خيارات البرهان… بين الحرب والانقلاب العسكري

0 120

كتب: حمور زيادة

.

في نهاية مارس/ آذار الماضي، قبل أقلّ من ثلاثة أسابيع من اندلاع حرب الخرطوم، حضرتُ لقاءً تنويرياً تحدّثت فيه قيادات من قوى إعلان الحرية والتغيير، وحضره صحافيون وكتّاب رأي ومشتغلون بالعمل العام. هدف اللقاء إلى تمليك الرأي العام أخبار تطوّرات العملية السياسية الجارية وقتها، والمعروفة باسم “الاتفاق الإطاري”. لكن ما غلب على اللقاء كانت أخبار الخلاف المتزايد بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. بحسب قيادات “الحرية والتغيير”، كانت الحرب قادمة، إذا ما فشلوا في إقناع الطرفين المسلحين بعدم التصعيد والاتفاق على تسليم السلطة. وهو ما حدث بعد أيام من ذلك الاجتماع.

كان لافتاً ما قاله أحد القيادات المدنية يومها، أن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ليس متحمّساً لخوض حرب ضد حليفه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). بحسب تحليل القيادي في “الحرية والتغيير”، كان البرهان يتلقّى تطمينات من الحركة الإسلامية السودانية عن دعمها أي خطوة عسكرية يُقدم عليها الجيش ضد قوات الدعم السريع. لكن الفريق البرهان، بحسب رؤية القيادي، يعرف أنه في حال خوض الحرب سيتم استبداله والانقلاب عليه، لأنه “ليس الرجل المناسب لكسب الحرب”.

بعد أكثر من سبعة شهور، يبدو ذلك التحليل قريباً جداً من الواقع، فمع تعقد سير العمليات العسكرية، وتأخّر تحقيق انتصار حاسم لصالح الجيش، وسقوط عدة مدن في قبضة قوات “الدعم السريع”، بدأت حملة ضغط واسعة ترى أن قائد الجيش جزء من المشكلة، وأن رحيله عن السلطة هو بداية طريق تحقيق انتصار عسكري حاسم. لا يمكن اختصار تغيّر الرأي العام تجاه قائد الجيش في “تخطيط ومؤامرة من الحركة الإسلامية”، خصوصا أن الموقف المعلن لحزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم قبل ثورة ديسمبر/ كانون الأول السودانية، والواجهة السياسية للحركة الإسلامية) هو دعم قيادات الجيش، من دون توجيه أي انتقادٍ رسمي لهم. لكن المؤكّد أن الحركة الإسلامية تدعم حدوث تغيير في قيادة الدولة والجيش، يقرّبها أكثر من حلم العودة إلى السلطة. وتبدو لحظة تأخّر انتصار عسكري لحظة مناسبة للتخلص من الجنرال المراوغ الذي خسر كثيرين من مؤيديه. فإذا صح أن الحركة الإسلامية تدفع في اتجاه الانقلاب على الفريق البرهان، يكون الرجل قد خسر آخر داعميه السياسيين. ولا يبدو واضحاً كيف يمكن أن يراوغ هذه المرّة، بعدما وصلت العمليات العسكرية إلى نقطة شديدة السوء، تكاد قوات الدعم السريع تسيطر فيها على كامل إقليم دارفور، وأغلب العاصمة السودانية الخرطوم، فالطريق الوحيد الممكن للمناورة هو الانخراط في عمليةٍ سياسيةٍ جديدة، بغية كسب الوقت. لكن الوقت يبدو في صالح قوات الدعم السريع، أكثر مما هو لصالح قوات الجيش السوداني. وهو ما يشكّل ضغطاً كبيراً على مبادرات قوى الحرية والتغيير والمجتمع الدولي والإقليمي للتوسّط بين الطرفين لوقف القتال، واللجوء لحل سلمي تفاوضي، فكل طرف في الصراع المسلح يرى أن الحسم العسكري هو خياره الأفضل، بينما التفاوض هو خطّة بديلة لدعم الحسم العسكري. وقد أثبتت مفاوضات منبر جدّة عدم جدّية الطرفين في الالتزام بالحلّ السلمي، أو وقف العمليات العسكرية. لذلك تبدو مبادرة قوى الحرية والتغيير للجلوس مع طرفي النزاع، وعرض رؤية التحالف السياسي المدني لوقف الحرب، أقرب إلى الأمنيات. إذ سيستغلها كل طرف لمحاولة شراء بعض الوقت، وتحسين وضعه العسكري على الأرض، ولا سيما الجيش السوداني، إذ يحتاج الفريق البرهان إلى تحقيق أي نصر، بأي ثمن، ليخفّف من الحملة ضده. لكن هذا لا يبدو ممكناً بحسب المعطيات الحالية.

من المتوقع أن تزداد الحملة ضد قائد الجيش شراسة في الأيام المقبلة، خصوصا إذا استمرّ الوضع العسكري في التدهور. ولكن هل يكون الانقلاب العسكري هو الحل؟ لا تبدو تلك إجابة سليمة، بل ربما يؤدّي أي تمرّد عسكري (في ظروف الحرب) إلى مزيد من الفوضى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.