كيف أدي الخضوع لشروط الصندوق للتدهور؟ ( 2 / 2)
كتب: تاج السر عثمان بابو
.
1
خلاصة الأمر: في نهاية هذه الفترة استفحلت الأزمة الاقتصادية وفقد السودان استقلاله الاقتصادي وسيادته الوطنية، فنجده يشترك في مناورات قوات النجم الساطع، ويشترك رموز النظام في جريمة ترحيل الفلاشا، ودفن النفايات النووية، وغير ذلك من الهوان الذي ألحقه حكم الفرد بالسودان .
وكانت انتفاضة مارس – أبريل 1985، بعد الزيادات في أسعار المحروقات والسلع التي أدت لاقتلاع نظام الديكتاتور نميري. وجاءت فترة الديمقراطية الثالثة.
ترك هذا الارث أثره علي فترة الديمقراطية الثالثة ” 1985- 1989″ ، فقد كان الوضع كالآتي:
– انعقاد المؤتمر الاقتصادي في عام 1986 والذي خرج بتوصيات تتلخص في الآتي: –
أ – إعادة تعميروتأهيل المؤسسات والمشاريع الإنتاجية والخدمية في القطاعين العام والخاص، واعادة تعمير المناطق التي تأثرت بالجفاف والمجاعة .
ب – إصلاح النظام المصرفي وتصفية النشاط الطفيلي.
ج – إشاعة الديمقراطية واشراك العاملين في المؤسسات الإنتاجية .
د – تحسين أجورومرتبات العاملين والمنتجين على أن يرتبط ذلك بزيادة الإنتاجية وتوفير مدخلات الإنتاج بالنسبة لمؤسسات القطاع العام والخاص الإنتاجية .
ه – إصلاح وتحسين خدمات التعليم والصحة.
و – لجم وسائل التضخم وتخفيض أسعار السلع الرئيسية واصلاح قنوات التوزيع .
ز – وضع خطة اقتصادية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي تخضع جميع السياسات الاقتصادية والمالية بهدف الاستغلال الكامل للطاقات الإنتاجية المتاحة واصلاح مسار الاقتصاد السوداني .
– رغم قرارات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي، إلا أن السياسات التي سارت عليها حكومات تلك الفترة أدت إلى استمرار مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تتلخص في الآتي : –
أ – ركود الإنتاج السلعي ( زراعة – صناعة ) وتضخم قطاع خدمات المال والتجارة، أي أن وزن الطبقات الطفيلية الإسلامية والمايوية كان مؤثرا في النشاط الاقتصادي، الشيء الذي عرقل محاولة أي إصلاح، وبالتالي انعكس ذلك على النشاط السياسي وإجهاض الانتفاضة وتقويض الديمقراطية .
ب – استفحال المديونية الخارجية التي بلغت 14 مليار دولار .
ج – عجز مقيم في الموازنة الداخلية وميزان المدفوعات.
د – تزايد معدلات التضخم إذ بلغ اكثر من 45 % .
ه – تدهور متواصل في سعر صرف الجنية السوداني .
و – تزايد معدلات استهلاك الفئات الطفيلية، وارتفاع معدلات الاستيراد وانكماش الصادرات وتزايد المنصرفات.
كما استمرت حكومات ما بعد الانتفاضة في السياسة التقليدية التي تسببت في الأزمة الاقتصادية مثل: تقليص دور الدولة، إلغاء الضوابط على حركة المبالغ والسلع والتخلص غير المدروس والتدريجي من القطاع العام خاصة في مجال البنوك والتأمين والتجارة.
ز – التشجيع المفرط للقطاع الخاص المحلي والمختلط والأجنبي دون اعتبار للأولويات والسيادة الوطنية ، وذلك بالإعفاءات والتغاضي عن التهرب الضريبي .
ح – إطلاق العنان لقوى السوق بافتراض أن ذلك يساوى بين الأسعار وتكلفة الإنتاج ويقربها من مستويات الأسعار العالمية مما أدخل البلاد في حلقة تعديلات سعر الصرف دون تحقيق الأهداف المطلوبة.
ط – التوجه الخارجي للاقتصاد السوداني والاعتماد شبه الكامل على العون الخارجي ، فعلى سبيل المثال في الفترة : ( 1986 – 1989 ) ، تم تحقيق تمويل تنموي ( عن طريق العون الخارجي ) بلغ مجموعه 7 مليار دولار لتمويل التنمية والبترول والسلع التموينية والاستهلاكية ومعدات عسكرية كان تفاصيلها كالآتي : 3 مليار دولار للتمويل التنموي، مليار دولار لسد العجز في كل سنة بعضه بترول وبعضه دعم سلعي، 3 مليار دولار للمعدات العسكرية ( للمزيد من التفاصيل راجع: الصادق المهدى : تحديات التسعينيات ، 1990). .
– تفاقم حرب الجنوب التي كانت تكلف 3 ملايين من الجنيهات يوميا ، إضافة للخسائر في الأرواح والمعدات، والمجاعات ،وتوقف التنمية في الجنوب ، وبذلت محاولات كثيرة من قيادات الأحزاب والتجمع والنقابات والشخصيات الوطنية للسلام ووقف الحرب في شكل مبادرات وندوات، حتى كللت هذه المحاولات بتوقيع اتفاقية (الميرغني _ قر نق)، التي أجهضها انقلاب 30 يونيو 1989 .
2
جاءت فترة انقلاب الإسلامويين بقيادة د. الترابي التي تمّ فيها تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي بأكثر
الأساليب وحشية ،حيث تمّ :
– تحرير الاقتصاد والأسعار.
– سياسة اقتصاد السوق، الخصخصة أو تصفية مؤسسات القطاع العام.
– التخفيضات المتوالية للجنية السوداني. الخ، مما أدي لتدهور القطاعين الزراعي والصناعي وقطاع الخدمات وتفاقم العجز في الميزان التجاري.
– زيادة عبء الديون التي بلغت بنهاية هذه الفترة 54 مليار دولار.
– تزايد الفقر حتى وصل الي 95% .
– التدهور المستمر في قيمة الجنية السوداني حيث تجاوز سعر الدولار أكثر من 80 جنية عشية سقوط رأس النظام في 11 أبريل 2019 .
باختصار كانت الحصيلة:
أ – عجز في الميزان التجاري رغم تصدير البترول و الذهب الذي تم نهب وتهريب عائداتهما التي تجاوزت 150 مليار دولار، وعجز في ميزان المدفوعات .
ب – تدهور قيمة الجنية السوداني وتفاقم التضخم والغلاء .
ج – تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي وتفاقم النشاط الطفيلي والفساد .
ه – تبديد الفائض الاقتصادي في الصرف البذخي والاستهلاكي والاستفزازي وتهريب الأموال للخارج ، وتفاقم المضاربة في العقارات والأراضي والثراء الفاحش من قطاع الدولة والعمولات .
أدي ذلك الي تفاقم أزمة النظام وسقوطه بعد إعلان رفع الدعم عن الوقود والزيادات في الأسعار في ديسمبر 2018 ، مما اشعل نيران الثورة أو القشة التي قصمت ظهر البعير، وكان سقوط رأس النظام في 11 أبريل 2019.
3
أخيرا ، بعد كل هذه التجربة المريرة والكارثية مع صندوق النقد الدولي منذ العام 1978 ،مهم اتخاذ الخطوات الآتية :
– الخروج من أسر هذا المسار الذي قاد للتبعية والتدهور.
– السير قدما في طريق التنمية المستقلة والمتوازنة في البلاد.
– وقف الحرب التي دمرت قدرات البلاد الإنتاجية والبشرية، وإعادة تعمير ما دمرته الحرب ووقف نهب ثروات البلاد المستمر حتى في ظروف الحرب اللعينة.
– رغم أهمية المساعدات الخارجية لدعم التنمية في الداية، الا أنه من المهم الا نعتمد فقط علي المنح والقروض التي لا تسمن ولا تغني من جوع، علما بأن السودان غني بموارده الزراعية والحيوانية والمعدنية.
– وقف الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي في تخفيض الجنية السوداني،ووقف دعم الخبز والسلع الأساسية والتعليم والصحة والوقود والكهرباء، ومدخلات الإنتاج، وخصخصة المؤسسات الإنتاجية الناجحة. الخ. .
– التوجه الداخلي للاقتصاد السوداني، والسيطرة علي كل موارد البلاد وشركات الذهب والبترول.
– تفكيك تمكين نظام 30 يونيو 1989، واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وتحسين أوضاع الناس المعيشية، وصرف مرتبات العاملين،وضمان وصول الإغاثة لمستحقيها بدلا من نهبها وبيعها في الأسواق،من طفيلية طرفي الحرب.
-التوجه للإنتاج وتقوية الصادر والميزان التجاري الذي تدهور كثيرا بعد الحرب.
– معالجة الخلل الهيكلي في قطاع البنوك، وضبط عملية طباعة العملة.
– تغيير العملة الحالية مما يساعد في عودة الكتلة النقدية الهاربة.
– تخفيض منصرفات الأمن والدفاع وجهاز الدولة، وعودة كل شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية.