أول القصيدة كفر!
كتب: د. خالد التيجاني النور
(1)
“وتعد إضافة ثلاثة مقاعد للمجلس السيادي أبرز النقاط التي أجيزت في الاجتماع المشترك، وبذلك يصبح مجلس السيادة الانتقالي مكوناً من 14 عضواً”، هكذا لخص “إعلام مجلس السيادة الانتقالي” في بيانه الصحافي أمس خلاصة الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء بشأن إدراج اتفاقية جوبا في الوثيقة الدستورية، ولا لوم على محرر الخبر وصفه لتوسيع مجلس السيادة بأنه أبرز “مخرجات” الاجتماع، ذلك أنه يعكس حقيقة الاهتمامات والأجواء السائدة التي تشغل بال الملأ الأعلى في كواليس السلطة بكيفية الحفاظ على المناصب في لعبة الكراسي السلطوية، وليس أجندة الإصلاح الملّحة التي لا يمكن تفاديها في وقت تواجه البلاد مخاطر تفتت وحدتها المجتمعية وتفكك الدولة.
(2)
لم يكن غريباً أن يصاب السودانيون بصدمة حين انتهى إلى مسامعهم زيادة أعضاء مجلس السيادة بلا أية مبررات موضوعية، وبلا دواع تقتضي ذلك البتّة، وقد خبر الناس أداءه الباهت وتواضع كفاءته، الذي لم يقل بؤساً عن أداء الحكومة، ولم يحس الناس به إلا جسماً زائداً في هياكل الفترة الانتقالية لا معنى لوجوده إلا ما اقتضه توازنات ذلك الصراع المحموم بين المكونين العسكري والمدني إبان التفاوض على ترتيبات إدارة الفترة الانتقالية، وقد سُلخت جلدة النملة آنذاك وسط جدل كثيف لإيجاد معادلة “دقيقة” للغاية حول تركيبة المجلس، وأنفق فيها وقت ثمين، وسرعان ما تبين بعد ذلك أن الأمر لم يكن يحتاج إلى كل تلك المغالطات بعدما ترك المدنيون، الذي ظُن أنهم سيكونون صمّام أمان شعار “مدنيااااا وووو”، الجمل بما حمل للعسكريين الذين زعمت تلك الصيغة أنها ستحاصرهم في دور شرفي في مجلس بلا صلاحيات حقيقية، وانتهى الأمر بتسليم الحكومة أهم ملفاتها التنفيذية للمكون العسكري. وما دام انتفى ذلك التوتر بعد إيمان المكون المدني بمحورية دور العسكريين، فما هي الحكمة من وجود هذا المجلس الذي لا عمل له، يكفي أن يُعهد لعسكري واحد بالرئاسة، والسلام.
(3)
يبدو أننا أسرفنا في حسن الظن، على خلفية التصريحات المتواترة التي أعقبت توقيع اتفاق جوبا، بأنه سيكون سانحة ذهبية جاءت في وقتها، على علّاته التي أيقظت معارضة جهوية له، ستسهم بروح وطنية جديدة عالية الهمة وقيادة مسؤولة واعية في إنقاذ الفترة الانتقالية من الفشل الذريع الذي انتهت له في الملفات كافة التي أسندت إليها من واقع تجربة العام المنصرم المريرة الذي يتحمل مسؤوليته المكونان العسكري والمدني، فقد جرى الترويج لعملية إصلاح شاملة وإعادة تصفير للفترة الانتقالية على نحو يسمح بتصحيح الأخطاء القاتلة التي شابت المرحلة السابقة منذ حدوث التغيير، بما في ذلك الوثيقة الدستورية التي لم ينفذ معظم استحقاقاتها، وظل تُخرق بصفة مستديمة حتى أصبحت كجبة مرقعة، وكان الأمل أن هذه لحظة تاريخية لاستدراك عجز الطبقة السياسية الحاكمة عن الارتقاء لمصاف ثورة الجيل الجديد وتضحياتهم في ثورة ديسمبر، ولكنها آثرت مرة أخرى أن تعيد إنتاج الفشل نفسه الذي اجهض بها النادي السياسي القديم ثورتي أكتوبر وأبريل، ولا غرو أن تتكرر هذه الخيبات ما دامت الذهنية هي نفسها لا تتغير.
(4)
نقلت “السوداني” أمس على لسان عضو المجلس السيادي محمد حسن التعايشي قوله إن هناك تغييرات جذرية في آليات ومنهج اختيار الوزراء حسب دراسة تحمل أسسا جديدة لاختيار الوزراء في حكومة ما بعد السلام تقوم على الكفاءة ووضوح الرؤية والقدرة على الإنجاز، وقال التعايشي إن اتفاقية جوبا أتاحت فرصة تاريخية لإعادة منهج حقيقي للتغيير، وأن التغيير الحقيقي يبدأ من منهج تشكيل مؤسسات الحكم. وكل هذا حسن، وهو ما يحتاجه السودان حقاً للخروج من مأزقه الراهن، لكن واقع الممارسة للأسف الشديد لا يُعضّد ما ذهب إليه، والإشارة الواضحة من توسيع مجلس السيادة تعني استمرار عقلية المحاصصة على حساب استحقاقات الإصلاح، فإن كان أول القصيدة كفراً فأي تغيير ننتظر؟