بني هلبة والسلامات: الدعم السريع وسيطاً في حرب داخل حرب (2-2)

0 136
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
في حين يخوض “الدعم السريع” حربه مع الجيش السوداني وجد نفسه مضطراً إلى الالتفات لحرب تدور في مناطق نفوذه ومناصريه، بل بين منتسبيه. فاندلعت منذ منتصف أغسطس (آب) الماضي حرب بين شعبي بني هلبة والسلامات في جنوبي دارفور. وفشلت مساعي عدد من زعماء القبائل حتى يوم 16 منه في نزع فتيلها. ووقعت الاشتباكات المسلحة بينهما في منطقة كبم التابعة لمحلية عد الفرسان، مركز إدارة قبيلة بني هلبة، وأدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.
وجاء في المصادر أنه تم نقل عدد من الأسر من قبيلة السلامات من بلدة كبم إلى منطقة أم دخن الحدودية بين السودان وتشاد بما يعيد للأذهان تهجير أسر من السلامات أنفسهم إلى أم دخن بعد صراع قديم لهم مع شعب المسيرية في أكتوبر (تشرين الأول) 2013. وقالت مصادر من القبيلتين إن لجنة المساعي عقدت جلسات عدة مع ممثلين للقبيلتين كل على حدة، لكنها لم تستطع التوفيق بين الطرفين للتوصل إلى تفاهمات تضع حداً للمواجهات المسلحة بين الجماعتين.
ومما له علاقة بالحرب الراهنة في السودان تحول منتسبو “الدعم السريع” في الجماعتين كل إلى قبيلته التي تؤويه، فعاد كل فريق منهم من ساحة الوغى في الخرطوم ونيالا وزالنجي للحرب مع أهلهم بالأسلحة الثقيلة والسيارات ذات الدفع الرباعي، وغالبه من عتاد “الدعم السريع”.
كان لا بد لـ”الدعم السريع” أن يحتوي نزاع بني هلبة والسلامات الدموي. فدارفور وجنوبها بالذات من مناطق نفوذه القوية، وتواصى زعماء قبائلها قبل أسابيع بالوقوف بصفه في الحرب ضد القوات المسلحة. علاوة على انفضاح هشاشة نظمه للتجنيد على وتيرة القبيلة. فما اصطرع بنو هلبة والسلامات حتى صار للقبيلة المكان الأول عند منتسبيها دون “الدعم السريع”. فاجتمع “الدعم السريع” بقيادة الكولونيل حامد أبيلو بزعماء القبيلتين في حضور وسطاء آخرين لعقد الصلح بينهما بعد فشل الساعين قبله من صفوة القبائل في عقده. ونشرت “سودان وور مونيتور” (17 أغسطس)، الموصولة بمجريات دارفور، وثيقة الصلح التي تراضى الجمعان عندها. و”المنيتور” على شك إن كان الصلح قد وقع في غير الوثيقة.
لم يخرج مجلس الصلح الذي عقده “الدعم السريع” بين بني هلبة والسلامات عن دارج ما اتفق للدولة السودانية في مقاربة مثل هذا النزاع منذ الاستقلال. فتغطي عليه بـ”باركوها”. فلا تتقصى البواعث من ورائه في الذي عرضنا له أعلاه. ولا يلبث أن يتجدد النزاع فتعيد الدولة كرة طقس الصلح بحذافيره. فلن تجد في بيان الصلح الصادر عن اجتماع “الدعم السريع” بالقبيلتين ما لم تسبق إليه كل البيانات مثله عبر تاريخ الحكم الوطني. وهي بيانات مبلغ همهما ضبط الأمن لا معالجة “جذور الأزمة” التي بين أيديهم.
و”جذور الأزمة” هي العبارة الطاغية في خطاب المسألة السودانية، ولذا كان مثل هذا الصلح قصير العمر ليعود النزاع مجدداً، كما درجت هذه البيانات على الاختباء وراء نظرية مؤامرة ما دون رد النزاع إلى الأصل في قيامه. فقال البيان بشكل عام إن حرب القوم هذه لم تكن لتقوم لولا “العنصرية والقبلية” بلا تفصيل، وهو مستغرب من حركة مسلحة القبيلة قوام جيشها، ثم يذهب البيان كالعادة إلى اتهام طرف ثالث بتدبير مكيدة الحرب.
ولن يعدم “الدعم السريع” بالطبع من تعيين الملام في هذه الحرب، فأشار بإصبع الاتهام إلى القوات المسلحة التي لم تسمع للعالم وهو يناشدها أن تكف عن الحرب وترعى وطنها، وحدد الجهة القائمة بالفتنة مباشرة، وهي جهاز استخبارات الجيش الذي يفسد ما بين القبائل ليغطي على الحرب القائمة، وليخفف الضغط على قوات الجيش في الخرطوم ونيالا، ثم يختتم البيان بتذكير المتخاصمين بأنهم إخوة في الدين والدار والوجود والأنساب ليحذروا مما “ارتكبه شباب طائش خالف ما تواثقت عليه 88 قبيلة في دارفور لنبذ الفرقة والحرب”، وناشدهم ألا يرفع أحد في بلدة كبم عصاة على أحد. ولنعد بدلاً عن ذلك للتزاوج في بعضنا، ومزج الدم، والمحاصيل والسوق.
لربما ظن السلامات وبنو هلبة أن زمالة السلاح، التي انعقدت بينهما في “الدعم السريع” لبناء سودان غير ما عاشوا تحته لعقود، منجية، لكن ظل الحال في حاله. فما اصطرعا حتى تلاشت هذه الزمالة وعاد كل فريق منهم إلى قبيلته التي تؤويه. ولم يتغير شيء سوى أنهم تأبطوا سلاحاً من “الدعم السريع” أشد فتكاً. واضطرت الحرب القبلية السلامات ذات الأزمة الوجودية في السودان إلى اللجوء في أغسطس 2023 إلى البلدة الحدودية نفسها فراراً من ويلاتها. ومع ذلك لم يعرف أي منا في التاريخين ما كان خطبهم سوى أنه ثائرة نزاع قبلي مجهول السبب لأنه لا أحد حرص على فض لغزه. والصلح خير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.