عقبال صيانة الوطن

0 82

كتب: جعفر عباس

.

خلال السنوات الأخيرة، اصبح من عاداتي السنوية الثابتة الدخول في ورشة طبية لتغيير الزيت وفحص أجزاء الماكينة، ومعرفة إذا ما كان هناك شريان يحتاج الى رقعة (كركاسة)، ولحسن حظي معي في قطر -على قول حميدتي- كوكوة من الأطباء من آل الملك: الفاتح بشير = جراحة مخ واعصاب، وراجعت معه البنية التحتية (العمود الفقري)، وقال لي “عليك بالصبر، ولا يصلح العطار ما أفسده الدهر”، وجاء دور الفاضل الملك= مسالك بولية وزراعة كلى، الذي قال عن البروستات الخاصة بي “تتربى في عزك”، فتوجهت الى صديق الملك= جهاز هضمي ومناظير، فأخضعني لفحص القولون بالمنظار، وكي يحدث هذا أجبرني على الصوم 24 ساعة، وخلال تلك الساعات ال24 أعطاني أدوية مسهلة وملينة تكفي لهد حيل فيل، وبحمد الله لم يجد في القولون سوى بعض التركين المتحجر والفول المتكلس، أما هند الملك فقد كنت زبونا عندها عندما كنت اختصاصية امراض باطنة، ولكن ما ان تخصصت في الأورام حتى صرت ولكما جاءت سيرتها أصيح: حوالينا ولا علينا يا رب.
ولجأت الى طبيب سوداني متخصص في “الغدد والسكري” وفحصت عنده السكر التراكمي فكانت النتيجة أنني pre diabetic يعني بلغة الكنكان دخلت الزون وعلى بعد مليمترات من النوع الثاني من السكري، فرفعت صوتي بالاحتجاج: يا دكتور نحن في بيتنا لا نستهلك اكثر من خمسة كيلو سكر في سنة كاملة، وأنا لا أحب البسبوسة وفاروق الفيشاوي، ولا اشرب أي نوع من الكولا سوى نصف علبة بزيانوس كلما ذهبت الى السودان، واعتقد ان الكنافة تصنع من السلك الناعم المستخدم في جلي قدور (حلل) الطبخ، فلماذا هذا الاتهام الجائر؟ قال لي الدكتور بكل برود: الحاصل في السودان خلاني أنا ذاتي ومعي عشرات الآلاف من السودانيين في زون السكري الخطر، والله يستر علينا من الجلطات ويستر على أهلنا في الخريف ما تمطر عليهم بدل الموية دانات في شكل “حصو”.
ورغم الاتهامات الجائرة من هؤلاء الأطباء إلا أنني أحمد الله على أنني على الأقل أستطيع الحصول على المشورة الطبية والعلاج اللازم لكوكتيل العلل ما ظهر منها وما بطن، بينما أهلي في السودان لا يجدون حتى مسكنات الألم وخافضات الحمى وصاروا يموتون بالمجان داخل البيوت وفي النقاط الحدودية، وبينما الوطن بأكمله بحاجة الى صيانة وترميم شاملة
نسأل الله ان يعافي السودان من العلل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يسكت البنادق حتى تعود الطيور الى أوكارها مغردة، وحتى تصيح الديكة فجرا، ويا صباح يا زاكي يا زاكي العبير/ سلم على أهلي كتير/ أدخل بنورك في الحجر/ وأقري السلام كل الزهر/ قول ليهو جعفر كم صبر/ على نار فراقك يا نضر/ تزهو البلاد والشعب حر/ نحو الكمال دايما يسير.
والله كريم، ونسأله أن نرى بعد العسر يسرا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.