وَمَا الحَرْبُ إِلّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمْ

0 47

كتب: عمر الدقير

.

🔷 عندما قال الشاعر الحكيم زهير بن أبي سُلمى في قصيدته عن حرب داحس والغبراء: “وَمَا الحَرْبُ إِلّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمْ”، فإنه لم يكن ينطلق من الاحتكام للظنون أو “الحديث المُرَجّم”، وإنما لشواهد التاريخ التي تؤكد أن الحروب تقترن بالويلات والمآسي .. وقد اختصر زهيرٌ – بقصديته عن تلك الحرب التي وصفها بالذميمة، وبموقفه منها حين نهض بمناقبية أخلاقية مساهماً في إخمادها – ما هو مطلوبٌ من الأفراد والشعوب، على امتداد أعمارهم، من حراكٍ انساني ينتصر للخير في مواجهة الشر.
وليس هناك من شَرٍّ يمكن أن يحيق بالسودانيين أكبر من هذه الحرب التي تدور رحاها الآن، بالنار وكُتَل الحديد، وتنتهك حقهم في الحياة والسلامة الشخصية والكرامة الانسانية والأمن والطمأنينة وكافة حقوقهم الأساسية، وتجبر الآلاف منهم على النزوح من ديارهم بقلوبٍ أسيانة، وتدمر مُمْكِنات وطنهم وتهدد بانزلاقه للفوضى الشاملة وتفتيت وحدته.

🔷 تصريحات، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة – التي أدلى بها لقناة “القاهرة الإخبارية” – وأكد فيها أن الحل السلمي هو الخيار الأمثل للأزمة في السودان، خطوة إيجابية للأمام في طريق معالجة هذه الأزمة .. المطلوب اصطفاف وطني واسع يدفع في اتِّجاه إنهاء الحرب، بصورة عاجلة، بدءاً بالتوافق على إعلان وقف إطلاق النار – أرضاً وجواً – وسحب الوجود العسكري من المناطق السكنية والشوارع والمستشفيات وغيرها من المرافق العامة والخاصة وتسهيل معالجة الأوضاع الانسانية القاسية – مع آليات مراقبة وطنية ودولية – ومن ثَمّ اعتماد الحل السياسي السلمي لمخاطبة قضايا أزمة بلادنا بعقل وطني جماعي.

🔷 نحن ضد انهيار مؤسسات الدولة أو إضعافها – المدنية والعسكرية – ومع إصلاحها وتحديثها وإزالة تركة النظام المباد منها، سواءً التمكين الحزبي أو الفساد أو التشوهات الهيكلية، وأن تُعاد إليها مضامينها النبيلة وأهدافها السامية لتكون في خدمة الشعب لا وبالاً عليه.
وفي هذا السياق يظل مطلب إنهاء حالة تعدد الجيوش، التي تسبب فيها النظام السابق، لصالح جيش وطني واحد – يحتكر شرعية حمل السلاح في فضاء دولة القانون والمؤسسات لحماية السيادة الوطنية والحكم الديموقراطي وينأى عن السياسة – هو أحد ركائز استقرار بلادنا وأحد شروط إنجاز التحول الديموقراطي واستدامته، وهو مطلبٌ أثبتته قوى الثورة في إعلان الحرية والتغيير قبل سقوط النظام السابق وفي الوثيقة الدستورية الانتقالية ولم تتوقف حناجر الثوار عن الهتاف به في مواكب المقاومة السلمية الحاشدة بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر وتم التأكيد عليه في كل وثائق العملية السياسية.
الطريق للجيش الوطني الواحد لا يَمَرُّ عبر فوهة البندقية وإنما عبر الحل السياسي السلمي، كما في اتفاق سلام جوبا الذي حوى برتوكول الترتيبات الأمنية لدمج جيوش حركات الكفاح المسلح في القوات المسلحة، وكما في الاتفاق الاطاري الذي نَصّ على دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة ووقعت عليه قيادتا الطرفين.

🔷 وقف الحرب غاية ملحة وأولوية قصوى لخلاص من ملايين السودانيين من ويلاتها ومآسيها ولتجنُّب تداعياتها الكارثية على الوطن، وهو في حَدِّ ذاته تعبير عن نهج ثورة ديسمبر المجيدة الرافض للعنف والمنحاز لثنائية الحراك السلمي ووحدة الإرادة الوطنية.

وإذا كان شعبنا لا ينقصه وضوح الغايات ولا الاستعداد للتضحية من أجلها، يبقى واجب الجميع هو التمسك بتلك الثنائية التي انتصرت بها الثورة على النظام السابق، ومغادرة عقلية الخنادق المتقابِلة ومزاعم احتكار الموقف الصحيح، وإنهاء حالة الاستقطاب السياسي والمجتمعي، والاعتبار من دروس ما مضى من الفترة الانتقالية بالروح النقدية الصادقة التي تُبَيِّن حيثيات الأخطاء والعثرات وتضيء طريق العبور إلى تحقيق الغايات التي اختزلتها عبقرية شعبنا في معاني الثالوث الانساني الخالد “حريّة، سلام وعدالة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.