أزمة القيادة والتدريب ( 1 من 2)

0 70
كتب: د. النور حمد
.
كل أمر من أمور حياتنا اليومية يصرخ بأعلى صوت أننا نعاني من مشكلة عويصة ومزمنة في القيادة وفي التدريب. فالقيادة leadership أصبحت علما يدرس في الجامعات، وتجري مواءمته مع مختلف التخصصات العلمية، والمجالات المهنية، بوصفه ركيزة من ركائز الإدارة؛ في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم. لذلك أصبحت المؤسسات تهتم كثيرا بالتدريب القيادي. فبغير قيادة مقتدرة لا يستطيع أي مرفق، سواء كان حكوميا، أو خاصا أن يؤدي وظيفته على النحو الأكمل، وأن ينمو أفقيا ورأسيا في أدائه. تعود أزمة القيادة والتدريب في مرافقنا، في تقديري، إلى انصراف الأداء المؤسسي لدينا عن الاستهداء بالبحوث الجامعية على مستوى الكوكب، وعما تنتجه مراكز الأبحاث من دراسات متجددة حول القيادة. يضاف إلى ذلك أن الاهتمام بالبحث العلمي والصلة بالجامعات وبمراكز الأبحاث المتخصصة لدينا، هو أصلا ضعيف للغاية. ويعود هذا، في تقديري، إلى جهل النخب السياسية المتنفذة بضرورة المؤهلات القيادية وما تعنيه حقيقة في مضمار التطوير المستدام. يضاف إلى ذلك، عدم إيمان هذه النخب بأهمية دور المستشارين المتخصصين. فهي حتى حين تستخدم المستشارين، تجعل منهم مجرد ديكورات.
ربما يعود عجزنا المزمن عن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب إلى جملة من العوامل؛ منها الطائفية، والعشائرية، والحزبية، ومختلف صنوف المحسوبية، وغير ذلك من مشاكل الأمم الداخلة لتوها في نطاق الحداثة. ومنها أيضا الترقية في السلم الوظيفي بناء على استيفاء القيد الزمني فقط؛ أي، ترقية المهني او الموظف أو العامل في السلم الوظيفي بناء على الأقدمية الزمنية. فعلى عهدنا في الخدمة المدنية كان الخريج الجامعي الذي يمضي أربع سنوات في الخدمة، يجري ترفيعه من الدرجة Q إلى الدرجة DS بصورة شبه تلقائية. ويظل يتدرج عبر استيفاء القيد الزمني، كل بضع سنوات، حتى يبلغ أعلى الدرجات في السلم. المشكلة أن الترقية باستيفاء القيد الزمني تجعل الباب مفتوحا لكي يصل من لا يملك الصفات القيادية إلى أعلى المواقع القيادية. وهذه كارثة كبيرة. فليس كل مهني أو موظف أو عامل يملك الصفات التي تجعل منه قياديا. المؤسسات جيدة الأداء هي التي تنتقي، عبر نظم التقييم المبنية على معايير علمية دقيقة، من يستحقون التصعيد للمواقع القيادية. ويجري ذلك عبر التقييم المستمر للأداء، والتمحيص الدقيق الذي يستصفي للترفيع من يمتلكون القدرات القيادية. فالتصعيد إلى المواقع القيادية ينبغي أن يجري بالإضافة إلى الأقدمية الزمنية، أيضا، على امتلاك الصفات القيادية التي يثبتها التدريب والتقييم السنوي للأداء.
من المهم جدا أن يكون الشخص القيادي في أي موقع، سواء في أعلى السلم الوظيفي أو في أسفله، صاحب رؤية ومبادرة، وصاحب قدرة على الملاحظة وعلى الاهتمام بأدق التفاصيل. أيضا، لابد أن يكون ذا شغف وكلف بالتطوير والتحديث، وأن تكون له شخصية ديناميكية لا يبتلعها الروتين اليومي، ولا يطفئ اتقادها ويبطئ توثبها. وأهم من كل ذلك أن يكون صاحب خيال يجعله قادرا على استباق الإشكالات. يضاف إلى كل ما تقدم، أن يكون صاحب حس نقدي وقدرة على المراجعة المستمرة وعلى التصحيح الفوري. وهذه صفات لا تتوفر سوى في قلة قليلة من الناس، وسط أي مجموعة بشرية. وكما سبق أن أشرت في صدر هذه المقالة فإن وصول الشخص الذي لا يملك المؤهلات القيادية إلى موقع القيادة يخلق إشكالات عويصة، لأن عدم الكفاءة يحول مثل هذا الشخص إلى عائق كبير جدا. وبما أن من وصلوا عندنا إلى مواقع سدة القرار لم يصلوا، عبر تاريخنا السياسي، سوى بالبندقية، أو الوزن الطائفي، أو الأيديولوجيا الصماء، فلا غرابة إذن أن كان جهاز الدولة لدينا في حالة تآكل مستمرة، وأن أصبح الفساد هو المسيطر. نحن بحاجة إلى تغيير آليات السياسة القديمة التي جعلت البندقية والطائفة والأيديولجيا المصمتة هي المؤهل للقيادة. كما أننا بحاجة أيضا إلى وضع النهج العلمي الذي يستصفي القيادات وسط كل مجموعة عاملة، بناء على امتلاك الصفات القيادية وامتلاك القدرة على تنميتها.
(يتواصل)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.