تمازج الجبهة الثالثة فازعة مع الدعم السريع (2-2)
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
كانت تمازج الجبهة الثالثة من بين المليشيات التي تحالفت أخيراً مع الدعم السريع. وهي من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020. وهي حركة اختلفت الآراء في أصلها وفصلها كما بينا في الحلقة الماضية. وكان آخر أخبارها في مارس من العام الماضي مواجهة مسلحة بينها وبين شرطة ولاية الخرطوم التي طال ما اشتكت من أن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات ال فصلها.
بأن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات.
(جاء في حديث أخير للدكتور بكري الجاك بعد لقاء له مع حميدتي في أديس أبابا ولأول مرة الحديث عن الدعم السريع في مصطلح “الفزع” أي انتهاز قيادات وجماعات محلية سانحة غطاء الدعم السريع لتخرج مستقلة عنه، وبموارده، لتصفية ثأر ما، أو غبن ما، أو لمجرد الكسب غير الحلال. فقال حميدتي لهم إنه لم يصدر قرار غزو مدني. فغذا صدق كان من غزاها كيكل الغبين من القوات المسلحة. فكانت أهانته بتفريق جمع “درع السودان” الذي كونه قبيل الحرب لينتصف للشرق من اتفاقية سلام جوبا. فأغضبه منال حركات دارفور العظيم من الاتفاق لمجرد حملها السلاح. فأراد أن يحمل السلاح مثلهم ويكسب كسبهم. فتحرك في بعض جنده وكسابة الدعم السريع وأم باغتة وعاث فساداً حتى خضعت له مدني. ووضع الدعم السريع أمام الأمر الواقع. فسعى لتدارك فساد ما وقع من غزوة الجزيرة بحملة علاقات عامة في منتهى الاستغفال. وجاء على لسان الجاك أن حميدتي نفسه يخشى أن ينقلب عليه “الفزاعة” هؤلاء في يوم ما متى اخشوشن ما بينها.
كان ما أذاعه الجاك المقاربة الأولى لتركيبة الدعم السريع وسلسلة القيادة فيه التي يتفاداها محسنو الظن فيه ككيان عسكري موحد مهما يكن سيبلغ بهم ما يشتهون). وفي هذه المناسبة أنشر كلمة قديمة عن حركة تمازج التي كانت أعلنت انضمامها للدعم السريع ليرى القارئ جانباً من تركيب الفزع فيه)
كانت تمازج الجبهة الثالثة من بين المليشيات التي تحالفت أخيراً مع الدعم السريع. وهي من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020. وهي حركة اختلفت الآراء في أصلها وفصلها كما بينا في الحلقة الماضية. وكان آخر أخبارها مواجهة مسلحة بينها وبين شرطة ولاية الخرطوم التي طال ما اشتكت من أن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات ال فصلها. ونواصل هنا في سيرة تمازج في سياق العلم بتكوين الدعم السريع الذي تنفرط سلسلة القيادة فيه لأن قادة المليشيات يتمتعون باستقلال حيث هم. فتتحكم في غزواتهم في مثل ما يحدث في ولاية الجزيرة مصالح خاصة بجماعاتهم أو لطلب الغنيمة لا استراتيجية للدعم منضبطة بسلسة قيادة آمرة زاجرة.
مع توقيع “تمازج” لاتفاق سلام جوبا إلا أنها ظلت طريدة من عملية السلام من جانب أطرافه الأخرى. فبدا توقيعها على اتفاقية سلام جوبا كأن لم يكن. فلم تنل حظاً من قسمة الوظائف في حكومة دارفور التي قام عليها مني أركو مناوي زعيم جيش تحرير السودان. وعادت الحكومة إلى سحب دعوتها لها لاجتماع لجنة ترتيبات دمج قوات أطراف السلام في القوات المسلحة في الفاشر في أكتوبر 2022 بعد تبليغ القصر الجمهوري لهم بحضوره، وزاد الطين بلة قرار مجلس الأمن والدفاع بإخلاء المدن من قوات “تمازج” مرة واحدة.
أما حميدتي فلم يشقق القول عن “تمازج”، فسأل في لقاء تلفزيوني في أغسطس (آب) 2022 عمن وراء تسليح تلك القوة التي تملك أسلحة لا تتوافر إلا عند الحكومة.، وكانت قد جاءت إلى مواجهة في بلدة سوبا بينها وبين القوات المشتركة (من الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة) بأسلحة ثقيلة ومضادات طائرات. واتهم حميدتي “تمازج” بالتورط في الصراعات القبلية في غرب دارفور خلال الأعوام الثلاثة الماضية ليعلن القبض على أعضاء مكتبها في الولاية وترحيلهم إلى سجون نائية.
أما “تمازج” فشكت لطوب الأرض من فرط إهمالها في نيل مستحقاتها في ما تحقق من تنفيذ اتفاق جوبا. فقالت إنهم دخلوا الاتفاق 14 حركة مسلحة ومطلبية، نالت ست منها حظوظها من الاتفاق، بينما استبعدت الثماني الأخرى تماماً. وأضافت أن اتفاق جوبا محروس بوسطاء وشهود. ولن تتجرأ الحكومة على مصادرة سلاحها لأن في ذلك خرق للاتفاق ويؤذن بالحرب. ولفتت إلى أن عناصرها صبرت على جحود الحكومة وأطراف السلام الأخرى، ولكن للصبر حدوداً. وبدا على “تمازج” ملمح تفاؤل بأن حظهم ربما تغير للأحسن بالمصفوفة المحدثة لتنفيذ الترتيبات الأمنية التي صدرت عن ورشة جوبا انعقدت لاحقاً لتقييم تنفيذ اتفاق جوبا.
وما يحير هو نبذ حميدتي وحركات الكفاح المسلح لـ”تمازج” من فوق منصة أخلاقية قد لا يرقون مراقيها هم أنفسهم، فالدمامة واحدة في هرج السلاح الذي خيم لعقود في السودان، والاختلاف في الحظوظ منه اختلاف مقدار، لا نوع. فلم يستغرق قوميو جنوب السودان، الذين أخذتهم العزة بالسلاح لتحرير بلادهم من المركز الشمالي، سوى سنوات ثلاث ليجدوا أنفسهم يسددون نصل السلاح لصدور واحدهم الآخر في محرقة 2013. بل تقاتلوا قبل ذلك في عام 1991 خلال فتنة الحركة الشعبية بين شيعة جون قرنق وشيعة ريك مشار حرباً وصفت بأنها مما لم يرتكبه الجيش القومي “العدو” منذ عام 1955. وسمى الجنوبيون تلك الحرب بـ”حروب المتعلمين”، نظراً إلى درجة توحشها الكبير التي لا يقوى عليها إلا حق التعليم.
وحين يسأل حميدتي “من أين لتمازج هذا السلاح الكثير المتطور؟”، فقد نسي نفسه، إذ إن أسلحته من مضادات دبابات وطائرات ومدافع، مما يعد هرجاً بالسلاح، لا تملكاً في دولة حديثة، ناهيك بتواتر الأنباء في مايو (أيار) 2022 عن حصول “الدعم السريع” على منظومة تجسس من نوع “بريداتور” لاختراق الهواتف الذكية من شبكة إسرائيلية مصنعة. ولو صح سؤال “تمازج” عن مصدر سلاحها صح بالمثل سؤال حميدتي، ولكن السؤال هنا من حكم القوي على الضعيف.
أما حركات دارفور فلا وجه لها أن ترمي “تمازج” بالضعة الأخلاقية لأنها من صلب استخبارات السودان العسكرية. فإذا كانت إيجارة البندقية مطعناً في خلق الجماعة، فهذه الحركات والغة في هذه الإيجارة باصطفافها في الحرب الأهلية في ليبيا وجنوب السودان بشهادة خبراء مجلس الأمن الدولي، ناهيك بغزو “حركة العدل والمساواة” للعاصمة الخرطوم في مايو 2008 محرشة من تشاد. فكان هجومها على الخرطوم بمثابة رد معجل على هجوم جبهة معارضة تشادية مدعومة بنظام الإنقاذ في فبراير (شباط) 2008 على أنجامينا حتى احتلال القصر الجمهوري.
ربما كانت “تمازج” في ضعة الخلق السياسي الذي ترميه بها الحركات المسلحة، ولن تكون مع ذلك مهما قلنا عن سوئها سوى وجه دميم من وجوه فجور السلاح ضارب الأطناب في السودان.
دقت ساعة إخلاء كل يد غير القوات المسلحة من السلاح لتحتكر الحكومة امتلاكه كما هو الأصل في الدولة الحديثة. جاء وقت وضع السلاح أوزاره في السياسة. فخاطر الأمة مروع. وكان عبدالوهاب الأفندي قد قال مرة: إننا لربما لم نعطِ مطلب فصل السلاح عن السياسة ما أعطيناه لفصل الدين عن السياسة.