من الذي صنع حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور؟

0 87

كتب: ✍️ عبد العزيز آدم الحلو

كتبت الصحفية (رشا عوض) بتاريخ 12 مارس 2023 مقالاً نقدياً بعنوان: (لا وجود لثورة مُسلَّحة في دارفور أصلاً) – ذكرت فيه إن الحركات المُسلَّحة في دارفور لم تقم على نظرية ثورية ولا تملك أي برامج للتغيير الإجتماعي والإقتصادي .. إلخ. وقد تم الرد عليها من قبل بعض الكتاب.

لم يكن ليتم الرد على ما ذكرته الأستاذة/ رشا عوض لولا أهمية ما أشارت إليه بأن حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور (تقود حرباً بالوكالة) – كما جاء في إحدى فقرات مقالها – على النحو التالي:

(هنالك حروب وكالة مصنوعة أحرقت الإقليم .. الحركات المُسلَّحة في دارفور بعضها صنعها الترابي لتصفية حساباته مع المؤتمر الوطني بعد المفاصلة. وبعضها صنعه جون قرنق في إطار مشروعه لإحكام الحصار على المركز من الغرب والشرق بالإضافة إلى الجنوب حتى يكون زعيماً لكل المُهمَّشين، وعلى هذه الأعمدة يمكن أن يحكم السُّودان عبر الإنتخابات .. إلخ) – إنتهَى.

هذه الجزئية من مقال الأستاذة (رشا عوض) هو ما جعلنا نكتب هذا الرد لإجلاء الحقائق التالية للسُّودانيين، والتي كُنَّا شهوداً عليها – وعليه نطرح هذين السؤالين:

(أ)- (من الذي صنع حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور أصلا ؟).

(ب)- هل حركات دارفور التي صنعها (جون قرنق) – كما جاء في مقال (رشا عوض) – مُلتزِمة برؤية الحركة الشعبية ومشروعها ؟ – أم لديها توجُّهات أخرَى.

وللرد على ذلك نعود إلى جذور مشكلة السُّودان في دارفور وأسباب الصراع المُسلَّح هناك:

1/ عندما خرج الإنجليز في عام 1956 حل إداريين من النُخب المحلية محل الإداريين الإستعماريين. وقامت تلك النُخب بتعريف أنفسهم كعرب، وألبسوا هويتهم العربية الإسلامية للدولة رغم تسجيل 69 % من السودانيين كأفارقة زنوج في إحصاء 1955 – وحاولت تلك النخب فرض هويتها العربية (المزعومة) على بقية الشعوب السودانية التي رفضت الإعتراف بتلك الهوية.

2/ تصريح إسماعيل الأزهري رئيس الدولة في فجر الإستقلال سنة 1956 – قائلا: (أشعر في هذا المنعطف بأنني مُضطر لأعلن أننا نعتز بأصلنا العربي، بعروبتنا وبكوننا مُسلمين. العرب جاءوا إلى هذه القارة كرواد لنشر ثقافة أصلية وإعزاز مباديء سامية أشاعت العلم والحضارة في كل بقاع أفريقيا في وقت كانت فيه أوربا غارقة في دهاليز الظلام والجهل والكهنوت والتخلُّف المريع .. إن أجدادنا هم الذين حملوا المشعل عالياً وقادوا قافلة التحرُّر والتقدُّم) – إنتهَى.

3/ التوقيع على شروط إنضمام السُّودان للجامعة العربية في 1956 التي قامت على ضرورة تعريب السُّودان بعد إعتراض بعض الدُّول على عضوية السودان في الجامعة العربية.

4/ في العام 1967 عُقد مؤتمر فرولينا (حركة فرولينا لتحرير تشاد) بمدينة (نيالا) السُّودانية الذي إستضافه الصادق المهدي (رئيس الوزراء آنذاك) وبتأييد د/ حسن الترابي (رئيس جبهة الميثاق الإسلامي آنذاك) وحليف حزب الأمة في الحكومة – وكلاهما حضرا المؤتمر. في ذلك المؤتمر تم وضع الإستراتيجية لإستلام السلطة من (فرانسوا تمبلباي) – المسيحي الزنجي – في تشاد بواسطة (حركة فرولينا) وتعريب تشاد ودارفور بالتزامُن مع طرح مشروع الدَّستور الإسلامي على منضدة الجمعية التأسيسية في السُّودان. وقد أسس ذلك المؤتمر لميلاد (التجمُّع العربي ) بدارفور فيما بعد .

ونتيجة لإصرار نخب المركز على التمسُّك بالهوية العربية للسُّودان المذكورة أعلاه والعمل بكافة السبل لتعريبه، تم دفع شعب دارفور للمقاومة والدفاع عن النفس أسوة ببقية شعوب الهامش الزنجية التي قاومت الإستعراب. وكانت دارفور آخر الشعوب الزنجية التي حملت السلاح، حيث إبتدر الجنوبيين المقاومة في 1955، ليتبعهم النوبة في 1984، ثم الفونج 1985، قبيلة الفور 1988، البجا والمساليت 1995 – وأخيرا دارفور كإقليم في 2002.

أما الأسباب المُباشرة التي دفعت شعب دارفور لرفع السِّلاح هي مُبادرة المركز بتسليح المجموعات العربية في دارفور – وكان ذلك على النحو التالي:

– حصل الأبالة على التسليح وبدأوا هجماتهم على قبيلتي (الفور – والترجم) بشرق جبل مرة منذ العام 1982، ليطلق رئيس الدولة وقتها (نميري) على تلك العمليات جرائم النهب المُسلَّح تغطيةً ومواراة، حتى لا يكتشف السُّودانيين إنها حرب تطهير عرقي، مع عدم إتخاذ الحكومة أي إجراءات لحماية المواطنين (الزُرقة).

– قيام رئيس الدَّولة جعفر محمد نميري – واللواء/ فضل الله بُرمة ناصر- بزيادة تسليح القبائل العربية على طول خطوط ما يُسمَّى بـ(التماس) مع الجنوب بحُجَّة أن ذلك جزء من تكتيك الحرب المُضادة للتمرُّد عند ظهور الحركة الشعبية والجيش الشعبي على الحدود مع إثيوبيا في 1983 وحتى قبل أن يصل الجيش الشعبي لما يُسمَّى بمناطق التماس تلك.

– دخول زعيم المُعارضة التشادية الشيخ (إبن عمر) إلى دارفور من ليبيا في أعوام (1986- 1988) بإذن رئيس الوزراء وقتها (الصادق المهدي) بعد ما فشل في الإستيلاء على السلطة في تشاد، حيث إستقرَّ بدارفور وقام بتوزيع المزيد من السلاح للقبائل العربية هناك.

– إعتراف رئيس الوزراء الصادق المهدي بتنظيم (التجمع العربي) عام 1987 لتعقبه صدور إعلانات (قريش1 / وقريش 2) – ثم ظهور مليشيات الجنجويد، لتستمر عمليات الإبادة والأرض المحروقة بصورة أوسع وأكبر من ذي قبل.

– إضطرَّ إبراهيم دريج لتأسيس حركة فاس (القوات الفيدرالية السُّودانية المُسلَّحة) – (FAS) – Federal Army of Sudan – لتقوم بحماية قبيلة الفور في العام 1988.

– إنضم إبن الحركة الإسلامية المناضل/ داؤود يحيى بولاد إلى الحركة الشعبية لتحرير السُّودان عام 1990 بعد أن إكتشف خطة الإنقاذيين لإبادة قبائل (الزُرقة) بدارفور وتنزيح من بقى حيا منهم إلى هوامش المُدن لأغراض التدجين .. وذلك بموجب سياسة التخطيط الإجتماعي لـ(علي عثمان محمد طه) . وقد رافقت المناضل (بولاد) بنفسي على رأس كتيبة الحركة الشعبية (الجيش الشعبي) لدارفور عام 1991 .. وكان الفور يأتون إلينا طلباً للسلاح الذي كنا نستولَى عليه في المعارك مع الجيش الحكومي والجنجويد .. وعندما سألناهم عن سبب طلبهم للسلاح فقد أفادونا بأن قراهم بمناطق (وادي سندو) قد حُرقت ونُهبت بواسطة الجنجويد ستة مرات منذ العام 1986.

– أسَّس آدم محمد إسحق الملقب بـ(آدم بازوكا) حركة مقاومة بدار مساليت في 1995 كرد فعل لعمليات الإبادة التي تعرَّضت لها قبيلة المساليت من قبل الجيش الحكومي ومليشيات الجنجويد.

– أخيرا ظهرت حركة وجيش تحرير السُّودان بقيادة عبد الواحد محمد نور كحركة قومية منطلقة من دارفور في عام 2002، وكرد فعل لتصاعد عمليات الإبادة والأرض المحروقة بدارفور، حيث إرتفع عدد القتلى إلى (مليون قتيل) وأكثر من (إثنين ونصف مليون) نازح داخل مدن دارفور بعد أن تم حرق أكثر من (عشرة آلاف) قرية في دارفور وبشهادة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

أما من جانب تاريخ دارفور السِّياسي بعد 1956 فنذكر بعض التنظيمات السياسية المطلبية التي أنشأها أهل دارفور لحل إشكالات التهميش والإقصاء بالطرق السلمية منذ وقت مُبكِّر ولكن تم قمعها جميعها – وهي:

– حركة اللهيب الأحمر التي تأسَّست عام 1958 بقيادة (مصطفى باشا) للمطالبة بالتنمية والتمثيل العادل في هياكل السُلطة.

– حركة سوني في عام 1965 بقيادة كل من (عباس عبدالله أبوشوك / و أحمد محمد نور) بهدف إسترداد سلطنة الفور والتحرُّر من الإستعمار الداخلي.

– جبهة نهضة دارفور عام 1965 بقيادة (أحمد إبراهيم دريج) للمطالبة بالعدالة في تقسيم السلطة والثروة.

– إنضمت الغالبية العظمى من طلاب ومتعلمي دارفور لتنظيم الأخوان المسلمين أملا منهم في أن يطبق شعاراته التي تنادي بالقومية على أساس (الأخوة في الدين) لتحررهم من العنصرية والعرقية التي تمارسها نخب المركز، ولكن بعضهم تفاجأ بإنحياز الأخوان المسلمين عندما وصلوا للسلطة للقبائل العربية ودعمهم للـ(تجمُّع العربي) .. مثل المهندس/ داؤود يحيى بولاد، والدكتور/ خليل إبراهيم محمد .. حيث إتخذوا مواقف مضادة لسياسات الإنقاذ وقرَّروا حمل السِلاح لمقاومتها دفاعاً عن شعبهم بعد إكتشافهم لزيف الشعارات.

برغم الدور الكبير الذي لعبه حزب الأمة في مأساة دارفور إلَّا أن الإنقاذ تفَّوقت عليه من ناحية العدوان والإستهداف لشعب دارفور. حيث قامت إستراتيجية الإنقاذ تجاه دارفور على رفع يد الدَّولة تماماً عن مهامها في توفير الأمن، بل عملت على تدمير العلاقات التقليدية في دارفور والإنحياز للقبائل العربية ضد (الزُرقة)، وعلى إشاعة ثقافة الحرب والعُنف في الإقليم، وإستغلال أبناء دارفور ونزعتهم الدِّينية إحتياطياً عسكرياً وأمنياً وسياسيّاً ضد الحركة الشعبية لتحرير السُّودان وقوَى المُعارضة الأخرى قبل إنفصال الجنوب وقبل تأسيس حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور عام 2002.

ولقد ذُكر في الجزء الأول من الإستراتيجية القومية الشاملة للإنقاذ (1992-2000)، تحت جزئية إستراتيجية السُكَّان:

(إعادة توزيع السُكَّان بالطريقة التي ستحقِّق التنمية وتُقوِّى الأمن القومي ..) !!.

وقد نتج عن التقابُل “الأخوي” بين النظام والتجمُّع العربي، الآتي:

1- إبادة العناصر الزنجية وفق إستراتيجية (الأرض المحروقة) .

2- توطين العناصر العربية في هذه الأراضي وتمليكها لهم.

إذا لماذا نشأت حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور ؟. وهل نشأتها غير مُبرَّرة وغير موضوعية ؟:

1/ لقد نشأت حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور نتيجة لكل ما ذكر أعلاه، وبعد نضوج الظروف الموضوعية للثورة. وبالتَّالي فإن ما ذهبت إليه الأستاذة: (رشا عوض) – فهو مجافي للحقيقة لأن هذه الحركات تأسَّست للدِّفاع عن المُهمَّشين في دارفور الذين عانوا من القمع والظلم والإضطهاد الذي ذكر سلفاً بسبب إختلافهم عرقيا وثقافيا عن المركز.

2/ المحاولة الوحيدة للحركة الشعبية لدخول دارفور كانت في العام 1991 وجاءت بطلب من أهل دارفور عبر المهندس/ بولاد – وآخرون – للدفاع عن أنفسهم من عدوان المركز. وقتها كنت قائدا لتلك الحملة برفقة الشهيد/ داؤود يحيى بولاد – وهي الحملة التي نجحت نجاحا كبيرا في وقتها. ولكن لسوء الأحوال الطبيعية إنسحبت الحركة الشعبية وعادت إلى مناطق سيطرتها.

3/ نشأت حركات الكفاح المُسلَّح بدارفور نتيجة لوعيهم بقضايهم، حيث لم يترك لهم خيار آخر غير حمل السلاح لإسترداد كرامتهم وتحرير شعبهم من ما عانوا منه عبر تاريخ السودان المستقل. وبالتَّالي فان حملهم للسِلاح يأتي في سياق (سيرورة) التاريخ التي أنتجت وعيهم السِّياسي (التراكُم الكمِّي – الذي أنتج التحوُّل الكيفي).

4/ الحركة الشعبية لا علاقة لها بنشأة حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور – وليس صحيحاً أنها تقود حرباً بالوكالة لصالح أحد – ولكن هذه الحركات نشأت لتحرير الشعب من الظلم والقمع والتَّهميش وما تعرَّضوا له عبر تاريخهم في دولة السودان.

5/ نشأة حركات الكفاح المُسلَّح في دارفور لا تخرج عن السياق العام للحركات التحرُّرية التي نشأت وسط المجتمعات البشرية في كافة أرجاء العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.