شأن التجارب الثورية التي خاضها شعب السودان ، فان انتفاضة مارس- ابريل 1985م تستحق الدراسة والتأمل ، خاصة وأنه تبرز اصوات حاليا ، كما في ثورة ديسمبر الحالية ، تقلل من أهميتها ، وتطمس معالمها بوصفها أنها كانت انفجارا عابرا أي ليست نتاجا لتراكم نضالي طويل خاضته كل القوي السياسية والنقابية والاجتماعية التي كانت تصارع ضد حكم الفرد الديكتاتوري الشمولي ، فهل كان ذلك صحيحا؟ ، للرد على تلك الادعاءات نشير الي الآتي :..

  –  منذ قيام انقلاب 25 مايو 1969م ، الذي بدأ بشعارات يسارية وانتهي باستغلال الدين بفرض قوانين سبتمبر 1983م بدعم من الاسلامويين ، وإعلان حالة الطوارئ ، تمت مصادرة الحريات والحقوق الديمقراطية كما وضح من الأوامر الجمهورية الأولي ، وبعد انقلاب 22 يوليو 1971م الدموي ، فرض نظام الحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي السوداني) ، بعد حل كل الأحزاب السياسية ، وقام نظام شمولي كما في النظام الإسلاموي المدحور ، أصبحت فيه كل مجالس الشعب ولجان تطوير القري والنقابات والاتحادات تابعة للسلطة ، واقامة انتخابات مزوّرة مثل : استفتاءات رئاسة الجمهورية التي كان يفوز فيها النميري بنسبة 98%!!!، إضافة لتنظيمات الشباب والنساء والسلام والصداقة مع الشعوب التي اصبحت بدورها أقمارا تابعة للسلطة ، بعد حل المنظمات الديمقراطية. وتم حماية هذا النظام ببناء جهاز أمن ضخم علي أحدث الأسس في وسط وشرق افريقيا ، إضافة الي ترسانة من القوانين المقيدة للحريات مثل : الأوامر الجمهورية ، قانون أمن الدولة ، قانون ممارسة الحقوق السياسية 1974م ، تعديلات الدستور في 1975م ، قوانين سبتمبر 1983م .. الخ. والارتباط بالاحلاف العسكرية لحماية النظام مثل : حلف طرابلس ، واتفاقية الدفاع المشترك ، والمشاركة في مناورات قوات النجم الساطع الأمريكية ، والاشتراك والفساد في جريمة ترحيل اليهود الفلاشا لاسرائيل ..الخ.

لكن رغم تلك الترسانة من القوانين المقيدة للحريات وضراوة وقهر جهاز الأمن والأحلاف العسكرية ، والآلة الدعائية الضخمة التي كانت تعني “بغسيل المخ”، كما يحدث حاليا ، وتصوير أن تاريخ السودان يبدأ ب 25 مايو 1969م ، وكانت تركز علي استحالة تكرار تجربة الإضراب السياسي العام في اكتوبر 1964م ، وفزّاعة البديل الأحزاب ، وانه لا يوجد بديل غير نظام مايو ، وأن الأحزاب انتهت ، وأنه اذا ذهب النظام فسوف تعود الطائفية وتعاني البلاد من الفرقة والتمزق ، والهجوم المتواصل علي الأحزاب ، وهي النغمة نفسها التي نسمعها الآن تحت ظل نظام الانقاذ الذي يعاني من ضربات الثوار..

3 . –  لم تكن انتفاضة مارس- ابريل 1985م حدثا عفويا عابرا ، وانما كانت نتاجا لتراكم المقاومة المتواصلة العسكرية والجماهيرية ، فمنذ قيام انقلاب 25 مايو 1969م الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية واجه النظام علي سبيل المثال لا الحصر أشكال المقاومة الآتية:

*مقاومة الانصار في الجزيرة ابا والتي قمعها النظام عسكريا بوحشية ودموية ، عبرت عن هلع وضعف الديكتاتورية العسكرية.

*مقاومة ضباط انقلاب 19 يوليو 1971م الذين اطاحوا بحكم الفرد ، وبعد الفشل ، استشهد العسكريين : الرائد هاشم العطا والمقدم بابكر النور والرائد فاروق عثمان حمدالله وغيرهم من العسكريين البواسل ، وقادة الحزب الشيوعي : عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق ، واعتقال وتشريد الالاف من الشيوعيين والديمقراطيين بعد يوليو 1971م.

*وبعد ردة 22 يوليو 1971م الدموي ، تواصلت المقاومة الجماهيرية ، وكانت مظاهرات واعتصامات طلاب المدارس الصناعية عام 1972م ، والمظاهرات ضد زيادات السكر في مايو 1973م ، والتي أجبرت النظام علي التراجع عنها ، كما انفجرت انتفاضة اغسطس 1973م والتي قادها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وبعض النقابات . وفي العام 1974م كانت هناك مظاهرات طلاب كلية الطب في الاحتفال باليوبيل الفضي ضد السفاح نميري ، واعتصام طلاب جامعة الخرطوم في ديسمبر 1973م ، من أجل عودة الاتحاد الذي تم حله ، واطلاق سراح المعتقلين وحرية النشاط السياسي والفكري في الجامعة، والمظاهرات التي اندلعت ضد الزيادات في السكر والأسعار ، واضرابات ومظاهرات طلاب المدارس الثانوية في العاصمة والأقاليم عام 1974م من اجل انتزاع اتحاداتهم وضد اللوائح المدرسية التي تصادر حقهم في النشاط السياسي والفكري المستقل عن السلطة والإدارات المدرسية حتي نجحوا في انتزاع اتحاداتهم.

وفي دورة يناير 1974م ، أجابت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني علي سؤال ما هو البديل؟ : وأصدرت وثيقة بعنوان “مع الجماهير في قضاياها وتساؤلاتها حول : البديل – القيادة – الأداة ” طرحت فيها شعار الإضراب السياسي العام والانتفاضة الشعبية كأداة للاطاحة بالسلطة.

* وفي سبتمبر 1975م وقعت المحاولة الانقلابية التي قام بها المقدم حسن حسين ، وتم اغلاق جامعة الخرطوم ، وتقديم قادة الانقلاب لمحاكمات وتم الحكم عليهم بالاعدام واستشهادهم في “وادي الحمار” بالقرب من مدينة عطبرة.

* وفي يوليو 1976م ، كانت المقاومة المسلحة من الخارج التي نظمتها الجبهة الوطنية (الأمة ، الاتحادي ، الإخوان المسلمون) ، وبعد فشل المحاولة تم اعدام قادتها العسكريين والمدنيين (العميد محمد نور سعد ، ..الخ) ، وتم التنكيل بالمعتقلين بوحشية ، وتم وصف سودانيين معارضين (بالمرتزقة)!!!.

* وفي اغسطس 1977م ، تمت المصالحة الوطنية والتي شارك بموجبها في السلطة التنفيذية والتشريعية أحزاب الأمة (الصادق المهدي) والاتحادي الديمقراطي (محمد عثمان الميرغني) والإخوان المسلمون (مجموعة د. حسن الترابي) ، ورفضت أحزاب الشيوعي والاتحادي (مجموعة الشريف الهندي) و البعث. الخ، المشاركة في السلطة ، وتحت هيمنة نظام الحزب الواحد و”اجندة” نميري ، وحكم الفرد الشمولي ، والذي كان يهدف من المصالحة لشق صفوف المعارضة واطالة عمره والتقاط انفاسه التي انهكتها ضربات المعارضة المتواصلة ، واصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وثيقة “الديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية – جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن” التي دعت لمواصلة مقاومة النظام حتى اسقاطه بالاضراب السياسي العام والعصيان المدني.

. –   بعد المصالحة الوطنية تواصلت الحركة الجماهيرية ، وكانت اضرابات المعلمين والفنيين وعمال السكة الحديد، وانتفاضات المدن (الفاشر ، سنجة ، سنار ، الأبيض .. الخ)، وانتفاضات الطلاب واضرابات الأطباء والمهندسين والقضاء، والمزارعين ، ومعارك المحامين من أجل الحقوق والحريات الديمقراطية ، وندواتهم المتواصلة التي كانت في دار نقابة المحامين ضد القوانين المقيدة للحريات.

–   في مايو 1983م وبعد خرق النميري لاتفاقية اديس ابابا بعد قرار تقسيم الجنوب ، انفجر التمرد مرة اخري بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وزادت النيران اشتعالا بعد إعلان حالة الطوارئ وقوانين سبتمبر 1983م ، والتي كان الهدف منها وقف مقاومة المعارضة الجماهيرية المتزايدة ، ولكن المقاومة زادت تصاعدا بعد تطبيق تلك القوانين في ظروف ضربت فيها المجاعة البلاد وتفاقم الفقر والبؤس والزيادات المتوالية في الاسعار وشح المواد البترولية، اضافة لفقدان البلاد لسيادتها الوطنية بعد اشتراك السودان في مناورات قوات النجم الصاعد ، وترحيل الفلاشا الي اسرائيل ، وديون السودان الخارجية التي بلغت 9 مليار دولار ، وتفاقم الفساد الذي كان يزكم الانوف ، وتدهور مؤسسات السكة الحديد والنقل النهري ومشروع الجزيرة والتدهور المستمر في قيمة الجنية السوداني. وتواصلت المقاومة ضد قوانين سبتمبر ، وتم الاستنكار الجماهيري الواسع لاعدام الشهيد الأستاذ محمود محمد طه في 18 يناير 1985م. وبعد ذلك بدأت المقاومة تأخذ اشكالا اكثر اتساعا وتنظيما وتوحدا ، وتم تكوين التجمع النقابي والقوي السياسية الذي قاد انتفاضة مارس – ابريل 1985م ، بعد الزيادات في الأسعار التي اعلنها النظام في أول مارس 1985م وتواصلت المظاهرات ضد الزيادات في بعض المدن مثل : عطبرة من اول مارس وحتي 6 ابريل ، عندما أعلن التجمع النقابي الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي اوقف الانتاج وشل جهاز الدولة وأخيرا انحياز المجلس العسكري والذي اعلن الاطاحة بالنظام الذي قطع الطريق أمام الانتفاضة وضرورة الاستفادة من دروس الانتفاضة التي تناولناها بالنفصيل والحلقتين السابقيتين..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.