لوثة عداء الكيزان: منزلق ثوري لقفزة في الظلام (1-2)

0 41

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

يقول الشيوعيون عمن أكثر من مؤاخذتهم إنه يعاني “لوثة عداء للشيوعية”، وبدا لي من تحليل الثوريين السودانيين للحرب التي تعركنا بثفالها أنهم مصابون بـ”لوثة عداء كيزانية”. وبالطبع لـ”الإخوان” ذنوبهم التي لا تغتفر ألا أن لا ترى غيرهم وحدهم سبباً في النائبات التي تعتريك. فأهل الحراك الثوري مجمعون، على رغم خلافاتهم الشقية، على أن “الإخوان” هم من أشعل هذه الحرب ليعودوا إلى الحكم.

فرصد ثوار الاتفاق الإطاري قبل اندلاع الحرب “النشاط المتصاعد لعناصر حزب المؤتمر الوطني المحلول، وسعيهم الحثيث إلى إثارة الفتنة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ودق طبول الحرب أملاً منهم بأن يعودوا إلى السلطة مرة أخرى”. وهو نفس رأي الحزب الشيوعي، إلا أنه لا يعفي خصومه في “الاتفاق الإطاري” من مسؤولية استثارة الحرب نظراً إلى مساعيهم لحل الأزمة السياسة “بالهبوط الناعم”، أي بالخضوع للعسكريين والانقياد لهم. ويرى حزب البعث أن “الإخوان” عشموا في الرجوع للحكم بتأجيج الفتنة بين الجيش والدعم السريع. ومن رأي “حركة حق” التي خرجت على الحزب الشيوعي في التسعينيات، أن الحرب ليست بين جنرالين أو فصيلين عسكريين “وإنما هي بالدرجة الأولى حرب النظام البائد بجنرالاته وقادته أجمعين ضد ثورة ديسمبر”.

القول إن هذه الحرب صناعة إخوانية خالصة عداء عشوائي محض لا يحول دون قائله والتحليل المحيط لظاهرة الحرب التي تكتوي بها البلاد فحسب، بل يخلي يده أيضاً من أي حلول لها. فلا يعرف المرء السبيل لإخماد حرب يصفها الثوريون بـ”الفتنة” تارة، و”العبثية” تارة أخرى. فما لم تكن للحرب أسباب يأخذ بها من يريد إيقافها ويدبر لتلافيها صارت الحرب إعصاراً طبيعياً لا مرد له.

ولهذه الحرب مع ذلك أسباب، بـ”الإخوان”، أو بغيرهم، أساسها حقيقة وجود جيشين في طريق لا مهرب منه للصدام، طال الزمن أو قصر. فخالد عمر يوسف، الناطق الرسمي للاتفاق الإطاري، جاء في كلمة أخيرة بطرف من تباينات مضرسة بين الجيش والدعم السريع من وراء هذه الحرب مؤكداً اعتقاده أن سببها “الإخوان” الذين سيحول “الاتفاق الإطاري” دونهم ودون العودة إلى الحكم.

فقال بتباينات بين الجيش والدعم السريع ظلت شراراتها تنقدح حتى حين بدا أنهما على حال وفاق تام متحالفين لتطويق الحكومة الانتقالية وكسرها. فعرض لاحتكاكات خشنة متكررة بينهما استدعت تدخل المدنيين لتجاوزها. وكانت عظمة النزاع هي تباين حظوظ ضباط الدعم السريع وجنوده عن حظوظ أقرانهم في القوات المسلحة. فكان الدعم السريع يصرف على أفراده بسخاء أوغر صدر الجيش النظامي. فاختصما في يونيو (حزيران) 2020 وتواجها ليسارع إلى نزع فتيل الأمة اجتماع مشترك بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء بحضور السيد الصادق المهدي. وخلص الاجتماع إلى تكوين لجنة مصغرة من ثلاثة لدراسة هذه التباينات بين الجيشين ومعرفة مخاوف كل طرف لتسوية الأمر. وبلغت حدة تلك المواجهة، في قول خالد، أن زميلاً له قال لأحد العسكريين “بالله لو قررتم عمل انقلاب لا تفحشوا فتخربوا البلد” وحدث.

وأطلق عبد الله حمدوك مبادرة في يونيو 2021 عن رأب الصدع في الأمة حيال حشد كل من الجيش والدعم السريع قواتهما. ولكن حمدوك وقوى الحرية والتغيير نجحا مرحلياً في نزع فتيل الصدام. ولم تهدأ ثائرة الجيشين حتى خلال انقلابهما على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. ففي لقاءات “قوات الدعم السريع” مع بعض الدوائر السياسية اعتزل قادتها الانقلاب وقالوا إنه تم بمشاركة من عناصر النظام القديم. وهو خلاف ذكره حمدوك، ضمن خلافات أخرى، دعته لقبول العودة إلى الحكم بعد الانقلاب عليه لأنها مما يهدد استقرار البلاد وأمنها.

لا يستبعد المرء أن يكون “الإخوان” وراء كل تلك المواجهات، ولكنها مواجهات بأسبابها لم يفبركها “الكيزان” للعودة إلى الحكم. وقصارى القول في توزيرهم إنهم وجدوا شقاً فوسعوه.

فليس من بين الثوريين الذين نعرض لموقفهم من الحرب هنا من لم يدع إلى قيام جيش مهني قومي لأنه لا مكان لميليشيات تحمل السلاح خارج المؤسسة العسكرية السودانية (بعد تحريرها من “الكيزان” بالطبع). ولكن بدا في تحليلاتهم للحرب وأطرافها أنه فات عليهم اعتبار مهنية الجيش باستقلال عن النفوذ السياسي لجماعة ما، مثل “الإخوان” فيه. فلو اعتبر عمر القراي، مدير المناهج الخلافي في الحكومة الانتقالية، مهنية الجيش بغض النظر لما احتفل بما يردده محمد حمدان دقلو، الميليشاوي، عن أنه إنما يقاتل من أجل الحكم المدني الديمقراطي. ولما أجاز له أن يقاتل “الإخوان المسلمين” في “الجيش وكتائب ظلهم وعصابات النيقر (حرامية ومسلحون)” التي أشاعوها للإرهاب. وبلغت “لوثة القراي” بـ”الإخوان المسلمين” حد قوله إنه سيأخذ بما يقوله دقلو عن حرصه على الديمقراطية “سواء كان صادقاً أو غير صادق”.

وترتب على هذه “اللوثة الكيزانية” بين الثوريين أن اشتروا من العسكريين (جيش ودعم قبل خلافهما) روايتهم عن “كيزانية” انقلابات ليست كذلك كما اشتروا نظرية حميدتي الحالية بأن القصد من انقلاب الجيش الحالي (أو سمه ما شئت) استعادة الكيزان لملكهم في البلاد.

ونواصل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.