محنة جواز سفر و متلازمة الفجأة!
كتب: فايز السليك
.
ليس أمامي سوى الانتظار، هذه ليست المرة الأولي التي حدث فيها ما حدث معي في شهر يونيو.
في يونيو اضطربت أجندتي عدة مرات، سافرتُ وعدتُ، غبتُ وظهرتُ.
عبرتُ بين ساعات عواصف وساعات سكون، إلا أن هذه المرة امتزجت الفجأة بين الحسرة والقهر وأزمنة الخوف والتعب !.
هل أنا مصاب بمتلازنة يونيو؟.
تأملتُ حالي، وجدتُ أنني لن أكون أكثر بؤساً من حال شيخٍ كهل مريض، أو من أوجاع امرأة حامل هد التسفار تعبها.
نعم، عنصر المفاجأة لا يربك كثيراً من الخطط فقط، بل يفسد حياة البعض، أو بل يكون سبباً في فقدان الحياة.
يا سادتي، رتبتُ اوراقي، لملمتُ أشيائي، هيأتُ نفسي، بل كدتُ أن ارتكب حماقةً كانت ستفسد اسبوعي المقبل.
قررتُ السفر الى القاهرة يوم غدٍ الثلاثاء، اشتريتُ تذكرة السفر، أوقفتُ أعمالاً كنتُ أؤديها، تركتُ وظيفة انتقالية بعد أن وضعتُ خطتي الأولى، ولكن! لكن فجأةً.
هذه الفجأة هي كل شيئ، هي موعدٌ جديد مع الألم بالنسبة لشيخٍ مريض قطع مئات الكيلومترات خلال ثلاثة أيام، امرأة تحمل طفلاً فوق ظهرها وآخر داخل بطنها، ومع ذلك كانا أخف عبئاً من أزيز مدافع الهاون، دوي الطائرات، رعب الانفجارات، أشباح بشر يترصدونها، وأشباه بشر يطاردونها، وأشباه ذئاب يفترسونها.
رحلةٌ من الخرطوم الى أرقين، طويلة ومرهقة وموحشة، ورغم ذلك تنمو ابتسامة باقتراب قارب النجاة وسط أمواجٍ مضطربة.
وأنا، اود السفر وفي القلب اوجاع البعاد ومتاهات السنين، وأنباء الموت المجاني.
جميعنا، أنا والشيخ والمرأة وجدنا أنفسنا أمام ( الفجأة تلك).
هما وصلا حتى معبر ارقين، لكن اكتشفا أن الشقيقة مر هد حيلها كبر الداخلين إليها، أرهقتها جيوش الزاحفين اليها كطوق نجاة، الهاربين من حماقات ونزق عسكر السودان، جميعهما، ثقل( بوت) الدعم السريع و( بوت) الجيش. وجد الفارون أنفسهم تحت وطأة ( بوتين)!.
وأنا اجهز حقيبتي جاءتني الفجأة، لا سفر، ولا تذاكر تعاد، مطلوب تأشيرة دخول الى القاهرة.
أنا؟ الخمسيني؟ المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية؟ نعم لأنك تحمل جواز سفر سوداني..
سوف ترتبك خطتي ، لكن هل يموت الشيخ الكهل لأنه سيعود من جديد؟ وهل تتحمل المرأة ثقل طفلين؟؟ وماذا أمامهما؟ جيوش وقادة والغون في الدم والاستهتار؟.
أنا افقد مبلغاً مالياً، ربما فرصة عمل، وربما متعة الانتظار ودهشة السفر. لكن ماذا يساوي كل ذلك أمام حسرة الشيخ المسن، ودموع السيدة التي لا ليس أمامها سوا سوء الطالع في انتظارها ارتكازات، متفحرات وأشباه بشر.
أمسكتُ جواز سفري، قلبته، ثم قلت، كيف سيكون الحال إذا ما كان هذا الجواز يتبع لدولة اليانكي؟. كيف ستكون ( الفجأة) معه؟.
أرتفعت مخاوفي، زادت هواجسي، هل سنعود من جديد لتلك السنوات؟ سنوات العزلة والتيه والارتياب؟.
أرجعت جواز سفري إلى مكانه، تذكرتُ أنه شهر يونيو، ففي العام الماضي ارتبك سفري بسبب خطأ ما بين ( دلس) و( دالاس). تاه جواز سفري عندما ألغيتُ الرحلة في آخر يونيو الماضي.
أو لم اقل يونيو شهر المفاجآت؟ .
تحتاج مساحةً أخرى، ذكريات السفر مع فض اعتصام القيادة العامة، وحكايات مطار أبوظبي، ويونيو بعييييد، كان جنوباً استوائياً، ويونيو آخر، كان ربيعاً أسمراوياً
لكن يونيو الحالي جديد، لا تزال فجآه ترن اصداءً، ألمحه في دموع السيدة، أحسه في قهر الشيخ المريض، أعيشه مع أنباء الرعب الخرطومي، موت الجنينة المجاني، وأسمعه في خطرفة الكذبة، حاملي بطاقات التخوين، حمالات الحطب، نافخو كير الكراهية والعنصرية.
آه من فجأة يونيو، التي تأتيك بلا ميعاد، بلا ترتيب، بل تحت نزق ٠ماعات تحارب طواحين الهواء، تعشق الهتافات وتدفق الدماء. فلترق كل الدماء.