رشا عوض وفوبيا الكيزان والكتابة المغبونة
كتب: محمد جلال أحمد هاشم
.
طالعتنا الأسافير بمقال لأختنا رشا عوض ينضح بالغبن ويكشف بكل أسف كيف يمكن للمغبون أن تنحجب دونه كل مخايل الذكاء والفطنة، هذا حتى لو كانت الشخصية المغبونة هذه في مقام أختنا العزيزة رشا عوض. المقال عبارة عن أحكام مرسلة في الهواء تقوم على التعريض دون التوصيف الموضوعي وبالتالي دون تحليل. وأجمل ما فيه أنها شملتني بذكر صديقي الحبيب عبد العزيز بركة ساكن، الرجل الذي تسكنه الحكمةُ بمثلما يسكن فيها.
هذه ليست بمناقشة مني لما جاء في مقالها، بقدر ما هي استعراض لحالة خطيرة تجمع ما بين الشخصية المغبونة لدرجة الفوبيا، وكيف تنحجب عنها بالتالي كل مخايل الذكاء والتفكير السليم في أدنى درجاته، دع عنك التفكير النقدي.
ما جاء في مقال أختنا رشا عوض، بكل صراحة وبكل احترام وتقدير، مجرد أحكام مرسلة وغير مقيدة بأي توصيفات للحالة المراد مناقشتها. وكلامي هذا لا يعني أن أحكام رشا هذه خاطئة، لكن ما أعنيه هو أنها لم تؤسسها على أي بينات ناتجة عن توصيف دقيق وصادق وواقعي للحالة التي أصدرت بحقها أحكامها هذه. كل هذا لأنها قد أصبحت شخصية مغبونة حد الانفجار من الكيزان والجيش وكل شيء، حتى من أصدقائها.
فهي لا تناقش حيثيات كلامي بخصوص طبيعة الجيش السوداني. أولا، كون هذا الجيش هو جيش نظامي وليس مليشيا، وبحسب مفاصل احتجاجي، فهذه ليست وجهة نظر حتى تختلف معها، بل هي مما يُحمل على أنه معلومة بموجب معايير راسخة في العلوم العسكرية. وقد فصّلتُ في هذا بقدر ما يسمح به الزمن، ولكنها لا تناقشه بل تقفز عليه وتعامله كما لو كان مجرد وجهة نظر. بل أسوأ من ذلك تستخفُّ به بأن تصفه بأنه مجرد كلام أكاديمي ونوع من سلخ لجلد النملة أو الناموسة، فتصوروا!
بالطبع، حتى قواعد علم العسكرية يمكن مناقضتها، لكن بتفكيك تماسكها العلمي ثم تأسيس البديل القاعدي لها.
ثانيا، وكما رأينا، هي تخلط بين الخاصية النظامية للجيش وبين عقيدته الوطنية، وقد كتبتُ كثيرا لأوضح أن العقيدة القتالية للجيش السوداني ليست وطنية. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الجيش السوداني مليشيا.
بالنسبة لي، فلا علم لدي بموقف بركة ساكن، لكن ما تقوله رشا عن موقفي فهو تلخيص غير صحيح وحكم مرسل وغير مبني على تحليل عناصر الاحتجاج فيما قلتُه.
موقفي مبني على موقف الثورة والثوار القائل بحل الجنجويد دون دمج، بينما يعود الجيش للثكنات ليتم إصلاحه هيكليا. وعليه، بحكم حقيقة أن الجيش هو الذي ابتنى هذه المليشيات، وبالتالي على الجيش تقع مسئولية حل هذه المليشيات. ثم بعد ذلك معركتنا مع الجيش من حيث تحقيق شعارات الثورة بإصلاحه سوف تستمر.
فهل هذا موقف منحاز للجيش؟ أم هو موقف متسق مع المطالبة الثورية بحل الجنجويد؟ أم أن أختنا رشا تريد منا أن نقوم بحل كلا الجيش ومليشيا الجنجويد في وقت واحد؟ لقد ظللنا نطالب الرئيس المخلوع عمر البشير بحل مليشيا الجنجويد منذ لحظة تأسيسها، ورشا عوض كانت من ضمن المطالبين بذلك. فإذا افترضنا أن البشير استجاب وقتها لمطالبنا وقام بحل الجنجويد ثم تمردت عليه هذه المليشيا، فماذا كانت ستفعل رشا وقتها؟ نعم، لدينا معركة مؤجلة مع الجيش تتعلق بإجراء الإصلاحات الهيكلية عليه، وهذه المعركة لا يمكن أن يتم تحييدها لمجرد تأييد قرار حل مليشيا الجنجويد. فهل التفريق بين هذين الموقفين يحتاج إلى قدرات ذهنية خارقة؟ ثم إن هذا هو موقف الثورة والثوار القائل بحل مليشيا الجنجويد وعودة الجيش للثكنات في انتظار إجراءات إصلاحه. كلام أختنا العزيزة رشا عوض هذا قد يعني شيئا خطيرا للغاية، ألا وهو أنها لا علاقة لها بهذه الثورة الشعبية المجيدة وما رفعته من شعارات تنطوي على وعي جمعي متقدم. فموقفها هذا ليس هو موقف الثورة التي قالت بحل الجنجويد وبعودة الجيش للثكنات بغرض إصلاحه.
بالطبع يمكن للأخت رشا أن تخلص إلى أي حكم مرسل، دون تقعيده، لكن لو أرادت تقعيده على ما قلتُه، عندها يتوجب عليها أن تورد اقتباسات مما قلته أو نشرتُه من آراء أدعمُها، ثم تقوم بتفكيك مفاصل احتجاجي تحليلا ونقدا د، وصولا إلى النتائج. فهلا تكرمت وفعلت هذا من باب فائدة النقاش، وهي لا تعوزها القدرة على ذلك؟
وهذه هي نفسها مطالبتي لها فيما تنسبه لي من قول مرسل وغير مقيد بخصوص جون قرنق ورفعي له إلى منزلة المسيح. أين ومتى قلتُ هذا؟ ثم متى زعمتُ بأن هذا الجيش السوداني هو جيش وطني؟ قلت – وبحسب معايير علمية أرساها علم العسكرية – إنه جيش نظامي، وليس مجرد مليشيا، ثم زدتُ بأن هذا لا يعني أنه جيش وطني، وهذا هو مناط الإصلاح الهيكلي من حيث مراجعة العقيدة القتالية للجيش، وهي أيضا من مطالب الثورة الشعبية، لكن ليس مساواته قدم بقدم neck to neck مع مليشيا الجنجويد. هذه هي كلماتي مكتوبة وملفوظة في تسجيلاتي، فهلا أتت لنا الأخت رشا بما يخالف هذا من كلام يمكنها أن تنسبه لي؟
أما بخصوص حديثها عن قضايا الحروب الأهلية في السودان، فهذه قضايا وطنية نشأت جراء مظالم تاريخية بدورها أدت إلى نشوب الحروب الأهلية كحكم ضرورة، وتطورت عنها حركات الكفاح المسلح بزعم تمثيل هذه القضايا التي تقف وراءها حواضن اجتماعية وطنية. هذا لا علاقة له بمليشيا الجنجويد التي تقاتل من أجل المال والسلطة عبر بناء مجد أسرة. فهل الآن في مقدور عبد العزيز الحلو أن يحافظ على ثورية الحركة التي يقودها إذا ما شرع في تعيين شقيقه كنائب له دون أن يكون لشقيقه أي مؤهلات بخلاف أنه شقيق عبد العزيز الحلو؟ حتى هذه ليس في مقدور البرهان أن يفعلها. لكن هذه هي القاعدة الأساسية لصعود سلم القيادة العليا في مليشيا الجنجويد، وليس أدل على ذلك من أن وفد مليشيا الجنجويد إلى مفاوضات جدة يقودها شقيق حميدتي ونائب حميدتي هو شقيق حميدتي … إلخ. فكيف وعلى أي أساس جمعت أختنا رشا عوض كل هذه المتناقضات في سلة واحدة؟ أقصر الإجابات وأصدقها أنها فعلا هذا بسبب الكتابة المغبونة التي حجبت عنها مخايل الذكاء والتفكير السليم الذي عهدناه فيها.
هذه كتابة مغبونة ومهجّسة بفوبيا اسمها “الكيزان”، وكما ظللت أقول وأردد: المُغتبِن غير فطِن!
*MJH*
الخرطوم – 11 مايو 2023م