يا لسخرية “شركاء السودان”!

0 79

كتب: د. خالد التيجاني النور

.

ما أن قرأت عنوان تصريح صحافي صادر عن إعلام مجلس الوزراء عن ترحيب 14 من كبريات الدول ب”عملية الانتقال الديمقراطي والإصلاح” في السودان حتى خفق قلبي منشرحاً قبل أن أقرأ مضمون البيان، وحدثت نفسي أن الفرج جاء أخيراً لبلدنا المكروب، وها “هم شركاء السودان الدوليون” يصدرون أخيراً شهادة نجاح واجتهاد وحسن سير وسلوك لجهود حكومتنا الانتقالية وقد أضناها التعب جراء تعقيدات أزمات السودان المركبة والموروثة، وأنه لا بد أن الشركاء الدوليين من أصدقاء السودان قرروا أخيراً أن يهبوا لنجدتها وقد بلغ ضيق الأوضاع الاقتصادية المنذرة مداها، وأن يوفوا ببعض وعودهم التي ملأوا بها الأسافير عن عزمهم الأكيد على تقديم دعم لا محدود لإنجاح الحكم المدني وعبور المرحلة الانتقالية بسلام.
(2)
وظننت “وبعض الظن إثم” أن أصدقاء السودان الأماجد سوف يلقمونني هذه المرة حجراً وسوف يثبتون أن “حسن” سوء ظني بهم الذي طالما سودت به صفحات هذه الزاوية إنما هي مجرد هرطقات وترهات، لاسيما وقد تصدر البيان الدول الثلاث الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وإحدى عشرة دولة أخرى من ذوات الوزن هي “أستراليا، كندا، تشيلي، الدنمارك، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، النرويج، بولندا، إسبانيا والسويد.
(3)
وحسبت أن هذه الدول الكبرى من أصدقاء ما اجتمعوا لإصدار بيان مهيب إلا لأنهم أحسوا بعظم حجم المعاناة الإنسانية التي يكابدها الشعب السوداني في طول البلاد وعرضها في هذا العام الكبيس، وقد توالت عليهم المصائب والكوارث الطبيعية والمصنوعة تترى، الواحدة تلو الأخرى، لم يكد يسعدوا بالتغيير الكبير الذي أحدثته ثورة ديسمبر المجيدة، وحكومته تتهيأ وسط ظروف تحيطها تحديات كبيرة بالغة التعقيد، بأمل كبير أنها بعون المجتمع الدولي الذي تبارى قادته في إغداق الوعود بالوقوف إلى جانبها ستعبر لا محالة إلى بر الأمان، جاءت جائحة كورونا بكل حمولة تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية وغشيت مساعدات المؤسسات الدولية كل دول العالم بسخاء إلا السودان الذي تصدق البعض عليه بفتات، لماذا لأن مؤسسات التمويل الدولية غير مأذونة بتقديم أي دعم جدي له لأنه مكبّل بقيد متأخرات ديون، وبفيتو لائحة الإرهاب الأمريكية، وجاءت الفيضانات لتزيد الطين بلة، وتداعى الاقتصاد ليشارف الانهيار لأن وعود أصدقاء السودان حتى يوم الناس هذا “حبال بلا بقر”.
(4)
كان الظن أن هذه الدول الكبرى جمعها الانشغال بهمّ الشعب السوداني المكلوم الذي تكالبت عليه المحن، وأن إنسانيتها استيقظت لتمد له يد عون صادقة لتخفيف آلامه، ولتسنده ببعض أسباب النهوض من كبوات لم تكن من صنع يده، وقد فرضها عليها متسلطون من بنيه، ولكن هيهات هاهم أصدقاء السوان يثبتون مرة أخرى أن أجندتهم الحقيقية ليست هي أجندة الشعب السوداني، وأن انشغالاتهم بأمر السودان ليست من صميم هموم وشؤون السودانيين، بل هي مجرد أداة تستغل لتوظيفها في خدمة ما يظنون أنه يخدم مصالحهم فقط، ولا يهم بعد ذلك الثمن الذي يجب على السودانيين أن يدفعوه مهما كان غالياً من دمائهم ومعاشهم واستقرار وطنهم ونهضته.
(5)
يا للسخرية، اجتمع هؤلاء في خضم هذه المعاناة الإنسانية الضخمة للترحيب “بإلغاء قانون النظام العام، وإلغاء الردة كجريمة، وإلغاء عقوبة الإعدام للأطفال، وإدخال تعديلات على قوانين ولاية الرجل، والسياسة الجديدة لحرية الصحافة، وتجريم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث”. اجتمعوا للترحيب “بشكل خاص بخطوات السودان المتقدمة في مجال حرية الدين أو المعتقد، والجهود المبذولة لمكافحة التمييز والكراهية على أساس الدين أو المعتقد، وإدراج عيد الميلاد ضمن الأعياد الوطنية وإلغاء تجريم الردة مؤخرًا”.
(6)
وزادوا كيل بعير “ونشجع السلطات السودانية على إحراز مزيد من التقدم والوفاء بالالتزامات التي تم التعهد بها حتى الآن لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بما في ذلك حرية الدين أو المعتقد”، كل هذا حسن ولا غبار عليه.
السؤال ومتى ستلتزمون يا “شركاء السودان” بالوفاء بالالتزامات التي تعهدتم بها، لا أقصد تلك الحفنة في مؤتمر برلين، بل بإنجاح الفترة الانتقالية، في وقت لن تفلح مثل هذه البيانات الهزلية الهزيلة في إعطاء قبلة حياة للحكومة المدنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.