عليكم بالكلمة الطيبة والطبطبة
كتب: جعفر عباس
.
حزنت لصبي هندي ابن سبع سنوات انتحر لأن والده رفض شراء هاتف جوال له، وأحزن لعشرات الصغار الذين ينتحرون، وهم لا يعرفون معنى الانتحار، فقد يعتقدون أحياناً أنها تهويشة وأن الأهل سينقذوهم في (اللحظة المناسبة)، ومنهم من يمارس الانتحار كوسيلة للفت الأنظار، بمعنى أنهم لا يدركون أنه يفضي لفراق الدنيا نهائيا، وعشرات الأطفال ينتحرون سنويا في مختلف بقاع العالم، فقط تقليدا لمشاهد رأوها في التلفزيون أو السينما.
وما لا يدركه الكثير من الآباء والأمهات، هو أن الصغار عرضة للاكتئاب شأنهم شأن الكبار، أعني الإكتاب المرضي clinical depression وليس العابر الناتج عن منغصات أو ضغوطات ويزول بزوال مسبباته، ومع أنه من السهل تطويق حالات الاكتئاب عند الصغار، إلا أن الكبار دائما في شغل شاغل عنهم، بحجة “أكل العيش” وتوفير احتياجات العائلة، أو بسبب السبهللية، وإعطاء الأولوية للترفيه أو الراحة الشخصية
يلجأ الصغير إلى أبيه: بابا عندي مشكلة في المدرسة، و….، فلا يتركه البابا يكمل كلامه: حريقة فيك وفي المدرسة.. ما فاضي ليك او للمدرسة.. وتقف فطومة كسيرة الخاطر أمام الماما لتقول لها: الله يخليكي سوقيني معك لبيت خالتي قماشة، فتصيح الأم بعصبية: الله ياخذك انت وقماشة ويريحني منكم.. ما فايقة ورايقة زيك، ورايحة أبارك لنفيسة زفت طهور أولادها.. فزي من قدام وجهي.
يخيل إلي ان الكثير من معاناة عيالنا النفسية ناجمة عن كوننا لسنا (فاضين) لتبادل الأحاديث معهم، مع أننا فاضين للغاية لتبادل الأحاديث مع الصحاب والشلة! وعلاج الأمراض النفسية البسيطة أساسه الكلام: يستدرجك الطبيب أو المعالج النفسي للتحدث والفضفضة، فتتكلم وتتكلم حتى تحس بما يحسه من ابتلع مادة ضارة بالصحة، وفتح الله عليه بالاستفراغ فتقيأ وتقيأ حتى أحس بالراحة (التقيؤ والإسهال يكونان في كثير من الأحيان وسيلة دفاعية للتخلص من مواد سامة أو ضارة دخلت المعدة، ولكن إياكم يا آباء وأمهات من نوع الاسهال الذي كان يسببه لنا والدي رحمه الله الذي كان يسقينا شراب الملح الإنجليزي كل جمعة فتكاد مصاريننا ان تفارق اجسامنا)
والإنسان يحب أن يتكلم مع من يحب مثل الأب والأم والزوج والأخ والأخت والصديق الوفي، والصغار على نحو خاص بحاجة إلى من يثقون به ليحكوا له عن مشاغلهم البسيطة (التي يعتقدون أنها كبيرة)، ويعتقدون أن الوالدين لديهما الحكمة والتجربة لتبصيرهم بالمخارج مما يحسبونها مآزقاً، ولكن وفي أحيان كثيرة يحجم الصغار عن مصارحة أحد أو كلا الوالدين بما يواجهون من مشكلات، لأن الأب أو الأم كليهما سريعا الاشتعال، ويتسمان بالعصبية والنرفزة، أو يمارسان العقاب الجسدي بوصفه الوسيلة الوحيدة الناجعة لـ (تربية) العيال!
هب مثلاً أن ولدك البالغ من العمر عشر سنوات جاءك معترفاً بأنه (شرب سيجارة)، وربما قال ذلك لأن أحد الجيران رآه، فخشي أن يبلغك بالأمر فقرر الاعتراف! ما جدوى أن تضربه أو تشتمه وقد (حصل ما حصل)؟ أليس من الأجدى أن تضع ذراعك على كتفه وتضمه إليك وتكلمه في لين ورفق عن مضار التبغ، وأن الناس عندما يرونه ممسكاً بسيجارة سيقولون عنه إنه (قليل الأدب وعديم التربية). كان الضرب هو الوسيلة الوحيدة للتربية لأبناء جيلي، وكان من حق كل من هو أكبر منك سناً أن يضربك لأي هفوة ترتكبها، ومع هذا فإن أكثر من نصف أبناء جيلي كانوا مدخنين وكثير منهم صاروا سكرجية وبعضهم مارس التحشيش. والمراهقة لا تخلو من الهفوات والكبوات، ولكن المراهق بحاجة إلى من يمسك بيده، وليس من يكسرها!