من يمثل من؟

وجهة نظر اخرى للمقولة بين الخنوع والالهام..

0 229
كتب: محمد فاوق سليمان
.
عندما كان مانديلا في سجنه الطويل لم يكن يمثل السود في جنوب افريقيا ولا حتى يمثل نضالهم، لا هو ولا رفاقه في معتقلات نظام الفصل العنصري في تلك الاعوام، ولكن اخذ الجمهور على عاتقه تمثيل مانديلا في كل يوم يناضل فيه هذا الجمهور، ويخرج ويسقط شهدائه في كل معارك الحرية والكرامة واصالة عن نفسه أيضا، لانهاء الابارتايد، تماما كما واصل هذا الجمهور نضاله بعد اغتيال ستيف بيكو، وواصل مانديلا نفسه طريقه بعد اغتيال كريس هاني..
اذكر في بداية الثورة وفي تاريخ ٢٥ ديسمبر تحديدا عندما دعا تجمع المهنيين لموكب في ذلك التاريخ حضر الجميع عدا تجمع المهنيين نفسه، والذي مثله الناس في ذلك اليوم، ولم يمنع هذا جمهور السودانيين والسودانيات من الاعلان بخنوع ان تجمع المهنيين يمثلني، وكانما لم يعلموا انهم يمثلون انفسهم لاول مرة، ولكنها العادة لمن شب في الظلام وتمنى الضوء لم يعرف بعد ما هو الشوف، فاصبح يتلمس طريقه بمن يمثله كما كان في سنوات المصادرة لتمثيله.
تختلط معاني كثيرة في اوقات التحرير والتاسيس عند الثورات البشرية، تجعل الخروج من القديم امر معقد وعسير، وقد يتماهى الجديد مع القديم باكثر من شكل فثقافة السردية الرسمية اكثر رسوخا عند العامة وفي مؤسسات الدولة والسياسة، وان حملت الخنوع، والسردية البديلة في طور تشكل لم تصبح بعد ثقافة وسلوك في مؤسسات السياسة والدولة، وإن ارادت التحرر، بل تتطبع بما الفته ووجدته حتى وان قامت على رفضه، وهنا ياتي دور وعي الجماهير والهام القادة في تعزيز فرص المضي قدما والانتقال او التعثر والارتداد، والذي قد يكون طريق اطول للتقدم وليس ردة كاملة وان كان كلفة اخرى!
الكاسب من معركة من يمثلني ومن لا يمثلني هذه هو النادي السياسي القديم بشقيه في قوى الحرية والتغيير/ المجلس المركزي، والمؤتمر الوطني، او للدقة الافراد الذين يشكلون القادة المختطفين للارادة الجماعية داخل هذه الجماعات ان هي لم تزل موجودة، والناشطين في موكب هذا الترند هم المغفل النافع لهذا النادي حتى ولو ارادوا محاربته وادعوا مغادرته، فكلا المعنيين في من يمثلك ومن لا يمثلك يمثلان اساس المصادرة التي يقوم عليها انحلال نظامنا السياسي، ويتحقق بها بقاء النادي السياسي القديم والمنحل. فلا نجاة لهم بسوى هذا النقاش وهذه المغالطة التي تعني قبول الجماهير بمبدأ التمثيل لا الاصالة والخنوع لا التحرر.
عندما يدعو احدهم للاستنفار والمحاربة مع الجيش ودعمه، هل يقول هذا من باب ان الجيش يمثلني؟ ام هو من صار يمثل الجيش الان وقوات دفاع السودان؟ عندما نسمع هؤلاء “الاشاوس” من ابناء السودان الغر والمغرر بهم يتحدثون عن المدنية ومحاربة فلول الكيزان ويبذلون ارواحهم ايضا هل هم يمثلون الجماهير التي استباحوا بيوتها واموالها في حربهم ضد الانقلاب الذي شاركوا فيه من قبل، ويدفعون كفارة هذا من ارواحهم وارواح المواطنين الان؟ اي جمهور سيبقى ليمثلهم ان هم مضو بهذه الحرب لنهاياتها؟ ومن منهم ليبقى ليمثل حتى نفسه!
انا لا اتجرأ واقول ان الشهيد عبد الرحمن او عظمة او مطر او ست النفور وغيرهم من شهداء هذه الثورة يمثلني، ولكني اتضرع ان امثلهم والتزم بما مثلوه من مباديء وقيم في قيامهم السلمي عن السودان واهله وان اناضل مثلهم حتى لا يكون مصير كل السودانيات والسودانيين مثلهم؛ الموت على اكفان الوطن، ولكن لاني اكثر ايمانا ان نضالهم كان بحثا لحق السودانيين في الحياة وان انتصارهم وجب ان يكتب الحياة والكرامة للاجيال القادمة ولابناء وبنات السودان الذين لم يولدوا بعد حتى.
في الثورة يقوم الانسان بالاصالة عن نفسه بعد ان يكون انحلال النظام السياسي الذي يقوم على مفردة التمثيل هذه قد عدم شروط بقاءه واستمراره، واصبح مصدرا للمصادرة والاخضاع عبر القهر والعنف وليس التراضي والسلم، ويقوم الحكم بالظلم ولا يكون اساسه العدل، وفي هذا الطريق لاعادة تشكيل نظام سياسي جديد؛ تمثل الناس قضاياهم، ومطالبهم، عندها الجماهير تمثل القادة، والقادة يمثلون هده القضايا والالتزام بها والالهام يكون في التسابق للدفاع دونها من قبل الجميع قبل التسابق لتمثيل الجماهير، ومتى ما تحقق الالتزام بهذه القضايا وتحقيق مطالبها اصبح النظام السياسي قادرا على انتخاب من يمثل الجماهير وعزله وفق تحرير الجماهير لنفسها من “يمثلني” المعطوبة في ازمان الهيمنة والاختلال.
ما اراه في اداء السياسيين القدامى والمستجدين من سدنة النادي السياسي القديم، هو قصور عند الجميع يجعل الصراع عندهم حبيس تمثيل الحماهير، واختطاف صوتها او حتى استحقاقه، وان نظرنا للفرص التي اتيحت لكلا الفلول القدامى والجدد نجد ان الاختطاف قد سقط بالثورة، والاستحقاق قد سقط بالتجربة، وان اداء الاثنين قد هدد الانتقال وبدد سلمية الثورة السودانية، والخنوع بالصراع لمن يمثلنا بينهم هو انتصار لكل منهم في معادلة بقاءهم الصفرية الان، والتي محلها سيكون استمرار الحرب لا انهاءها، حتى وان اعجزتهم او رغبوا صادقين في نهايتها، الا اي نهاية تلك التي تتوعد فلول الكيزان من احد اطراف الحرب، وتنصب المشانق منذ الان لفلول قحت حتى قبل ان تضع الحرب اوزارها؟؟ فطرة البقاء السليمة عند هؤلاء الساسة معاً، ستجعل فرص بقاءهم في استمرار الحرب، دون نهاية يقتاتون بالادعاء عندها او الدعاء عليها، او فرصة بقاء احدهم في انتصار احد طرفيها، والذي سيكون مدخلا لاستباحة اكبر مما نرى الان الارواح والممتلكات في حرب وعدها الوحيد هو الموت للاعداء من ابناء وطن واحد!!
لا ارى مخرجا من الحرب في الخضوع لمنطق يمثلني ولا يمثلني هذا لايٍ كان، ان لم يكن هذا اساسها الذي تتحارب عليه الفرقان الان وسابقا طوال تاريخ الحروب الوطنية هنا. ولا بد لحركة الجماهير من التحرر من تبعاته، وتحرير الحركة السياسية من اثامه. وان كان في نقدها ضرورة وفي ترك هذا النقد ضرر، الا ان النقد الان لا يعني اقامة المشانق لها ابدا، ولا تركها تقيم المشانق لاحقا، كما كان في سيرة هذا الوطن، فانهاء الحرب يعني هد هذه المشانق جميعها، واقامة العدالة بديلا لها وانفاذ سلطة القانون على الجميع، والى جنود جيشنا المفترى عليه طوال تاريخه من ابناء هذا الوطن المختلفين واول الضحايا المنكوبين من قصور الساسة وسوء السياسة؛ ليس لنا الان غير ان نمثلك بالسعي للسلام وانهاء الحرب وليس عليك ان تمثل غير القوة التي تحمي سلطة القانون وتحتمي بالعدل، فالفداء عندك واجب ووقايتك منه علينا فريضة. وان تكن حربك على بنى وطنك كل ما اضطررت اليه طوال تاريخ الخنوع والاخضاع لشعبنا وغياب الالهام من قبل قادتنا المدنيين والعسكريين: فالآن قد آن اوان تغيير كل هذا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.