الجذريون والحرب
كتبت: رشا عوض
.
ايام الفترة الانتقالية كان بعض شباب لجان المقاومة من “الجذريين” يخوِّنون زملاءهم في نفس لجان المقاومة لمجرد الاجتماع بالقوى السياسية مثل “الحرية والتغيير”، وكان موقفهم من الاحزاب موقفا عدميا بحجة ان هذه الاحزاب دخلت في شراكة دم مع العسكر، وكانوا يرددون الشعار”البلد دي خيرا شبابا لا عسكر لا احزابا”!! نفس هؤلاء الشباب الآن استجاب بعضهم لاستنفار الجيش وهم يقاتلون معه وبعضهم قتل في الحرب رحمة الله عليه!! حدث ذلك وهم في خندق واحد مع كتيبة البراء بن مالك والبنيان المرصوص والجيش الذي اغلق بواباته في وجوههم وتركهم للقتل والاغتصاب في مجزرة فض الاعتصام!! ولا يرون تناقضا في ذلك بل يقولون “شكلتنا مع الجيش في مكانها”! طيب الم يكن الأجدر بخفض الجناح والتسامح هو القوى المدنية؟ ما دام هؤلاء الشباب لديهم براح من التسامح للاصطفاف في خندق واحد مع البرهان الكباشي وانس عمر، الم يكن الأجدر الاصطفاف مع القوى المدنية لتقوية صف التغيير السلمي الديمقراطي؟
يجب ان لا نخدع انفسنا من الآن فصاعدا بعبارات “ثورة وعي” لأن الوعي الثوري متخلف كثيرا عن الفعل الثوري، للأسف “نصف ثورة تساوي ثورة مضادة كاملة”! وهذه الحرب ليست سوى الحلقة الأخيرة في مسلسل الثورة المضادة في حالة انتصار أي طرف من طرفيها.
من ضمن الأساطير التي سقطت في هذه الحرب اسطورة “التغيير الجذري” واضح من معطيات الواقع السوداني ان الافق المتاح للتغيير والى حين اشعار اخر ، قوامه التسويات والتنازلات والمساومات والشراكات حتى مع العسكر، بل ويمكن ان تكون مع الكيزان شخصيا !! بدليل ان بعض من كانوا بالأمس يهتفون “بي كم بي كم قحاتة باعوا الدم” هم الآن في خندق واحد يقاتلون صفا واحدا مع الذين سفكوا الدم بأيديهم من الكيزان وعسكرهم!
كان هناك عملا منهجيا لبناء حواجز نفسية بين الشباب والاحزاب وحتى منظمات المجتمع المدني واي مؤسسات يمكن أن يساهم تفاعلهم معها في تطوير الوعي والعمل الديمقراطي المشترك، والهدف هو تقسيم وإضعاف الجبهة المدنية، وبكل اسف جزء من قوى الثورة كان رأس الرمح في هذا المخطط الذي انطلق من منصة المزايدات الثورية الصاخبة وخطاب الطهرانية السياسية المتطرفة والعفاف الثوري الذي كان يتأذى من قيام ندوة للحرية والتغيير فيفرقها “بمبان غاضبون”!!
كانت مآلات كل ذلك الشطط هي اصطفاف بعض المتحمسين له الآن في خندق واحد مع علي كرتي وكتائب الظل!! وتصالح فلاسفة التغيير الجذري من الكتاب مع ذلك بل وتبريرهم له! رغم انهم كانوا يقسمون الساحة الى فسطاط الطهرانية السياسية وتمثله قوى التغيير الجذري وفسطاط الخيانة والنجاسة السياسية وتمثله الحرية والتغيير لأنها شاركت العسكر! الآن ما هو المنطق في القتال في صفوف ذات العسكر بشحمهم ولحمهم ومن ورائهم الكيزان؟ الإجابة المبثوثة في كتابات بعض فلاسفة التغيير الجذري هي ان الوقوف مع الجيش والرهان عليه في دحر الجنجويد عسكريا هو الأولوية الآن، من أجل الحفاظ على الدولة من الانهيار، وهذا معناه ان فلاسفة التغيير الجذري منحوا انفسهم الحق في ترتيب الاولويات الثورية بشكل يبيح العمل المشترك مع البرهان والاستجابة لاستنفاره وهو في كامل عنفوانه الانقلابي ، والعمل المشترك مع أحمد هارون وعلي كرتي وكتائب الظل وهي في كامل عدوانيتها على الثورة، وفي سياق حرب مدمرة كل القراءات الموضوعية لها تؤكد انها ستدمر البلاد وتقسمها وان حسمها عسكريا مستحيل الا بكلفة بشرية ومادية تحول أي نصر الى هزيمة!! اليست هذه هي شراكة الدم (ام راس وقعر)! وهنا يبرز السؤال لماذا لا يكون من حق القوى السياسية “غير الجذرية” بزعمهم ترتيب الاولويات بطريقة مغايرة ولخدمة ذات الهدف “حماية الدولة من الانهيار” وهو هدف تزيد فرص النجاح في تحقيقه عبر “شراكة الانتقال السلمي الديمقراطي” مقارنة بفرص تحقيقه في ظل شراكة الحرب والدمار الشامل!!
يبدو – والله أعلم – أن الموقف الجذري الوحيد الثابت والذي لا يتزحزح لفلاسفة التغيير الجذري هو موقفهم من “الحرية والتغيير” وليس موقفهم من الكيزان او العسكر! وهذا امر عجيب ومريب.