التسوية لن تنقذ الانقلاب من مصيره المحتوم

0 67

كتب: تاج السر عثمان بابو

.

1 . أشرنا سابقا الي الذكرى 38 لانتفاضة أبريل 1985م ، والذكرى الرابعة لاعتصام القيادة العامة التي تمر بنفس الظروف التي فجرت الانتفاضة وثورة ديسمبر رغم محاولات التسوية لاطالة عمر الانقلاب التي لم تنقذ النظامين من مصيرهما المحتوم الي مزبلة التاريخ  ، مما يتطلب أوسع مشاركة جماهيرية في مواكب 6 أبريل لهزيمة التسوية واسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي.

  فرغم الخطوات الجارية للتسوية  في المسودة الأخيرة التي نُشرت لوثيقة الاتفاق الإطاري التي تنتج شراكة جديدة بين اللجنة الأمنية للنظام المدحور والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، والقوى التي كانت مشاركة الانقاذ حنى سقوطه ، الا أن أهم سمات المسودة : –

– إعادة إنتاج شراكة جديدة  تكرّس هيمنة العسكر والجنجويد في السلطة بدعم اقليمي ودولي.

–  تؤدي للافلات من العقاب ، والاستمرار في القمع الوحشي للمواكب السلمية والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب وغرب كردفان ..الخ بهدف نهب الأراضي والموارد والتفريط في السيادة الوطنية ونهب ثروات البلاد ،  وعدم تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية ، وتطيل من عمر الانقلاب الذي اصبح يترنح تحت ضربات الثوار ، والمقاومة الباسلة.

–  تضفي الشرعية للجنجويد أو “الدعم السريع” كقوة نظامية رغم أنها مليشيا قبلية ودموية مرتبطة بالخارج ، اضافة لتكريس جهاز أمن النظام المدحور.

–  تبقي على اتفاق جوبا الذي فشل في السلام وتحول لمحاصصات وفساد ، ويهدد وحدة البلاد..

 – تبقي على  آثار انقلاب 25 أكتوبر بعدم  الغاء كل قراراته ومراسيمه، فضلا عن عدم الغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، والقرارات الصادرة عن انقلاب أبريل 2019م وانقلاب 25 أكتوبر 2021م ، مما يؤدي لاستمرار التمكين وعدم استعادة أموال الشعب المنهوبة.

 –  ابعاد الحكومة المدنية من  الاصلاح الأمني والعسكري ، وتركه للجنة الأمنية ، مما يعيد إنتاج الانقلاب العسكري ، والحلقة الجهنمية ، فضلا عن عدم الحل الجذري  لمشكلة المؤسسات العدلية الموروثة من نظام الانقاذ.

 – التسويف في تكوين المجلس التشريعي بعدم تحديد مواعيده ، مما يعني تكرار تجربة عدم قيامه ، وإعادة النظام الرئاسي في غياب المجلس التشريعي ، وعدم تحديد طبيعة الحكم رئاسي أم برلماني.

صفوة القول ، الاتفاق هو تنازل مذل من قوة الحرية والتغيير للعسكر واستسلام له ، يعيد إنتاج الشراكة تحت هيمنة العسكر بدعم خارجي ويهدف لتصفية الثورة .

2 . رغم المصالحة الوطنية والتسوية  في السنوات الأخيرة للنظام  بتدخل خارجي لتوسيع قاعدة حكم المخلوع النميري ، وقطع الطريق أمام الثورة  التي شارك فيها أحزاب (الأمة – جناح الصادق المهدي، الاتحادي الديمقراطي – جناح الميرغني ، الإخوان المسلمين – جناح الترابي) ، لكنها لم تنقذ النظام .

 وكانت انتفاضة 6 أبريل 1985م التي أنهت ديكتاتورية مايو التي جثمت علي صدر شعبنا لمدة 16 عاما ، مارست فيها شتي صنوف القهر والنهب لخيرات البلاد ، والتفريط في السيادة الوطنية ، وتراكمت المقاومة الجماهيرية والعسكرية حتى تمّ تتويجها بتكوين التجمع الوطني والنقابي وانفجار المظاهرات الجماهيرية في 26 مارس 1985م ، وإعلان الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي انهي حكم النميري بعد تدخل القيادة العامة للجيش التي قطعت مسار الثورة في الوصول لأهدافها النهائية في التصفية الكاملة للنظام وقوانينه القمعية. جاء ذلك بعد تفاقم أزمة النظام وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي التي تم بموجبها التخفيض المتواصل للجنية السوداني ، مما أدي للمزيد من الغلاء والافقار للجماهير ،وتم خرق العهود والمواثيق بانقلاب نميري علي دستور 1973م وتمزيق اتفاقية اديس ابابا التي اوقفت الحرب لمدة عشر سنوات ، مما ادي لاشتعال الحرب مجددا في العام 1983م وبشكل اعنف واوسع من الماضي ، ومما زاد اشتعال النيران اعلان قوانين سبتمبر 1983م التي خلقت جوا من الارهاب والفتنة الدينية باسم الاسلام ، وإعدام الشهيد محمود محمد طه ، في ظروف كانت فيه البلاد في حالة بؤس وفقر ومعيشة ضنكا ومجاعة بسبب الجفاف والتصحر الذي اجتاح البلاد ، وكان الهدف ارهاب الحركة الجماهيرية التي تنامت واتسعت باضرابات الأطباء والقضاء والمعلمين والفنيين وعمال السكة الحديد، باستخدام سلاح الدين. كما فرط نظام نميري في استقلال البلاد وفتح الباب علي مصراعيه أمام اكبر هجمة للمؤسسات الرأسمالية الدولية مثل : صندوق النقد الدولي وتوابعه من الصناديق البترولية كما فتحها أمام السماسرة

واللصوص في أكبر عملية نهب شهدتها البلاد ،وكانت حصيلتها تدمير الاقتصاد السوداني ، كما تم تدمير البيئة من خلال السياسات غير المدروسة للتوسع في الزراعة الآلية مما أدي للجفاف والتصحر والمجاعات ، اضافة لديون خارجية بلغت 9 مليار دولار عندما اندلعت الانتفاضة. كما شهدت البلاد اكبر عملية تهريب للفائض الاقتصادي (بلغ متوسط حجم روؤس الأموال التي تم تهريبها للخارج 15 مليار دولار) لحظة اندلاع الانتفاضة ، والتي هربتها البنوك المحلية والأجنبية ، كما فقدت البلاد سيادتها الوطنية واشترك السودان مع أمريكا في مناورات النجم الساطع ، وشارك رموز النظام في عملية ترحيل اليهود الفلاشا الي اسرائيل ، مع اتهامات بدفن النفايات النووية ، كما دمر النظام الانتاج الزراعي والصناعي ، وخلق شريحة رأسمالية طفيلية من المدنيين والعسكريين والتي راكمت ثرواتها من النشاط في القطاعات غير المنتجة.

كان من أهم دروس الانتفاضة كما اشرنا سابقا : ضرورة حماية ومواصلة الانتفاضة حتي تحقيق اهدافها ، وتصفية آثار النظام القديم والغاء كل القوانين المقيدة للحريات ، واسترداد اموال الشعب المنهوبة ومحاسبة المفسدين والذين اجرموا في حق الشعب السوداني ، وتحقيق الديمقراطية والحل الشامل والعادل لمشاكل البلاد.

3 . وكما يجرى الآن في التسوية الجارية ، رغم المحاولات في الأيام الأخيرة للبشير بتوسيع قاعدة الشراكة معه على أساس “الهبوط الناعم” بين نظام البشير و قوى نداء السودان (حزب الأمة – جناح الصادق المهدي ، حزب المؤتمر السوداني ، الجبهة الثورية .. الخ) .

لتوسيع قاعدة النظام والمشاركة في انتخابات 2020م .

  لكن جاءت ثورة ديسمبر 2018م  التي اسقطت رأس النظام (البشير) ، وكانت تتويجا لنضال طويل خاضه الشعب السوداني ، ضد ديكتاتورية الإسلامويين الدموية التي قمعت المعارضة السياسية والنقابية بالتعذيب الوحشي والاعتقالات ، وتشريد 350 الف من أعمالهم ، ونهبت ثروات البلاد لمصلحة الطفيلية الإسلاموية ، وطغت في البلاد فأكثرت فيها الفساد ، حتى بلغت ديون السودان الخارجية 60 مليار دولار ، وكانت مصادر النهب وتركيز الثروة من أصول القطاع العام ، ونهب مدخرات المواطنين بعد اصدارقانون النظام المصرفي لعام 1991م ، والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني وامتصاص الفائض ، واجراءات تبديل العملة وانتهاك قانون واعراف سرية النظام المصرفي وكشف القدرات المالية لكبار رجال الاعمال امام تجار الجبهة الاسلامية ، اضافة لتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية ، والمضاربة في العقارات والاراضي والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية واستيلاء شركات ومؤسسات الجبهة الاسلامية علي مؤسسات تسويق الماشية ، وعائدات الذهب والبترول التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار ، والتعليم والصحة (استثمارات د. مامون حميدة) والذين اصبحا سلعة ومصدرا من مصادر التراكم الرأسمالي. بالتالي من المهم بعد الثورة استعادة تلك الأموال المنهوبة وتفكيك التمكين . هذا اضافة

للخضوع لأملاءات صندوق النقد الدولي بالسير في سياسة التحرير الاقتصادي وتخفيض العملة ، مما أدي لازمة اقتصادية عميقة وتدهور في الأوضاع المعيشية.

اضافة لتمزيق وحدة البلاد بانفصال الجنوب نتيجة للاستعلاء العنصري والديني ، والتطهير العرقي بتحويل حرب الجنوب الي دينية ، وتكوين قوات الجنجويد التي تحولت للدعم السريع ، وممارسة ابشع عمليات التطهير العرقي في جبال النوبا ، وجنوب النيل الازرق ، وفي دارفور التي بلغ ضحاياها 500 الف مواطن ، وتشريد 3 مليون من قراهم ، حتى أصبح البشير مطلوبا ومتهما بارتكاب تطهير عرقي في دارفور ، وحرق القري وجريمة الاغتصاب بعد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.

 كما فقد السودان سيادته الوطنية بالدوران في فلك الأحلاف العسكرية الخارجية ، والمشاركة في حلف اليمن ، وارسال الشباب لمحرقة الحرب في اليمن ، واسلوب المراوغة ونقض العهود والمواثيق ، بتوقيع الاتفاقات ، وعدم تنفيذها (نيفاشا ، القاهرة ، ابوجا، الشرق ، .. الخ) التي تحولت الي محاصصات وفاقمت الأزمة والحروب.

  كانت ملحمة الاعتصام أمام القيادة العامة تعبيرا عن وحدة وتلاحم وتضامن السودانيين غض النظر عن الدين أو العرق أو اللون ، أو اللغة أو الثقافة أو المعتقد السياسي والفكري ، وصورة مصغرة لوحدة السودان من خلال تنوعه ، ولكن قوي الشر في اللجنة الأمنية للنظام البائد  تحرشت بالاعتصام كما في مجزرة 8 رمضان ، ومجزرة فض الاعتصام التي كانت  أكبر مجزرة ضد الانسانية ، تتطلب عدم الافلات من العقاب ، والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين ، وكانت مجزرة فض الاعتصام انقلابا دمويا علي الثورة، وتعبيرا عن استمرار مجازر الإبادة الجماعية وضد الانسانية في دارفور والمنطقتين ، وما جري فيها من حرق وقتل ونهب الممتلكات ، وتعذيب وحشي للشباب ، واغتصاب للشابات ، ورمي الشباب وهم أحياء مثقلين بحجارة اسمنتية في نهر النيل ، راح ضحيتها حسب تقريرصادر من البنتاغون 1800 قتيل ، و470 أُعدموا ، وتم تنفيذ ذلك بقوة تقدر ب 15 الف ، مما يتطلب مواصلة الثورة والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين ، وحل مليشيات الدعم السريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات وفق الترتيبات الأمنية، وقيام الجيش القومي المهني الموحد ، وضم كل شركات الجيش والدعم السريع والشرطة والأمن لولاية وزارة المالية ، ومحاكمة المسؤولين عن مجازر مابعد انقلاب 25 أكتوبر. الخ من اهداف الثورة.

4 . وأخيرا في ذكري 6 أبريل أوسع نهوض جماهيري ضد الانقلاب والتسوية الهادفة لاطالة عمر الانقلاب التي هزمها شعبنا في انتفاضة أبريل 1985م ، وثورة ديسمبر 2018م  ، والتصعيد  بمختلف الأشكال ، والمزيد من التنظيم والتحالفات القاعدية ، ووحدة قوى التغيير الجذري والرافضة للتسوية ، والسير قدما نحو والتحضير الجيد للانتفاضة الشعبية الشاملة والاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط الانقلاب الدموي وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.