أذكر في فذلكة أدبية نقدية ، تساءل الكاتب الفرنسي ألبيير كامو في كتابه الشهي والشهير “الإنسان الثائر» أو في رواية أخرى «المتمرد» بعد هزيمة فرنسا – معقل الثورة الإنسانية العالمية – في الحرب العالمية الثانية من طرف النازية بإستفهامه القائل، ألم يحن الوقت لمعالجة التطور التاريخي لمفهومي الثورة والمجتمع؟ هذا الإستفهام ليس موضوعه الإنخراط في جدل مفاهيمي أو تبيان الاقتصاد المفاهيمي النظري لمفهوم «ثورة» بقدر ما أن الأمر يخص حراك ميكانيزمات الفعل الاجتماعي والفعل السياسي
والثورة ، وفي الحالة السودانية ، تجسدها تقاطعات حراك «مقاومة الهوامش السودانية التي أنتجت ثورة ضحايا الإبادة الجماعية وحروب ضد الإنسانية ولفظ ساكنتها ومن ُ ثم تلاحم ثورة المحيط والحضر في تراكم كمي ونوعي أنتجت ثورة ديسمبر التي إنحبست وفكت العقدة في ۱۱ أبريل» وهي ما زالت في مساءلات ومساجلات جادة لمآلات ماهية الثورة التي تمحضت عنها نتاجات ليست بالضرورة تعبر عن عموم الأزمة الوطنية في سياقاتها التاريخية والبنيوية ولكن المؤكد وضعت أسئلة المرحلة الوطنية الدقيقة على المحك كحقل صراع تاريخي وثقافي دائم بحاجة إلى تسوية تاريخية تؤسس لتدبير الإختلاف الوطني وعقلنة إداراته لإنتاج دولة القيم الحديثة.
اعتصام القيادة لحظة تاريخية لم يقابلها الفاعلون السياسيون بذات المسئولية التاريخية.
*مؤسسة السريع وإختراق «الأنا» المهيمنة «……*
وفي هذا السياق ، أي سياق محصلة حراك هذه الإرادات وبنيات أنساقها الإجتماعية الثقافية المتعارضة والمتاخصمة لحد بعيد رغم طلاءات الأسود بالأبيض لتعويم الحقيقة ولو في نسبيتها ، هكذا وفي ظل هذه الفواصل التاريخية جاءت ثورة ديسمبر التي أشرنا علي أنها نتاج لتراكم كمي ونوعي بدأت بالأطراف وإلتحمت مع الحواضر وأفرزت معها مراكز قوى جديدة وفقا لجدليات الصراع المجتمعية/ السياسية التي تتبادل مصالح متباينة وتعيش حالة إنسداد وتنافس وإخفاق ، كانت مهيمنة أو مهيمن عليها ، إلى ذلك ، شملت معها أيضا مفاهيم وتصورات الفعل الثوري ومخاض نتائجه القارة وفي تفاسير نقدية للتاريخي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وكذا نقد «الأنا» المهيمنة في محل تفاعل تمركزها التاريخي هذه المرة ، أي الخرطوم ، محل التفاعل الحضاري والصراع السلطوي ، ويأتي هذا رغم «المثقافقة» التي أنتجتها جماهير المقاومة الثورية في القيادة العامة في ملحمة تاريخية تعرف فيها السودانيين على بعضهم البعض بشكل مغاير وزوايا النظر لإشكالياتهم ولجيل هو مختلف بل «معولم» ومتصالح في تفكيره وحاجياته ، حيث تمكن من طرح الإشكالية الوطنية على ساحة القيادة العامة وبعفوية وقطيعة مع تراثياته الفكرية السياسية النمطية التي أسستها نخبتها المتمركزة في تابوات يصعب الفكاك منها إنها لحظة تاريخية لم يقابلها الفاعلين السياسيين بذات المسئولية التاريخية.
و في سير نُقلات الحقل السياسي ومنحنياته خلال وفي إطار خط سيرن العقود الثلاثة الأخيرة ، أي قبل وبعد سقوط الكولنيالية الإسلاموية ، جاء الرسم الهندسي للصراع مجددا وكأنه نمذجة لإعادة التاريخ بعد ظهور حركات المقاومة الثورية في حـزام صحراء غرب السودان الواسعة والمترامية الأطـراف ـ هذا بعدما تآكل غرض ووظيفة صراع جنوب مسيحي وشمال مسلم ـ معبرة عن إرادات مجتمعية للقوى ٌ المناهضة لبنية هيمنة التمركر ، حتى وصفت أو ع ِرفت من طرف نخبة الأخيرة بالتعايشية مقرونة بصفة «الهمجية» ، في محاولة منها لتعضيد قوة النسق الاجتماعي المهيمن في ترابطه وتماسكه ولولبيته ، وذلك بإستناهض مفهوم العصبية والدولة الخلدوني والخطر الخارجي ، لتتمدد حلقة تلك القوى الصاعدة ذات البنيات الإجتماعية الغير مألوفة ، على الأقل تمركزا ، وعبر إختراق القوة الذي أحدثته مؤسسة الدعم السريع كعامل مستقل جديد ، جاء نتاجا لثورة ضحايا الإبادة في دارفور وضدا عليها أيضا ، كما هي نتيجة لثورة المقاومة وليست سببا ، لعبت دورها المرحلي في حماية النادي القديم ، صاحب الشرعنة الإسلاموية باسم الحفاظ على الأمن القومي للإستهلاك السياسي ، وذلك بالتصدي لثورة المقاومة العسكرية التي إنطلقت من تمدد صحراء الغرب الكبير ، المهددة للبلاط التاريخي ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير مثلا إلى- عملية الذراع الطويل – وسرعان ما تتحول المؤسسة العسكرية الجديدة التي وضعت أيضا لتحجيم دور القوات المسلحة من أية عملية إنقلابية مرتقبة تغذيها صراع الأذرع الداخلية للإسلامويين. علاوة على ذلك، أملت عليها اللحظة المفصلية والحاسمة إنجاز مهام وطنية جديدة تلبي حاجيات الثورة التي وضعتها في شروط هي مغايرة بالطبع لتكون إحدى أهم أعمدة التغيير وبموضوعية في ثورة إرادة المقاومة الجماهيرية في ديسمبر ، عبر تلك الجراحة البيضاء التي نفذتها اللجنة الأمنية للنظام البائد والإطاحة برأس النظام ، فيما لو جاء أي موقف معاكس
منها ، لكان الأمر مختلفا ولا يمكن لأحد التكهن بنهاياته ، وذلك بالنظر إلى شبكة المؤسسات التي تحتكر العنف في الدولة وقتئذ وتوازن أو علاقات القوى فيما بينها. على هذا النحو تدخل مؤسسة الدعم السريع ذات البنيات والخلفيات والولاءات المحددة وفي تمدداتها المناطقية والجهوية والوطنية المصنفة ، وفي طموح طبيعي لأي بنية إجتماعية نحو ُ التموقع والنهوض والتقدم في سلم التراتبيات الإجتماعية ومن ثم شرعنة وجودها السياسي والاقتصادي والإجتماعي في حقل الصراعات القائمة حديثا ، حيث بالضرورة التشبيك مع القوى الثورية الأخرى الشبيهة ، ذات نفس مرجعيات الصراع التاريخي والجغرافيا الصحرواية المشتركة ، كانت مستقرة أو متنقلة ، في تقنية وبرمجة جديدة لإدارة صراع الإرادات إستنادا إلى شروط المرحلة التاريخية الراهنة ، ليس للإقصاء أو إحتكار المجال العام ، بل لأجل تدبير جديد لشكل وتنظيم العلاقة مع النخبة المهيمنة ونقل الدولة المشروع الذي كُبر وشاخ إلى الدولة المؤسسة ، هذا إذا سلمنا جدلا أن تلكم الإرادات باتت هي المحركة للتاريخ السوداني الحديث والمختلف عن صراع الطبقات عند النظرية الماركسية. يأتي هذا رغم تصنيفات جهاز الهيمنة لمؤسسة الدعم السريع كمعطي مقلق ومخيف في توازنات القوى في البلاد ، إضافة إلى بعض مواقف القوى المهيمن عليها وخصوصا في الغرب الكبير جراء جراحات الدور المرحلي لتلك القوات إبان الحكم البائد وهذا موضوع آخر ستلعب عليها تلك القوى المهيمنة في محاولة أخيرة قصد تعبيد طريق التجزئة والإنقسام بين القوى المهيمن عليها وكسر طموحها في النهوض ، هذه القوى عليها أن تتجاوز تلك العتبة لإنجاز مهمة ذات مفارقة تاريخية للفصل بين زمنين ، ومن ثم يمكن الرجوع إلى تلك الفجوة للمعالجة ، وفقا للمهم والأكثر أهمية في السياسة التي تقوم على تدبير المستعجل.
وعلى إثر خلفية تضاريس هذا المشهد وتوازنات القوى الحديثة داخله وصعود القوى» النشاذ» كما تراها الدوائر المهيمنة ، فيما تراها القوى المهمين عليها ، البرغماتية ذات الأفق الإستراتيجي ، أنها مدخل جدي للصياغة الجديدة بعد توازن القوى التي أحدثتها مؤسسة الدعم السريع في تراتبية مؤسسات العنف في الدولة ، حيث كانت القوات المسلحة السودانية القومية كأداة هي معنية بحراسة وحماية مشروع دولة الهيمنة ذات السيادة الإجتماعية تاريخيا وذلك بقولبة دورها الوظيفي لأداء مهام إخضاع القوى المناهضة لها باسم الأمن الوطني ووحدة البلاد «المهددة» دوما وفي خطر من طرف القوى التي توصف «بالمتمردة»، ما دامت هي تهدد الأبنية السلطوية التاريخية وتشكك في أدوات شرعناتها ، كانت بعمامة أو تحت ستار خوذة عسكرية. هذا الإختراق التاريخي الكبير والمهم الذي أصاب منظومة الهيمنة ولّد قاموسه السياسي الخاص ما بعد الثورة وإلى مرحلة الإنتقال هذه ، جهازا «مفاهيميا جديدا» تعكسه نصوص السلطة ومشخصاتها التي تضخها أجهزة القوى المسيطرة لممارسة الإحلال والإستبدال ، وبعد وقوع الإستحالة وجدت نفسها في وضعية قريبة إلى «الورطة»، هذا يتحدد بشكل جلي من خلال رصد لغة الفاعلين السياسيين والناشطين المشفرة والظاهرة عبر خطاب شعبوي متدوال عنوانه صراع «بدو نخبة النهر» و «بدو الصحراء» المكون من تشيكلات القوى الإجتماعية المختلفة ذات السمات الديناميكية المشتركة معززة بالدفع العالي، شبيهة بقوة سيارات الدفع الرباعي في حرب المقاومة الشرسة.
*«الدعم السريع» من مؤسسة عسكرية إلى* *سياسية* ….
إذا ، نحن أمام صيرورة كبرى في خلخلة تاريخ التمركز السياسي السوداني ، فيها قد تلعب مؤسسة الدعم السريع ـ إن وضعت الأهداف والتخطيط الإستراتيجي العلمي الصلب ـ وبأذرعها المادية «القوة» العسكرية والاقتصادية والمجتمعية والتحالفية دورا مهما ، سيما وأنها أحدثت أو سوف تحدث تبدلات عميقة في شكل ومضمون السلطة السياسية» الحكم» وصورة الهرم الاجتماعي فضلا عن إحلال علاقات إجتماعية إقتصادية جديدة محل العلاقات الإجتماعية القديمة ولو كانت تسير ببطء ، وهذا معناه ثمة تغييرا قد يطال البنى الفوقية والتحتية وكذا إستقلالية الفعل الاجتماعي السياسي إن لم يكن تحريره من الهيمنة المندثرة تدريجيا ، فقط بحاجة إلى شرط ضرورة هو واقف وعاجل ، يتمثل في أن تردف نفسها ـ أي السريع ـ بغطاء سياسي واسع وبعنوان جديد ونظرية سياسية تفسر صراع المجال العام وتكيفه وترتب لصياغة مشروع وطني قومي ينطلق من بنية الصراع ويعبر عن طموح تلك الإرادات الإجتماعية الوطنية ، محل الشرعية الشعبية كما وكيفا ، علما أن اللاعب الجديد يمكن أن يطور مشروعه إلى مشروع يعبر عن أزمة إرادات إجتماعية أكثر من كونها عسكرية كما تصورها السلطوية التي تتدحرج تدريجيا في نظام القيم السياسي الجديد الذي بدأ يتشكل ويمضي إلى الإمام بسرعة لامتناهية ، هذه الرؤية تتسق إلى حد بعيد مع تلك الرامية إلى تفكيك جهاز الهيمنة . هذه الفكرة كانت وراء مقال نشرته على صفحات «القدس اللندنية» العام ۲۰۱٤م ،عنوانه «حميدتي ،،،، مشروع أصغر رئيس سوداني مرتقب» وهذا ليس للترويج ، بقدر ما كان تشريحا للعوامل والعناصر وتحليلها وقراءتها وإعادة القراءة وفقا لمعايير تغيير السلطة في الدول الأفريقية القائمة على القوة الاقتصادية والعسكرية مسنودة بعمق إجتماعي سياسي . إن رأسمال القوة النوعي الجديد الذي تحصلت عليه القوى المهيمن عليها والذي أفرزه حراك الشعوب السودانية وبالأخص في ما أسميه بالمحيط أو صراع محيط الدائرة وتمركزها، خلال العقود الثلاثة للإستبداد وإلى اليوم ، هو في الأصل حركة فكرية نقدية واسعة لكل أشكال اللامعقول سودانيا وإن لم تؤطر على المستوى الفكري النظري ما يكفي ، يمكن إستثمارها وتحويلها إلى رأسمال رمزي ، يتيح لتلك القوى التطور السياسي وكذا في تراتبية البنيات الإجتماعية لتعزيز المكانة والدور والوظيفة في الفضاء السياسي العام . وأولى المحطات أن تتحول قوات الدعم السريع إلى قوات الدعم الوطني لقطع الطريق على خطة التشويه المستمرة التي لاحقت «السريع»، وأن تسند نفسها على مشروع سياسي وطني لغاية إكتساب الشرعية السياسية والجماهيرية، بحاجة قريبة إلى «كتلة الدعم الوطني»، كتلة تعبر عن تطلعات الشعب السوداني في حراكه الثقافي والسياسي والإجتماعي وكذا دولة الحرية والعدالة الإجتماعية ، وهذا يعني نقل مشروع الدعم السريع إلى مؤسسة سياسية وطنية ، بعيدة عن تشكيلاتها العسكرية ، تؤدي دورا سياسيا و وطنيا وأمنيا في آن واحد ، خصوصا وأنها أوكلت لها القيام بمهام أمنية وعسكرية عديدة ، تستطع عبر هذه الذراع السياسية وبتوسيع دائرة الإنتشار في مراكز القوى الاقتصادية الكبرى وبالتحالف التاريخي الحتمي الذي ينبغي أن يكون أو يقع دون أي تحفظ مع قوى المقاومة في الكفاح المسلح قصد توطيد اللحمة الوطنية في الحواضن الإجتماعية التي تمثل إمتدادتها الجغرافية ومن ثم إحداث توافقات إجتماعية لها مصلحة مباشرة في التغيير والتسوية ، وهي حواضن تمتاز بكمها العددي الكبير وكذا فاعليتها الحربية ، وهذا يساعد أيضا في بناء ميثاق عقد إجتماعي بين البنيات القبلية المكونة لهذه الحواضن القبلية ، مع رفض أي صيغة للتذويب السياسي مجددا ، بل الحفاظ على المشروع السياسي والإستقلالية وبناء تحالفات وضبط الفاعلية التي تنتظم في خط جماهيري شعبي مندفع ، حتى ٍ إن جاءت عبر فقه الشعوبية والميكافيلية. وفي جانب مواز لخطى التحديث والمواكبة التي تتطلبها مؤسسة السريع ، أيضا على قوى المقاومة الوطنية المسلحة ، تطوير أدائها و ترمومتر قياسها للصراع السياسي الوطني والإرتقاء إلى متطلبات المرحلة التاريخية الجديدة بنقد حقيقي لتجربتها الثورية الكفاحية السياسية ، تتجاوز أسمنتيتها وإفلاطونيتها إلى ديناميكية وبرغماتية أكثر مع الحدث السياسي السوداني وتمثلاته ، وبعقل سياسي قائم على شروط الممكن والواقع والموضوع لا الشكل والرغائبية الذاتية المتخيلة ، لأن المؤكد ، ونقولهاـ دون مكابرةـ أنها لا تستطيع وحدها أو حتى في مجموعها إنجاز مهام المرحلة التاريخية الراهنة ذات الديناميات المختلفة ، الواضح فيها حتى اللحظة هيكلة صراع الإرادات الإجتماعية التي تتطلب تقنية جديدة للإدارة ، والأهم عدم ترك فراغ في العلاقة يملأه الآخر ، سيما و أن العديد من القوى المهيمنة اليوم وفي مؤشرات واضحة تعمل ليل مساء في تقديم عروض لإحتواء الدعم في مرحلة أولى وفي ثانية إغرائه ومن بعد التحكم فيه قصد تذويبه وتفكيكه نهائيا ولما لا التخلص منه ومحاكمته بإعتباره خطر من الدرجة الحمراء هدد منظومة الهيمنة التاريخية في عملية قد تكون أقرب لعملية إغتيال الأستاذ المفكر محمود محمد طه من طرف الإسلامويين ، فيها شرعنوا شنقه بتهمة « الردة» في حين هو صراع حول فكر التجديد الذي شرعن به الترابي مشروعه الذي لا يقبل أي منافسة حول مسألة التجديد في فهم الفكر الديني ، وهو كرسي إحتكار المعرفة الذي إستند عليه . وما نلحظه في هذه الزواية لم تقدم القوى المسلحة الثورية أي عروض ذات فاعلية وقفزة في هذا المجال في زمنها ومكانها مع التشديد، والمؤسف نراها متكلسة متكدسة، تركت الفاعل الجديد يدير صراعاته مع قوى ذات تراكم معرفي كبير إكتسبته خلال ستة عقود في أضابير السياسة وعززتها بالمعرفة العلمية ، وهذا ما يدفع الأخير لخيار الممكن في التحالف مع تلك القوى المهيمنة وفق ضمانات محددة في ظل عزوف أو تأخر القوى الثورية المسلحة.
*سودانوية أو «صحرونهرية” الحكم و السلطة*
نخلص في الأخـيـر ، إلـى إستفهام مركزي مـفـاده ، كيف لنا تحويل تبدلات هذا المشهد و ما أحدثتها من تراكمات ناضجة ، كمية و نوعية ، عمودية وأفقية قد تقلب الواقع؟ هذا لا يتم عبر تدعيم أشكال جديدة من السيطرة والشرعية السياسية لصالح جبهة تاريخية لإنجاز إستحقاق التسوية الوطنية بعيدة عن منهجية السداسية الجامعة لتكنيك الهيمنة المتمثلة في «نقض المواثيق ، الإدماج ، الإلحاق ، الإستيعاب ، التفكيك، الإحتواء» لأي من المشروعات السياسية الصاعدة ، الموازية ، المنافسة ، القابلة للتكون والتحقق ، الممانعة للذوبان في «الأنا» المهيمنة ، وأقرب مثال على لذلك ، مغازلة السيد الصادق المهدي لقائد الدعم السريع بالإنضمام لحزب الأمة ، في إستراتيجية «ماكرة وذكية» ضمن تكنيك الإحتواء ولا تخرج عن باقي التكنيكات المشار إليها ولو جاءت بوعود محفزة . علاوة على ذلك ، نلحظ ترسانة من الإيحاءات والرمزيات المستفزة في بنية الخطاب الشعبي والسياسي اليومي والذي هو نمطي إجتماعي تاريخي معلوم أيضا في إدارة الصراع ، وهو خطاب مرسل بل وصل إلى بريد صندوق الغرب الكبير ، عبر عنوان هو واحد ، دال ، إسمه «حميدتي» ، والغريب أن هناك تشكيلة من المهيمن عليهم تلقفتها بوعي أو دونه ، فيما تتوسع هذه الحرب ذات الدوافع والمنطلقات ِ المعلومة، إلى لفظ أي فعل سياسي إقتصادي يحقق أي رصيد يحسب للسريع لإعتباره كائن غريب مهدد ، وإلى وقت قريب كان كائنا «بطلا» كما تصوره ذات وسائل الإعلام وفاعليهم السياسيين في إذدواجية واضحة ، دون أن نرى في وقت سابق ولو بيانا سياسيا واحدا يشكك في شرعية أو وظيفة هذه المنشأة العسكرية ما دامت تحافظ على المنظومة المهيمنة. هذه الإستراتيجيات ترمي إلى بناء ذوات مجتمعية تابعة ومنقادة وطائعة لتلكم الأطر التنظيمية المسيسة المتعالية التي تعمل وفق نظم القهر الإجتماعي والثقافي المبني على أواليات القوة المغلفة بإطار سياسي ، أواليات تمنع حق التفكير والتفرد والإنتاج والنهوض والإستقلالية. هذه الأطر محل «القداسة» ، ترفض أي صيغة وطنية عادلة متكافئة وعقلانية موضوعية تكون خصما على إمتيازاتها وتستطيع أن تؤسس للقيمي المشترك في العدالة والمساواة والواجبات والحقوق ، وتتمكن من نقل فكر التفتت إلي فكر الوحدة الوطنية بشروط دستورية وأجهزة مراقبة لصون التعدد الذي يعني توزيع المصالح والمنافع الوطنية المشتركة والإعتراف بالآخر إستنادا لمبدأ المواطنة الدستورية ، فيها ليست للدولة مهمة صناعة الهوية المشتركة كأساس للمواطنة بل بصيغ لمواطنة دستورية ، غير المواطنة الثقافية وسيناريوهات الوحدة القسرية الجارية بهما العمل ضمن شرعنات خطاب الحروب المعلومة ، فيها مزاعم لوحدة نخبوية تؤصل للهيمنة وبمعيارية منتقاة في قالب الدولة «المتوحشة» بدل «أنسنة» الدولة السودانية ، ولسودانوية مطلوبة كذلك وبإلحاح في السلطة والحكم أو ما أطلق عليه « الصحرونهرية» الجديدة ، عوض سودانوية الهوية المتخيلة التي وصفها مفكر سوداني بأنها تحالف للهاربين ، إننا أمام تاريخ يتحرك بشكل مستقيم لإحداث التغيرات الكبرى في السودان. هذا المقال نعيد نشره بعد نشره لاول مرة في العام 2020م .