قصتي مع (السوداني)!

مناظير

0 115

 بقلم:  زهير السراج 

* لا أدري لماذا يبكي البعض على حرية الصحافة بعد القرار الشجاع الذي اتخذته لجنة تفكيك النظام البائد بالتحفظ على أصول وممتلكات بعض الصحف وأجهزة الإعلام ومن بينها صحيفتا السوداني والرأي العام وقناة طيبة التي اعترف علي عثمان محمد طه بتمويلها من مال الشعب، وهو اعتراف كافٍ للحجز على أصولها وممتلكاتها، والاعتراف سيد الأدلة كما يقولون!

* لا أريد أن أتحدث في الجانب القانوني فله أهله وخبراؤه، ولكنني أقول للذين يذرفون دموع التماسيح على العدالة قادحين في القرار باعتبار أنه لم يصدر من جهة قانونية أو قضائية، أن القانون أعطى اللجنة حق التحفظ على الأصول والممتلكات، وقد حجزت اللجنة عليها، ولم تصادرها كما يزعم البعض، ويمكن للمتضرر أن يلجأ للقضاء لإلغائه!

* كما أن هنالك جانب مهم جداً هو أن المافيا البائدة كانت تحكم الدولة السودانية وكأنها عزبة مملوكة لها، لا تعطي أي اهتمام لتوثيق أعمال الدولة ولا تحتفظ بمستندات، وتتصرف في المال وكأنه ملك شخصي لها، وتُنشئ الشركات وتفتح الحسابات بأسماء أشخاص وتضع فيها أموال الدولة حتى تضيع معالمها ويصعب إثبات ملكيتها العامة وذلك بدعوى التمكين لدين الله، الذي كان المدخل الأول لفساد أفراد المافيا الذين انتقلوا من حياة الازقة والحوارى الى القصور والفلل والتطاول في البنيان بعد أن كانوا حفاة عراة لا يملكون شيئاً.. وهو وحده دليل كافٍ على فسادهم وإجرامهم، يجوز شرعاً وقانوناً الاستناد عليه لمحاكمتهم ومعاقبتهم، حتى لو لم يكن هنالك دليل آخر يعضده، كما يطالب البعض ويذرف الدموع على العدالة.. العدالة التي وأدوها، ووأدوا معها الفضيلة والأخلاق وكل القيم الجميلة، ولم يسلم حتى الدين الحنيف من فسادهم وجشعهم وجرائمهم !

* أحكي اليوم قصة قصيرة جداً لمن يتباكون على العدالة وحرية التعبير اللتين (قتلتهما لجنة تفكيك النظام البائد وإزالة التمكين)، كما يزعمون بالحجز على أصول بعض الصحف وأجهزة الإعلام وحرمانها من حق التعبير، ومنها صحيفة (السوداني) التي كنت شريكاً فيها وأحد أصحابها، وأُرغمتُ على بيع نصيبي فيها وإلا زُج بأحد أصحابها ومالكها الرئيسي الأستاذ محجوب عروة في السجن !

* القصة باختصار شديد .. أن الأستاذ (محجوب عروة) اقترح ــ استبشاراً بتوقيع اتفاقية السلام بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني (المحلول) وحدوث نوع من الانفراج في الحريات في عام 2005 ــ على بعض الكتاب والصحفيين إصدار صحيفة يومية باسم (السوداني) تكون شراكة بينهم، فاستجبت مع الزميلين عثمان ميرغني ومحمد لطيف للنداء رغم شح المال ومخاطر التجربة والعداء الشديد الذي كان يجده الأستاذ محجوب من بعض قادة النظام المتنفذين بالإضافة الى ما كان يتعرض اليه معظمنا من اعتقالات ومضايقات، وأسسنا جريدة (السوداني) التي صدرت في فبراير 2006 !

* انضم إلينا بعد وقت وجيز رجل الأعمال العصامي وعاشق الصحافة الأستاذ (كمال ساتي) وصرنا خمستنا أصحاب الصحيفة التي نجحت منذ اليوم الأول للصدور نجاحاً باهراً وحققت أعلى نسبة في الطباعة والتوزيع بسبب جرأتها في تناول القضايا وانتقادها الجريء للفساد والأخطاء، الأمر الذي جلب عليها سخط النظام الشديد وصنفتها لجنة الإعلام بحزب المؤتمر الوطني بالعدائية، وكانت لديهم ثلاثة تصنيفات للصحف، موالية، معارضة وعدائية، ومع تصنيف صحيفتنا بالعدائية بالإضافة الى العداء الشديد الذي يكنه بعض قادة النظام لمحجوب عروة كنا نتوقع تعرضها لهجمة في أي وقت، خاصة مع وجود سابقتين لمحجوب عروة في إغلاق صحيفته (السوداني الدولية) ومصادرة ممتلكاتها واعتقاله في بيوت الأشباح عدة أشهر، وإبعاده بشكل تعسفي ومصادرة ممتلكاته في صحيفة (الرأي العام) التي شملها القرار الأخير باعتبار أن المال الذي حازت بعض الجهات على الصحيفة مملوك للدولة!

* وكما توقعنا، انتهزت الحكومة فرصة تأخر شركة السوداني عن سداد قرض مصرفي (استخدم في شراء مطبعة)، وفرضت على الأستاذ محجوب الذي وقع على شيكات السداد باعتباره المدير العام للشركة، إما بيع الشركة أو الدخول الى السجن، كما فرضت عليه أن يبيع باقي المساهمين أسهمهم وإلا كانت النتيجة دخوله السجن أيضاً، وهنا جرت مساومتنا على حقوقنا وأُرغمنا على بيعها بثمن بخس مقابل حرية الأستاذ محجوب، وكان لا بد أن نوافق، ورغم أنهم سمحوا لنا بالكتابة في الصحيفة بعض الوقت إلا أنهم خانوا عهدهم والعقد الذي وقعوه معنا وفصلونا فيما بعد.. فأين كانت العدالة وحرية التعبير وقتذاك، وفيما التباكي الآن على صحيفة اُغتصبت من أصحابها عنوة وتم شراؤها من مال الشعب؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.