ورشة إصلاح القطاع الأمني..

0 50

كتب: عثمان ميرغني

.

 

 

تمنيت لو جادت العبقرية السياسية السودانية بكلمة أخرى أفضل من “اصلاح” في حق المنظومة الأمنية والعسكرية، مثلاً “تطوير” أو “ترقية”، فكلمة “اصلاح” تمنح الإحساس بأنها عملية عكسية لوضع “خطأ”، بينما “تطوير” أو “ترقية” تمنح الإحساس باستدامة التحديث والتغيير الذي يراكم الخبرة ليصنع منها واقعاً جديداً أكثر حداثة ومواكبة للعصر.

الجيش السوداني مؤسسة عمرها يقترب من 100 عام، له تقاليد وخبرة راسخة تطورت عبر الزمان، وكأية مؤسسة يحتاج إلى استمرار التطوير وترقية نظمه وأدائه بصورة طبيعية حتى دون الحاجة الى ثورة شعبية، وبهذا المفهوم فهي عملية ممتدة مع الزمن، تراجع ما مضى وتبني عليه مطلوبات التجديد والتحديث، في كل تفاصيله أشبه بتحديث برمجيات الكمبيوتر الذي يرقي الإصدارات الحاضرة ليستشرف بها مستقبلاً آت.

و لكن في زخم الاحتطاب بالشعارات وجدت المنظومة الأمنية والعسكرية نفسها شعاراً وهتافاً مطلق المعاني بلا قيود، مما قد يلحق ضرراً بليغاً بكل القوات النظامية تماماً كما حدث لجهاز أمن الدولة بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق جعفر نميري..

فبعد حوالى 24 ساعة فقط من نجاح الانتفاضة الشعبية في 6 إبريل 1985 كان العنوان الرئيسي لصحف الخرطوم “تصفية جهاز أمن الدولة” وفي لمح البصر وجد الآلاف من الضباط والجنود والمصادر السرية أنفسهم في العراء بكل ما يحملون في صدورهم وعقولهم من أسرار تمس الأمن القومي السوداني.

بعد ثورة ديسمبر تطور الأمر وطال الجيش السوداني الذي ظل محافظاً على هياكله وقوامه المهني منذ تولى اول قائد سوداني مهامه بعد الاستقلال، وأصبح كثير من الشعارات التي تتبارى فيها المكونات السياسية تستخدم مصطلح “الاصلاح” رديفاً للتفكيك ربما بالطريقة ذاتها التي دمرت جهاز أمن الدولة في 1985.

لكن الأمر وضع في نصابه الآن، رغم كون كلمة “اصلاح” تبدو غير لائقة في مقام المنظومة الأمني والعسكرية إلا أن التوافق السياسي الذي شاركت فيه القوى المدنية والعسكرية استعاد المعنى الأفضل للمصطلح أن تكون عملية تطوير وترقية تستهدف المواكبة لمطلوبات العصر المعنوية والمادية معاً.

من الحكمة – كما ذكر النائب الأول قائد قوات الدعم السريع أمس في خطابه- إبعاد الأجندة السياسية من هذه العملية الحساسة التي تتطب بيئة معافاة و عملاً دؤوباً خلف الغرف المغلقة حتى لا تصبح أسرار السودان الأمنية والعسكرية في الهواء الطلق ومجاناً.

في تقديري أن ورشة إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية حققت غالبية أهدافها من أول جلسة في الورشة التي بدأت أمس الأحد، بعد خطابي البرهان ودقلو.. وما تبقى تفاصيل لن يختلف عليها أحد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.