أحداث الجنينة .. الإجابة عن السؤال الصّعَيْب.

0 90

بقلم : الصادق عبدالله

تأتي أحداث الجنينة المؤسفة لتفضح قناع التعايش السلمي الذي نتستّر به ، وتكشف كذلك بنية مجتمعنا الهشة القابلة للإنفجار والتشظي والإصطفاف المقعد على اساس العرق والقبيلة ..

أحداث الجنينة تشكل إدانة صريحة لكل المنظومة الأمنية السودانية العاجزة عن الإستجابة السريعة والمناسبة مع الحدث .. إنه لأمر باعث على القلق ان تكون الأجهزة غيرة قادرة على السيطرة والتعامل الموجب والفعّال مع هكذا احداث .
وإنه لمن دواعي الأسف والخزي ان يحصل الإصطفاف المقعد وسط منسوبي الأجهزة العسكرية لتنهار العقيدة العسكرية ونداء الواجب وقسم الولاء للوطن امام نداء العرق والقبيلة.

أشد الناس بؤساً في هذه المأساة من يَعْمَدُون الى تحميل السلطة العامة وحدها المسؤولية كاملة ، ويتناسون الدور المجتمعي المطلوب لإمتصاص الصدمات وتحصيل التعايش الإيجابي.. الحادثة وتفاعلاتها اللاحقة هي تجلي طبيعي للمجتمع المأزوم الذي يعاني من الإنقسام العميق وفقدان الثقة.

شخصيا كنت اتوقع مثل هذا الحادث وحوداث أُخر طالما الأهالي هناك مشحونون بمشاعر الكراهية والنبذ والشعور بالريبة إزاء الآخر .. الحادثة ليست سوى تجلى لأزمات كامنة ومسكوت عنها ، والمدخل الصحيح للمعالجة هو الإقدام بشجاعة لمخاطبة أُس الأزمة.

محاولة تحميل المركز المسؤولية هو كسل ذهني وهروب من الإستحقاق وتغابي مفضوح ، واي محاولة للتسوية على اساس الديات وحصر الخسائر والملاحقة الجنائية للأفراد هي مجرد هدنة وتأجيل للمأساة لتنهض حوادث أُخر في المستقبل لربما تكون عصية على التخدير بالملاحقات الجنائية والديات كوسائل مجربة وفشلت في تحصيل السلام.

المدخل الصحيح لتحصيل سلام مستدام في غرب دارفور ، هو مخاطبة جذور المشكل المتصلة بالأراضي واستخداماتها.. ثمة خطاب آخذ في الإتساع من بعض ابناء اهلنا المساليت يعتبر أن بعض السكان (دخلاء ) وبالتالي يجب أن يكونوا اقل حظوة في تحصيل المنافع والتمدد ، وبالمقابل هناك شعور بالخطر والتربص مصحوبة بنزعة إستعلاء من بعض ابناء اهلنا العرب ، هاتان النقطتان على درجة من الحساسية – الحقيقة للأسف- وهي المسؤولة من تغذية الحمية والتضامن ضد الآخر (الخطر) .. لماذا يتحوّل النزاع الفردي المحدود الى صراع عرقي ؟ ولماذا يحصل كل هذا الإصطفاف والتضامن (حتى القبائل المتصارعة) ؟ ، والإجابة هي الشعور بالخطر والتضامن لخوض معركة البقاء.
وعلى هذا النحو سيحصل إصطفاف يُعِيد الأحلاف القبلية إبان ازمة دارفور ٢٠٠٣م .

جمع السلاح من الأهالي ، وتجريد المواطنين من ادوات القوة والإيذاء يسرّع من وتيرة السلام.. توافر السلاح بيد الأهالي يغري بخوض المعارك .
الأحداث فضحت أكذوبة مشروع جمع السلاح الذي قصد به التغبيش والتعمية وخلق حالة من عدم توازن القوى الذي بالضرورة يقود الى توليد واستدامة الصراع المسلح

الذي يعمق الأزمة هو غياب قيادات مجتمعية خلاقة لديها القدرة على الفعل والتأثير ، وغياب قيادة سياسية – على المستوى الولائي – قادرة على التواصل واحداث الإختراق .. في ظل العهد المنصرم نشأ تحالف طبقي يضم نخبة من ابناء هذه المكونات يجمعها المصير والمصالح المشتركة لذلك كانت تحافظ على التماسك الظاهري ، وقادرة على وأد اي تفاعلات للأحداث تقود للمواجهة المسلحة .

الإدارات الأهلية في حالة ضعف وهوان وغير قادرة على السيطرة ، من يقود الامور على الأرض حاليا قيادات وسيطة وشابة مدفوعة بالحمية والجهل ونوازع الإنتقام .. توسيع دائرة الصراع والقتل الممنهج والبشع يكشف عن غياب الحكمة والرحمة ونزعة الخير.

جميعنا مسؤولون عن هذه المأساة ، وعلينا أن نعمل بجد – كدعاة خير – للقضاء على الإنتماءات الضيقة والولاءات المنكفئة ، وان نشيع ثقافة السلام والتعايش الإيجابي (لما كانت الحروب تدور في عقول الرجال ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام) وعلينا أن نجيب على السؤال الصعيب كيف نتعامل بإيجابية مع قضية الارض والتعايش الإيجابي وقبول الآخر ؟
وقبل كل ذلك نحن بحاجة (لدولة) محترمة قادرة على التدخل السريع ، ووحدها تحتكر ادوات القمع والقوة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.