إستنتاجات حائز على نوبل حول الإصلاح الإقتصادي

0 76
كتب: الحاج ورّاق
.

• وبلادنا تعاني أزمة اقتصادية خانقة، ويشق نخبتها استقطاب آيديولوجي بين المدارس الاقتصادية المختلفة، يجدر بنا أن نتأمل في استنتاجات الاقتصادي البارز جوزيف يوجين ستيقليتز (Joseph Eugene Stiglitz).
• وجوزيف ستيقلييز اقتصادي امريكي، يدرس الاقتصاد بجامعة كولومبيا، وحاز على جائزة نوبل للاقتصاد 2001م. منح 40 درجة علمية فخرية من جامعات عديدة، بينها كامبردج وهارفارد. ووضعته مجلة تايم عام 2011م كواحد من المائة الأكثر تأثيراً في العالم.
• وأهم ما يميز ستيقليتز ويجعله حاضرا وراهنا في سجالاتنا المحلية الحالية أنه منفتح العقل، كان كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي وعضو مجلس المستشاريين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي كلينتون، ومع كذلك اشتهر بانتقاداته القوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
• قدم ستيقليتز قبل نحو عامين استنتاجاته حول لماذا نجحت تجربة الإصلاح الاقتصادي بالصين، فى محاضرة بمدرسة إدارة الأعمال النرويجية.
• وأورد ان الصين في عام 1976م شرعت في تنفيذ اصلاحها الاقتصادي للانتقال من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد السوق، ومن دولة زراعية إلى صناعية ، ومن نامية إلى دولة اقتصاد سوق صاعد، وفي خلال 40 عاماً حققت الانتقال بنجاح اقتصادي غير مسبوق، حيث رفعت 700 مليون شخص من الفقر، وضاعفت الانتاج القومي الإجمالي بـ(40) مرة وإرتفع متوسط الدخل الشخصي بـ (20) مرة.
• وفيما نجحت الصين فإن روسيا بالمقارنة فشلت رغم أنها حين شرعت في الإنتقال كان لها متعلمين أكثر، وكانت أكثر تصنيعاً، ولها موارد وناتج قومي أكبر من الصين، لكن بعد التحول لاقتصاد السوق تراجع الناتج القومي الإجمالي لروسيا وتدهور مستوى المعيشة بـ 25%، كما انخفض متوسط العمر المتوقع، وتراجع التصنيع لدرجة أن روسيا تشابه حالياً الدول الافريقية في إعتماد اقتصادها على تصدير المواد الخام : النفط والغاز والذهب وغيرها.
• ومع ان ستيقليتز يؤكد النجاح الاقتصادي الصيني، فانه لا يرسم صورة وردية دعائية عن الأوضاع، ويورد ان متوسط الدخل الشخصي في الصين لا يزال يساوي حوالي 6/1 سدس الامريكي، وان عدداً من طلبته لا يريدون العودة للصين بسبب التلوث البيئي المهدد للصحة والحياة ، فضلاً عن المستويات العالية لعدم العدالة الاقتصادية- بين الريف والمدن، وبين الساحلين الشرقي والغربي، وبين الطبقات الاجتماعية، حيث تضم الصين ثاني أكبر عدد من البليونيرات في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
• وعزا ستيقليتز أسباب نجاح الإصلاح الاقتصادي فى الصين لعدة عوامل، أبرزها، البراجماتية، بمعنى أن القادة الصينيين لم يتبنوا نموذجاً آيديولوجياً مغلقاً ، وإنما انطلقوا من القناعة بان انتقالهم يمثل مشكلة جديدة لم تحل من قبل لذلك لا يوجد نموذج جاهز لحلها، وهكذا رغم انفتاحهم ودراستهم واستفادتهم من تجارب الآخرين صمموا مصيرهم بأنفسهم.
• والعامل الثاني، التدرج، على عكس التجربة الروسية التي تبنت نموذج العلاج بالصدمة، فأدت إلى صدمات مدمرة للاقتصاد والسياسة لكن دون علاج.
ولم تتعامل الصين مع التدرج كتكأة لتسويف الاصلاح ، أو لعدم إنجاز بعض الأشياء الملحة بسرعة ، ولكنها ميزت بشكل دقيق ما بين المهام التي لا بد من انجازها بسرعة وبين التي تنجز طوال فترة الانتقال.
• والعامل البارز الآخر في النجاح، المعرفة والتعلم، فالصين مثلها مثل الدول النامية الأخرى لم تكن تعاني فجوة في رؤوس الأموال وحسب إنما كذلك فجوة في المعرفة في بلدها ومع البلدان المتقدمة، فاستثمرت بكثافة في التعليم، وكمثال فان 2% من طلاب جامعة كولومبيا صينيون، كما انفتحت الصين للتعلم من تجارب الآخرين. وانفتحت نحو التجارة العالمية.
واستطرد ستيقليتز ليؤكد على أهمية اقتصاد المعرفة، حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع في الدول الغربية من نحو 40عاماً إلى نحو 80عاماً، بسبب رئيس هو تقدم البحث والمعرفة.
• وأضاف ان الصين اتبعت سياسات في التحول لإقتصاد السوق كانت اصولية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تؤكد بانها لا يمكن أن تنجح مطلقا- مثل اعتماد نظام التسعير المزدوج، والتحكم بسعر الصرف لتشجيع الصادرات، والتركيز على المنافسة والحوافز بدلاً عن الخصخصة وحقوق الملكية.
وبالمقارنة ركزت روسيا، بناء على نصائح صندوق النقد، على الخصخصة مما أدى لسرقة الممتلكات العامة في اضخم عمليات فساد ولصوصية في التاريخ البشري، ونقل اللصوص الروس سرقاتهم إلى بريطانيا لحمايتها بالاستفادة من حكم القانون هناك!.
• ويبدى المستبدون في الدول النامية اعجابهم بالنجاحات الاقتصادية للصين كي يروجوا لنموذج النظام السياسي الصيني الشمولي، لكن ستيقليتز يعرب عن خيبة أمل من ان النجاحات الاقتصادية، وعلى عكس المتوقع والمأمول، لم تؤدي إلى الاصلاحات الديمقراطية.
وشخصياً أرى ان نجاحات الصين الاقتصادية التي قامت على الانفتاح تحققت بالرغم من وليس بسبب النظام السياسي المغلق، وستظل هذه النجاحات في كف عفريت، إذا لم ينفتح النظام الصيني للديمقراطية وحقوق الإنسان.
• وكذلك لا بد من الاشارة إلى أنه من عوامل النجاح التي لم يشر إليها ستيقليتز العامل الثقافي، حيث ان الصينيين- سواء في الصين أو تايوان أو هونغ كونغ، لديهم تقاليد ثقافية تؤكد على احترام قيم العمل والانضباط والمثابرة، وهي قيم لازمة ولا غنى عنها في أي نهوض حضاري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.