الإشراف على القطاع الأمني في السودان

0 136

كتب: د. الشفيع خضر سعيد

.

للمرة الثانية، وبسبب بروز قضايا عاجلة وهامة، اضطررنا لقطع سلسلة مقالاتنا حول الرؤية الممكنة لوقف الحرب في السودان. نواصل اليوم السلسلة، وللتذكير نشير إلى أن فهمنا للرؤية هو مجموع الإجابات على العديد من الأسئلة، تتعلق بطبيعة الحرب الراهنة وأسباب اندلاعها، وما هي الآليات الممكنة لوقف القتال وفرض وقف الحرب أو لخلق مناطق منزوعة السلاح لتحقيق انسياب المساعدات الإنسانية، وأين موقع العدالة والمساءلة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات، وما هو مستقبل قيادة الجيش ومستقبل قوات الدعم السريع وكل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، وكيف يمكن إصلاح القطاع الأمني والعسكري حتى يكون للسودان جيشه الوطني المهني الواحد الذي يحتكر كل أشكال النشاط العسكري في البلاد، ويلتزم بمهامه في حماية الدستور في إطار الحكم المدني الديمقراطي، ويكون له القوى النظامية الأخرى التي تلتزم بذات المهام والواجبات، وما هو جوهر العملية السياسية المصاحبة وهل لقيادات الطرفين العسكريين المتصارعين أي دور فيها، وهل ستنحصر العملية السياسية في قضايا الانتقال أم ستتمدد وتتوسع لتبحث قضايا إعادة تأسيس الدولة السودانية، إلى غير ذلك من الأسئلة، والتي ناقشنا منها حتى الآن، ما هو متعلق بطبيعة الحرب، وبماهية آليات وقف الاقتتال، وبالمحاسبة والمساءلة القانونية لكل من شارك في هذه الجريمة، كما ناقشنا مستقبل قيادات الجيش، ومستقبل قوات الدعم السريع وكل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، ثم عرجنا إلى كيفية إصلاح القطاع العسكري والأمني وعددنا المبادئ التي تحكم عملية الإصلاح هذه. ونواصل في مقال اليوم بالحديث عن خضوع القطاع الأمني والعسكري لإشراف الأجهزة المدنية.

الإشراف على أجهزة القطاع الأمني والعسكري يستند على تشريع يضمن الوصول إلى الأفراد والسجلات ومقرات أجهزة القطاع المختلفة

مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة هو مؤسسة دولية معنية بمساندة دول العالم في إصلاح وتطوير القطاع الأمني والعسكري وتحقيق الحكم الرشيد فيه وفقا للمعايير والقواعد المتعارف عليها دوليا، وكيفية الإشراف والرقابة على هذا القطاع في إطار سيادة حكم القانون. ويوفر المركز الدعم الاستشاري وبرامج المساعدة العملية في هذا المجال، خاصة بالنسبة للدول في مرحلة الانتقال من الأنظمة الشمولية إلى النظام المدني الديمقراطي. وفي يوليو/تموز 2013، وكنتاج لدراسة لأداء القطاع الأمني في عدد من البلدان، أصدر المركز وثيقة هامة، من 224 صفحة، بعنوان «الإشراف على أجهزة المخابرات» شارك في إعدادها وتحريرها خبراء رائدون في إدارة الاستخبارات من حول العالم. والعديد من الدول، خاصة الدول في مرحلة التحول الديمقراطي، استفادت من هذه الوثيقة في عملية إصلاح القطاع الأمني. أقترح وضع هذه الوثيقة في الاعتبار وإدراجها ضمن الأوراق التي تعد لمناقشة إصلاح القطاع الأمني والعسكري في السودان، وتحديدا في باب الإشراف والرقابة على أجهزة ومؤسسات هذا القطاع. أما في مقال اليوم، فلقد رأيت من المفيد أن ألخص، بحسب ما يسمح به الحيز، بعض العناوين التي جاءت في الوثيقة، على أن نواصل في مقالاتنا القادمة مناقشتنا للجوانب الأخرى من عملية إصلاح القطاع الأمني في السودان.
تقول الوثيقة، أن الإشراف على أجهزة القطاع الأمني والعسكري يستند على تشريع يضمن الوصول إلى الأفراد والسجلات ومقرات أجهزة القطاع المختلفة. والهيئة المشرفة يجب أن تتمتع بصلاحية تفتيش المواقع وإجراء جلسات الاستماع المغلقة أو المفتوحة والوصول إلى المعلومات المصنفة في الوثائق وقواعد البيانات والملفات الأخرى الورقية أو في أجهزة الحاسوب. وأنظمة الإشراف يجب أن تشمل الإدارة العليا في السلطتين القضائية والتنفيذية، واللجان البرلمانية، والمجتمع المدني، وكذلك تكوين هيئات مستقلة لرد المظالم وتلقي الشكاوى ضد أي من أجهزة القطاع، إضافة إلى مؤسسات تدقيق الحسابات كديوان المراجع العام. إن الشفافية والوصول إلى معلومات بحوزة الدولة تعتبر شروطا أساسية للحكم الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان ومنع استغلال السلطة، أما السرية فيجب أن تكون استثنائية. بالنسبة لأجهزة القطاع الأمني والعسكري، فإن السرية تعتبر ضرورة إذا كان الكشف عن المعلومات سيسبب ضررا بارزا، أو يشكل خطرا على حياة أفراد الأجهزة وعلى الأمن القومي، على أن يتم تقييم الأذي المتوقع من الإفصاح بالمقارنة مع المصلحة العامة المرتبطة بهذا الإفصاح.
كل أجهزة القطاع الأمني والعسكري يجب أن تعمل وفق إطار قانوني يحدد وسائل ومناهج عملها، مثلا تحديد الاستخدام المسموح لوسائل التحقيق التي تحد من حقوق الإنسان، كالحق بالخصوصية أو حق حرية الحركة والحد منها بالاعتقال، والحق في كيفية استخدام البيانات الشخصية وتحديد قيمة الاحتفاظ بها…إلخ. والإطار القانوني يشمل ضرورة التصريح القضائي للأساليب والوسائل السرية لجمع المعلومات كالتصنت وخلافه. وفي ذات الوقت يحدد القانون الآليات الفعالة لرصد استخدام هذه الوسائل والأساليب، وذلك من خلال اللجان البرلمانية وهيئات الإشراف الخبيرة. وبالنسبة للأداء المالي لأجهزة القطاع الأمني، فإن الجهاز التشريعي هو وحده الذي يحدد ميزانية هذه الأجهزة، ويسن التشريعات التي تنظم ما يجب الكشف عنه وما يظل خصوصيا على أن تخضع الميزانية لإجراءات محاسبة وتدقيق استثنائية. وفي كل الأحوال، يجب ألا تستثنى أجهزة القطاع من القوانين التي تنظم الضوابط المالية الداخلية وآليات تدقيق الحسابات لدى الوكالات العامة، كما يجب ألا تستثنى من تفتيش ديوان المراجع العام، مع مراعاة عدم الكشف عن المعلومات السرية وفق ما تقرره اللجنة البرلمانية المختصة.
تشكل الدولة، بتشريع برلماني، هيئة مستقلة عن الحكومة وعن أجهزة القطاع الأمني والعسكري لاستلام وفحص الشكاوى المقدمة من المواطنين المتضررين من أداء أجهزة القطاع، مع تمتع هذه الهيئة بصلاحيات شبه قضائية، يمكنها مثلا من دفع التعويضات المالية في الحالات التي يطالب بها الشاكي، وتوجيه الشكاوى الأخرى، بعد فحصها، إلى البرلمان أو القضاء. صحيح أن هذه الهيئة المختصة بالشكاوى يجب أن يتم هيكلتها بحيث تضع اعتبارا للمخاوف حول حماية المعلومات المصنفة، لكن يجب ألا تحد هذه المخاوف من عمل الهيئة الأساسي في فحص تظلمات المشتكي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.