مسار مفاوضات جدة يجب أن يقود الي توحيد القطاع الأمني وينهي تشوه المنظومة الأمنية في السودان
كتب: مبارك أردول
.
الوساطة السعودية الأمريكية التي تدخلت في الشهر الأول من اندلاع الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع افلحت في جمع الطرفين وقادت لتوقيع اتفاقية هدنة هشة خرقت مرات عديدة، ولم تنفذ خاصة الجزئية المتعلقة باخلاء منازل المواطنين وإزالة حواجز التفتيش وإخلاء المقرات المدنية مثل المستشفيات ومراكز الخدمية والمقرات الاستراتيجية الأخرى، هذه الهدنة والتي جددت بالأمس يرى الكثير من المراقبين وخاصة المواطنين السودانيين بإنهاء ليست بذي جدوي سيما وانه حتى الإلتزام الميداني بها قليل، وإنها مكنت المليشيا من إحتلال مزيد من بيوت ومساكن المواطنين وفي مناطق كانت عصية على الدعم السريع الوصول إليها بسبب الطيران الحربي، حاليا أصبح بإمكانها الوصول مع هذه الهدنة، ورغم الرقابة التي وردت في الاتفاقية الا أن فاعليتها باتت محل شكوك من قبل كثر من المتابعين.
السؤال المُلح المطروح حاليا إلى ماذا يجب أن تقود اليه مفاوضات جدة ؟ هل سيجتمع الأطراف كل مرة لتبادل الإتهامات بالخروقات ووسط ضغط الوسطاء سيجددون إلتزامهما بتمديد الهدنة لأيام أو أسبوع ولاجل مكاسب سياسية وهربا من سيف العقوبات الأمريكية التي لوحت بها إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن ودون بحث وحل جوهري لأسباب الصراع الحقيقية؟ نرى أن المنبر لن يجدي نفعا اذا لم يقود الي هدف استراتيجي عسكري ويتحول من البحث عن الهدنة الإنسانية المؤقتة التي تعتبر بحثاً عن الإفرازات وليست المسببات الرئيسية للصراع.
فالقضية الإنسانية رغم أهميتها في الوقت الحالي الا أنها ليست قضية الصراع الرئيسية وإنما نتيجة من نتائجها ولكن أسباب الصراع واضحة هي، تعدد أو تواجد أكثر من منظومة عسكرية في السودان، ومعالجة خاطئة تمت في الفترة الماضية لهما، وهي رعايتهما على كفين متوازيين والتعامل معهما كان على قدم المساواة.
هذه هي القضية الأمنية الإستراتيجية من ناحية والسياسية من ناحية اخرى التي يجب أن تعالج في مسار مفاوضات جدة الحالية، ولا جدوى من هذا المنبر أو المسار أن لن تقوم بذلك الواجب.
يجب أن يركز طرفي الوساطة على كيفية دمج الدعم السريع في القوات المسلحة دون تأخير بغية خلق جيش وطني واحد في هذا المنبر، وبربط وثيق بين جدة وجوبا ونصوص اتفاقيتها والوساطة الجنوب سودانية التي أنهت الحرب جزئياً في السودان في 2020م.
ويجب أن يركز الطرفين الآن في الشروط والمعايير التي يجب أن تتم بها عملية الدمج وكذلك المدة الزمنية، حيث أنها قضية حتمية لن يقبل السودانيين بأي تعدد مجدداً للمنظومة الأمنية بعد ما مروا بتجربة مريرة من حروب وإذلال وتجلي ممارسات القوات التي يدفع لها من خزينة الدولة فتحولت الي عصابات مسلحة نهبت ممتلكاتهم وإستباحت بيوتهم عند حربها ضد القوات المسلحة، لن يقبل بأقل من سقف الدمج والتسريح ونزع السلاح من هذه المليشيا واعادة تأهيلها لتكون جزءا من الجيش الوطني الذي يحمي ولا يهدد يصون ولا يبدد.
والمعايير التي يجب أن تقوم عليها عملية الدمج هذه يجب أن تكون صارمة حيث لا تقبل أي مجاملة في التأهيل واللياقة وكذلك السجل الجنائي للأفراد والضباط.
إذا أفلح الوسطاء لقيادة الأطراف في جدة لمناقشة هذه النقاط والاتفاق حولها سيعتبر أكبر إختراق في القضية السودانية وسيمهد المجال للاتفاق السياسي الذي يجب أن يبحث في مسار آخر ويكون سودانياً خالصاً، وفي وقت لاحق، حيث لن يستقيم أي تسرع لمعالجة سياسية للأزمة دون معالجة وإصلاح الخلل الرئيسي في القطاع الأمني، فلايمكن وضع العربة أمام الحصان.