متى يتم رفع إسم السودان من قائمة الدول العشوائية وغير المنتجة
في بناء البشر
كتب: د. حيدر إبراهيم علي
.
الوضع السياسي الراهن أقرب إلى المشهد السريالي الذي يغيب فيه أي مكان للمعقول والمنطق، وبالتالي يصعب التحليل والتوقع تأتي التصريحات من كل جهة: البرهان، مناوي، جبريل إبراهيم، دقلو، إبراهيم الشيخ، وتحتل نظارات القبائل صفحات الإعلانات في الصحف، ويزور وفد الجبهة الثورية الشيخ الياقوت ويهدونه قلم توقيع اتفاق جوبا وفي نفس اليوم ترفض خلاوي شرق السودان بقيادة الشيخ علي بيتاي مسار الشرق ومع صفوف الخبز والوقود تقرع طبول الحرب ضد إثيوبيا وهناك عناصر تعمل بنشاط على ضرورة اندلاع القتال مع إثيوبيا لتأكيد دور الجيش السوداني في المعادلة السياسية، ومع السعي لعودة السودان إلى المجتمع الدولي تظهر أخبار القاعدة الروسية في وقت غير مناسب وعدم وجود حاجة لها، ولكنها محاولة لتعقيد الأوضاع وزيادة سريالية المشهد السياسي العجائبي.
تذكرت في عام 1955 شرعت جريدة (الأيام) في ترجمة كتاب للصحفي البريطاني أنتوني مان تحت عنوان (حيث ضحك القدر)Antony Maan: Where God Laughed.. London 1955 وكان قد غطى انتخابات عام 1954 وتجول في كل أنحاء البلاد وهذا الكتاب هو المصدر الوحيد الذي وجدت فيه نص بيان حزب تقدم السودان “للعم أزرق”. وأعطاه مان حيزاً كبيراً ليبين تناقضات المطالبين بالاستقلال، وتجدني هذه الأيام مع ذكرى الاستقلال 1956 هل حقيقة سخر القدر في السودان حين أتأمل الإنجاز الوطني بالذات في التنمية والسلام والوحدة الوطنية والدور الإقليمي، وتقرأ في الأخبار 40% من الصمغ العربي السوداني المصدر يهرب إلى خارج البلاد أين حرس الحدود؟ وروى لي أحد الأصدقاء أنه حضر مؤتمراً عن السمسم في الصين، وكانت إثيوبيا المنتج الأول وجاء السودان السادس عالمياً؟ ومع أزمة الكورونا والمشكلة المتعلقة بنقص الدواء تتراكم شحنات من الأدوية في مطار الخرطوم عرضة للتلف بسبب قصور قسم الإمدادات الطبية بوزارة الصحة وتقاعس الموردين، أما النظافة في العاصمة القومية فحدث ولا حرج وأظن أن السيد والي الخرطوم المدني يستمتع بمنظر النفايات صباح كل يوم حين يمر بسيارته من منزله إلى مقر عمله في الولاية ويشاهد هذا المنظر يومياً دون أن يحرك ساكناً. وجاء في الأخبار”إضراب عمال النظافة يدخل يومه الثاني!!” في مطلع الثمانينات كان كل مديري بلديات الدولة من السودانيين وهم الذين أسسوا هذه الإمارات التي نراها اليوم. فأين الأحياء من هؤلاء، ألا تحركهم نخوة وطنية حين يرون عاصمة بلادهم في هيئة (كوشة) مركزية.
يحتاج هذا الوطن إلى حرث من جديد وأن تقلب هذه التربة لكي نزرع من جديد ويشمل ذلك الحكام والمسؤولين أصحاب الهواتف المغلقة والأذن الصماء التي لا تسمح ولا تقرأ ولا تحترم شعبها الذي أوصلها إلى السلطة وتتجاهل كل صيحاته واحتجاجاته. ويشمل أغلب المواطنين اللامبالين مع ضعف شعور المواطنة وأن هذا الوطن ملكهم وعلى كل مواطن أن يحميه ويخدمه ويرفض كل أشكال التسيب والفساد الذي جعله الإسلامويون ملكاً طبيعياً وألا يحيي المواطن شعار “دار أبوك إن خربت…” فالمواطن العادي صار شريكاً في تطوير السوق الأسود واختفاء السلع، تصور أيها القارئ الكريم أن سعر الكمامة الواقية من الكورونا وصل سعرها في الأقاليم إلى 500 جنيه وتباع في الخرطوم بـ 50 جنيه فقط .
أخيراً تراجعت قيم العمل والإنتاج في كل القطاعات الاقتصادية وفي تقرير دولي يقول بأن السودان احتل المرتبة الأولى في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وغير منتجة ولا مستقلة. كذلك متوسط ساعات العمل كما أوردتها منظمة العمل الدولية (ILO) من أقل الساعات عالمياً.
في الختام رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لا يحل الأزمة لأنها تكمن في النخبة السودانية الأنانية والمواطن غير المنتج وضعيف الإحساس القومي، ومن المؤكد أن الديمقراطية ليست مجرد دستور دائم وانتخابات وبرلمان وصحافة حرة. الديمقراطية الحقيقية هي التضحية ونكران الذات في بناء الوطن كما فعل الألمان واليابانيون بعد الحرب العالمية والصينيون بعد حرب الأفيون.