تعليقات في السياسة الداخلية ماذا وراء هذا الاجتماع المشبوه؟؟

0 100
كتب: سليمان حامد الحاج
.
عقد اجتماع في الثالثة من ظهر الأربعاء 4/11/2020 بمباني مجلس تشريعي الخرطوم ودعت له لجنة العمل الميداني لقوى الحرية والتغيير. حضره إلى جانب إبراهيم الشيخ والريح السنهوري وحيدر الصافي وياسر عرمان وأمنية محمود وأحمد تقد لسان وآخرين ومائة وخمسون مندوباً من لجان المقاومة التي تم دعوتها وهم يمثلون بعض لجان المقاومة بمدينة الخرطوم.
هدف الاجتماع كما جاء في حديث إبراهيم الشيخ أول المخاطبين للجان المقاومة، هو إقناع لجان المقاومة بالتوحد حول ما توصل إليه سلام جوبا حول تعديل الوثيقة الدستورية إذا تعارض أي بند من بنودها مع مخرجات سلام جوبا، وستوضع هذه المخرجات في الوثيقة الدستورية لتصبح جزءًا لا يتجزأ منها.
هذا الاجتماع امتداد للمخطط الذي وضع أول مسمار في نعش الوثيقة الدستورية في منزل أنيس حجار في 28 يونيو 2019م، وبمبادرة منه بمشاركة رئيس المجلس العسكري (البرهان) ورئيس اللجنة السياسية شمس الدين الكباشي وقيادات من المجلس العسكري وثمانية ممثلين من قوى الحرية والتغيير، وتم الاتفاق فيه على الشكل المعدل للوثيقة الدستورية. ما يجدر ذكره ((أن الوساطة الإثيوبية الأفريقية رفضت وساطة أنيس حجار المسنودة من سفراء السعودية والإمارات وبريطانيا وأمريكا الذين حضروا الاجتماع، ووصفتها بأنها تدخل أجنبي)). {راجع صحيفة التيار 30 يونيو 2019}.
إن اجتماع المجلس التشريعي المشار إليه مواصلة أيضاً لذات النهج التآمري، الهادف إلى خداع لجان المقاومة – أحد الركائز الأساسية للثورة – بأن مؤتمر جوبا هو تطور ديمقراطي تصب مخرجاته في الوثيقة الدستورية.
الواقع يقول، أن مؤتمر سلام جوبا، وبالطريقة والنهج الذي تم به، يعكس الهدف المستبطن ليكون أحد الأساليب الماكرة الهادفة لسرقة الثورة بتقوية نفوذ المكون العسكري داخل مجلس السيادة والوزراء.
بهذا النهج، ساهم المكون العسكري بشكل مباشر في خرق الوثيقة الدستورية وعدم التقيد بنصوصها بتشكيل المجلس الأعلى لسلام جوبا وبإشراف تام من المكون العسكري بقيادة حميدتي وكباشي. واعتبار وثيقة سلام جوبا فوق الوثيقة الدستورية، بل إن ما يتعارض في الوثيقة الدستورية مع مخرجات جوبا، تجبه هذه المخرجات.
هذا ما حاول السيد إبراهيم الشيخ أو المتحدثون في اجتماع مجلس تشريعي الخرطوم إقناع لجان المقاومة بقبوله كأمر واقع. إلا أن لجان المقاومة رفضت ذلك بإصرار وهتفت ضد الداعين له والمدافعين عنه، وخرج مائة وخمسة وثلاثون مندوباً من مجموع مائة وخمسين من الذين حضروا الاجتماع، وقرروا مواصلة التصعيد ضد أي تغيير أو تعديل في الوثيقة الدستورية.
إبراهيم الشيخ ومن حضر معه الاجتماع من قيادات قوى الحرية والتغيير يعلمون علم اليقين أن ما أسفر عنه مؤتمر جوبا للسلام هو نتاج تخطيط استهدف سرقة الثورة. يؤكد ذلك الممارسات الآتية:
1. عقد مؤتمر السلام في جوبا ليكون بعيداً عن متابعة ومراقبة شعب السودان اللصيقة له. ومع ذلك فإن شعب السودان كان يقظاً ومتابعاً بكل حواسه ما يحدث في جوبا، ضارباً عرض الحائط بجهل القائمين عليه لتناسيهم أن العالم أصبح بفضل تطور ثورة الاتصالات قرية صغيرة.
2. أفرز مؤتمر جوبا واقعاً سياسياً جديداً يرقى لوصفه بأنه انقلاب ضد الثورة للأسباب الآتية:
‌أ. إشراك مسارات لم يكن لها أي ذكر سابق في جميع المفاوضات التي تمت من قبل، لا في أبوجا ولا الدوحة ولا غيرها، لأنها لم تشترك في أي معارك حربية معلنة ضد النظام القائم، ولم تدر فيها حروب. بل ظهر معظم قيادات هذه المسارات المصنوعة كالنبت الشيطاني، وواقعياً لا يمثلون إلا أشخاصهم ومصالح من دفع بهم إلى جوبا. يؤكد ذلك البيانات الصادرة من جماهير مناطقهم منفردة، ثم في البيان الموحد الذي نشر في صحف 4 – 5 نوفمبر 2020م والذي جاء ضمن ما جاء فيه بتوقيع خمسة عشرة تكتلاً سياسياً وأهلياً ومطلبياً أنهم (يمثلون أقاليم الشرق والوسط والشمال، بينهم المجلس الأعلى لنظارات البجا ومنبر البطانة الحر وتجمع شرق السودان، وتحالف الشمال للعدالة ونظارة عموم رفاعة الهوى ونظارة الكواهلة بشرق النيل، وتحالف الوسط والجبهة القومية لأبناء جنوب كردفان، وجبهة أسود النيلين وتجمع الوسط وعدد من المكونات المطلبية الأخرى. أكدوا فيه رفضهم لمسارات التفاوض في جوبا، ومعبرين بإصرار عن أن تلك المسارات لا تمثلهم أو تعبر عنهم مؤكدين رفضهم لها. وأن ما تم التوقيع عليه في جوبا شأن الأقاليم الثلاثة ولن يؤسس لسلام على المستوى القومي).
‌ب. بما أن قضية السلام في البلاد تهم كل شعب السودان، كما عبرت عنها في شعار (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور) لم يشرك فيها أصحاب الوجعة الذين حملوا السلاح وقدموا التضحيات الجسام استشهاداً في الحرب وحرقاً لمنازلهم واقتلاعاً من ديارهم قسراً. وتخريباً لمزارعهم واغتصاباً لبناتهم وصبيانهم ونهباً لمواشيهم وكافة ممتلكاتهم وتشريداً لهم في فيافي الأرض داخل البلاد وخارجها، تمزيقاً للنسيج الاجتماعي وتشتيتاً وضياعاً للأسر. ولا زالوا – رغم ثورة ديسمبر 2018م – يعيشون واقعاً مأساوياً مفجعاً يندي له الجبين الإنساني.
‌ج. أفرز سلام جوبا تحالفاً جديداً بين المكون العسكري، الممثل الحقيقي لنظام شريحة طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة وحامي مصالحها والعامل بتفاني على توطيده بمساندة ودعم من ضمتهم إلى مخططها من القوى السياسية بكل الوسائل والممارسات.
‌د. أبعدت القوى الحقيقية العاملة للسلام المستدام عن قصد ومع سبق الإصرار والترصد. وليس أدل على ذلك ما عبر عنه موقف اللواء الكباشي برفضه مخرجات الورشة التفاوضية عن فصل الدين عن السياسة. جاء ذلك في البيان الذي أصدرته الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال جناح عبد العزيز الحلو، هذا نصه:
((أن ممثلي حكومة السودان الإنتقالية وممثلي الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ومساعديهم من المسهلين والخبراء ومجموعة السياسات والقوانين الدولية العامة، والمركز الأفريقي للحلول البناءة للنزاعات واستشاريو شركاء التنمية وفريق الوساطة لعملية السلام في السودان، وبعد حوارات امتدت من 29 أكتوبر وحتى أول نوفمبر 2020م ونقاشات عميقة مصحوبة بتقديم نماذج من خبراء دوليين ومحليين حول تطبيقات سياسة مبدأ فصل الدين عن الدولة في دول ذات أغلبية مسلمة، كان واضحاً أن النموذج التركي هو الأقرب لواقع السودان. وتوصل الطرفان في التقرير الختامي إلى فصل الدين عن الدولة ولم يعترض أي طرف على ذلك تماماً كما ورد في اتفاق أديس أبابا في 3 سبتمبر 2020م. ورغم قبول وفد الحكومة بالاتفاق إلا أن الجميع فوجئوا في الجلسة الختامية التي حضرها الكباشي والذي كان متغيباً عن معظم الجلسات ومعه السيد محمد الحسن التعايشي عضو مجلس السيادة والناطق الرسمي باسم وفد الحكومة، ورفض الكباشي لمخرجات الورشة. وهذا يعني عدم القبول بفصل الدين عن الدولة ورفض عملية السلام)). {راجع صحيفة الميدان عدد 3 نوفمبر 2020م}
ليس ذلك وحسب، بل لم يدعي للمشاركة في سلام جوبا، القوى الحقيقية التي عبرت عن نفسها وموقفها الحقيقي في اعتصامات نيرتتي وفتابرنو ونيالا وزالنجي وغيرها من معظم مدن الغرب، فارزة موقفها الذي يفضي إلى سلام مستدام بالاستجابة للمطالب التي قدمتها والتي تمثل جزءاً لا يتجزأ من مطالب ثورة ديسمبر 2020م، المناهض للمحاصصة التي تمت في جوبا والتي كان هم المشاركين فيها اقتسام المناصب وما توفره من امتيازات لا يجمعها جامع مع مطالب الكادحين المعدمين من أهلهم الذين يتضورون جوعاً.
ليس ذلك وحسب، بل لم يتم إشراك القوى الحقيقية الصانعة للثورة في لجان المقاومة وتنظيمات المهنيين المختلفة ونساء البلد وشبابه الباسل الذي قدم مئات الشهداء والمفقودين، ولم تمثل فيه قوى الأحزاب التي صارعت النظام منذ ساعاته الأولى وطوال ثلاثين عاماً من المجالدة والنضال ضده وقدمت تضحيات جسيمة حتى اندلاع ثورة ديسمبر 2018م وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوداني.
كل ذلك يؤكد لكل ذي بصيرة أن قوى الثورة الحقيقية يقظة ومتابعة لكل أشكال وأساليب التآمر لإجهاض الثورة والإبقاء على كل ثوابت شريحة طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة قيادة تحالف جديد.
إن اجتماع مجلس تشريعي الخرطوم هو أحد أدوات هذا التحالف العاملة على تنفيذ سياساته مستترة باسم قوى الحرية والتغيير.
الرد الصافع لهذا الاجتماع والمشرفين على إخراجه، الذي قامت به لجان المقاومة بالخروج من الاجتماع، يؤكد لهؤلاء أنهم ينفخون في (قربة مقدودة)، وأن شباب السودان وكنداكاته وكل قوى الثورة في جميع أنحاء الوطن يقظون وكاشفون لكل أشكال وأساليب التأمر، ومصممون على إلحاق الهزيمة النكراء بهذا المخطط الغادر وفاعلية والمساعدين على تنفيذه.
فمزيداً من اليقظة العالية والتصعيد المتواصل لإفشال هذا المخطط بعد أن عرفت إبعاده ومقاصده ومنفذوه، ومزيداً من الوحدة والتماسك بين لجان المقاومة، حامية الثورة. أصحى يا ترس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.