الجيش السوداني، هل هو فعلاً مليشيا؟

0 25

كتب: محمد جلال أحمد هاشم

.

أصل التعليق أدناه كنت قد كتبته عن الفرق بين الجيش النظامي والمليشيا في باب المقارنة بين الجيش السوداني ومليشيا الجنجويد، وذلك في قروب “منصة دعم مفوضية الإصلاح القانوني”. والتعقيب يجيء كرد لكل الذين يتكلمون بالهوى انطلاقا من غبائن مفهومة تجاه الجيش السوداني وعقيدته القتالية.

***

الجيش النظامي لبلد بعينه قد يكون جيشا غير وطني في عقيدته القتالية، لكنه برغم هذا ليس مليشيا. هذه المسألة ليست مما يُحمل على الرأي، بل مما يُحمل على أنه معلومة. فهنا لا يهمنا رأيك الشخصي وحكمُك وفقا لذلك، بل تهمنا المعلومات الفنية التي تمتلكها بخصوص الموضوع.

فمسألة هل هذا الجيش هو جيش نظامي أم هو مليشيا هي مسألة فنية وهيكلية بحتة تحددها جملة معايير وشروط من الواجب توفرها في أي جيش دون اشتراط ذلك في المليشيا. من ذلك ضرورة توفر الشروط والكيفيات والمعايير المتعلقة بالتجنيد على مستوى الجنود والضباط (مدرسة الجنود والكلية الحربية)، ثم التراتبية وقواعد وشروط التدريب والترقي والإحالة للمعاش، بجانب الأسلحة corps بما يغطي وجوبا الأسلحة التالية: المشاة، المدفعية، الدروع، المظلات والصاعقة، البحرية، الطيران، الإشارة، المهندسين، السلاح الطبي، التوجيه المعنوي، الموسيقى، الاستخبارات، الشرطة العسكرية، القضاء العسكري، كل هذا في الحد الأدنى، بجانب التسليح وما يتبع من تصنيع حربي، يبدأ بتصنيع الذخيرة إلى كل شيء ما أمكن ذلك. هذا بجانب القوانين واللوائح ثم الإدارات غير العسكرية، من مالية ومعاشات إلخ، بوصف كل هذا نظاما قائما بذاته، بصرف النظر عن منسوبيه الذين ينخرطون فيه ثم يعبرون إلى خارجه.

أما المليشيا فتعتمد بصورة أساسية على المشاة والعربات غير القتالية، مثل التاتشر والأحصنة والدراجات الهوائية … إلخ، ولا توجد داخلها أي أسلحة corps بالضرورة من قبيل ما ذكرناه، بجانب الاعتماد على المدنيين المتطوعين كمقاتلين، مع تراتبية ونظام ترقيات حسب الحالة ad hoc، وحسب رضا قيادة المليشيا بلا أي ضوابط ولوائح، بجانب ارتباط المليشيا بشخصية القائد وبطانته أو عشيرته الأقربين.

***

كما ذكرت، ليس بالضرورة أن يكون الجيش النظامي جيشا وطنيا. فمثلا، يوليوس نيريري ورث جيشا نظاميا محترفا من المستعمر، لكنه قام بحل ذلك الجيش بدعوى أنه جيش غير وطني، بعقيدة قتالية عالية، لكنها غير وطنية، ومن ثم قام ببناء جيش جديد. وإلى أن يتمكن من بناء الجيش الجديد، استعان بجيوش دول صديقة لحماية البلاد. وكان هذا أيضا ما فعله ملس زيناوي عندما اتخذ قرار حل الجيش الذي ورثه من نظام منقستو هايلي ماريام، بالرغم من أنه كان جيشا نظاميا وليس مجرد مليشيا.

***

في الحقيقة لا يملك المرء إلا أن يشعر بالأسف الشديد عندما يجد قطاعا من المتعلمين السودانيين، في عصر العولمة حيث المعلومات تتدفق فقط بإدخال كلمة مفتاحية entry word في محرك البحث google باستخدام موبايل محمول داخل الجيب، وهم يخوضون في أمر وطني خطير مثل التمييز ما بين الجيش النظامي وما بين المليشيا، محاولين اختراع العجلة. ثم لا تُعجزُهم في هذا اللجاجة والمماحكة، إذ أعجزتهم الحجة، ذلك عندما عجزوا عن امتلاك المعلومات، تكاسلا ذهنيا وفكريا، بينما هي ملقاة على قارعة الطريق.

***

ختاما أقول: المُغتبِن غير فطِن!

 

*MJH*

الخرطوم – 21 أبريل 2023م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.