ما هو الدافع لتقديم حمدوك وأثنين من اعضاء مجلس السيادة مذكرة للأمم المتحدة حول دعوتها للبرهان.. ؟

0 86
كتب: وائل محجوب
.
• ما هو الدافع لتقديم تلك المذكرة، التي دفع بها رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك، وأثنين من اعضاء مجلس السيادة، وأحد مستشاريه، وأحد عشر من الوزراء السابقين، المنتمي غالبهم لقوى الحرية والتغيير للأمم المتحدة، حول دعوتها للقائد العام ورئيس مجلس السيادي الانقلابي الفريق أول عبد الفتاح البرهان؟
• هل هي فعل سياسي يرتجى منه تحقيق فائدة سياسية؟ أم هي مجرد إعلان موقف لعلم الجهة الموجه اليها المذكرة، أو فعل احتجاجي يترتب عليه مواقف سياسية مستقبلية.
• هذه الاسئلة مهمة لفهم أسباب ودوافع تقديم هذه المذكرة، بالنظر لتأريخ تسليمها للمنظمة الدولية، فإن كانت هذه المذكرة تعبيرا عن رفض الدعوة أو احتجاجا عليها من حيث المبدأ، لعدم شرعية المدعو، يكون الواجب هنا أن تقدم للأمم المتحدة فور إعلانها عن مخاطبة البرهان لجمعيتها العامة، وإنتظار رد فعلها، والنظر فيما إذا كانت ستستجيب أم تغض الطرف عنها، ويمكن عندها أعلان موقف للرأي العام، تجاه هذه الخطوة من جانب الأمم المتحدة.
• كان من المفهوم أن تبعث تلك المذكرة بمجرد الاعلان عن الدعوة، ويكون هنا هدفها محاولة دفع المنظمة للتراجع عن دعوتها له، والغاء الدعوة، ولكن كيف يمكن فهم هذه المذكرة، بعد أن لبى المدعو الدعوة وخاطب فعليا الأمم المتحدة، وغادر عائدا للبلاد، وهي إشارة الى إرتباك سياسي متصل، يهمل قيمة عنصر الزمن وتأثيراته، والدلالات السياسية للفعل السياسي.
• ولذلك تبدو المذكرة أقرب لإعلان موقف، من كونها فعلا سياسيا يرجى منه فائدة أو يتوقع منه نتيجة، هذا من ناحية الشكل.
• أما من ناحية الموضوع كيف يمكن فهم تقديم مذكرة للأمم المتحدة في هذا التوقيت، لا تطالبها العمل على وقف الحرب، ولا تتعرض للإنتهاكات الجسيمة التي يواجهها الشعب بسببها، من موت ونزوح وتشرد ولجوء، وخراب كامل طال البنيات التحتية، ولا تتناول الإ مشاركة البرهان في الإجتماع المذكور، وانقلابه الذي قطع الطريق على المسار الديمقراطي وقاد للحرب.
• هذه المذكرة ضعيفة مبنى ومعنى، لانها حصرت نفسها في الأحقية السياسية والدستورية لمن يمثل البلاد، وأهملت كل الظروف الكارثية المحيطة بها وبشعبها، كنتيجة عملية فادحة الثمن للإنقلاب، فبدت كأنما هي “شكلة” سببها ودافعها ومحركها السلطة.
• إن هذه المذكرة قد أضعفت نفسها بنفسها، حينما إتجهت لحمل توقيعات بعض وزراء الحكومة بعدد أقل من نصف عدد الوزراء المعينين، وأتنين من اعضاء مجلس السيادة والذي يضم أحد عشر عضوا، في أخر حكومة قبل الأنقلاب، والسبب المباشر لذلك أن أخر حكومة، فضل البعض من اعضاء مجلس سيادتها العمل جنبا الى جنب مع قادة الإنقلاب من العسكريين، كما فضل البعض الآخر من وزرائها البقاء على مقاعدهم والإستمرار في اعمالهم، حتى دون رئيس وزراء ولا مجلس للوزارة، بل كانوا ضالعين فعليا في المشاركة في الترتيبات والتعبئة، التي مهدت الأجواء للانقلاب العسكري سياسيا، ولذلك فقد جأت المذكرة خالية من توقيعاتهم، وكشفت عن طبيعة الأزمة التي سبقت الإنقلاب وتلته، والتي قادت تداعياتها من بعد للحرب.
• أما الإشكال الأكبر في هذه المذكرة فهو تصدر أسم الدكتور عبد الله حمدوك لقائمة الموقعين، فهو تحديدا من قبل بشروط التفاوض المذلة التي فرضها عليه قادة الإنقلاب، وبإتفاقه معهم الذي أقل ما يقال عنه أنه كان إعترافا بشرعية السلطة الانقلابية، وتنازلا كاملا عن شروط الشارع الثائر وقتها، والذي كان يقدم دماء ابنائه رفضا للعسكر والإنقلاب، وبقي في منصبه لقرابة ستة اسابيع، كانت خلالها آلة الموت تحصد الثوار في الشوارع.
• وبعدما إستبان له الرفض الكاسح للإنقلاب ولإتفاقه مع قادته، قدم إستقالته وغادر في هدؤ مثلما جاء، فلم يناهض الإنقلاب ولم يدافع عن سلطته الشرعية التي منحتها له الثورة، ولم يفتح الله عليه بعد أن غادر بكلمة، رفضا للقمع والبطش والإنتهاكات الجسيمة، التي ظل يتعرض لها الشعب من السلطة الإنقلابية، وما بعد إندلاع الحرب.
• في السياسة مثلما في الحياة لا يعبر الناس ذات النهر مرتين، وعلى الرغم من ذلك يصر البعض على قدرتهم على فعل ذلك، ومن هذا الباب يمكن النظر لتوقيع د. حمدوك على هذه المذكرة، ويمكن كذلك النظر لطريقة ومضمون وتوقيت الدفع بالمذكرة، وما حملته من توقيعات، وربما كان الأوفق أن تذهب بإسم تحالف الحرية والتغيير، أو القوى الموقعة على الإتفاق الإطاري، الذي كانت المنظمة الأممية واحدة من الجهات الراعية له.
• ثمة دور وفعل سياسي مفتقد للقوى السياسية المختلفة، وبطء وضعف لا يتناسب مع حجم الكارثة التي تواجهها البلاد، ويمكن أن تقود لإنفراط عقدها وتفككها، ومع شعبها الذي يواجه أعنف الإنتهاكات في تاريخه، وهو يحتاج لنمط مغاير في التفكير والفعل السياسي، الذي اعتادت عليه القوى المختلفة، وليس هذه المذكرة بصيغتها وتاريخ تسليمها، التي تنتمي لحقبة ما قبل الحرب.
• كلمة أخيرة؛
إن ما تطلبه القوى السياسية “قد تركته خلفها ببسطام”، وليس في أضابير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحدها، فلتبحث عنه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.