زيارة الرئيس السيسي!

0 69
.

* تستقبل البلاد اليوم الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي)، وبدءا نرحب به في السودان ونشكره على الزيارة التي نتمنى ان يكون فيها كل الخير للبلدين، خاصة مع المصالح الكثيرة المشتركة التي تربط بينهما بدءا بنهر النيل مصدر الحياة للبلدين، والجيرة والحدود المشتركة والعلاقات الشعبية  التي لا يمكن لأى نظام سياسي في البلدين أن يمنعها أو يقطعها او يتحكم فيها مهما ساءت العلاقات الرسمية، ولا بد ان نعترف بأن مصر ظلت البلد الاول الذى يلجأ إليه الشعب السوداني لقضاء الكثير من حاجاته، وهو أمر لا يمكن لأى سوداني أن ينكره، مهما كان رأيه سالبا في مصر والمصريين!

* وبصراحة فإن للكثير من السودانيين نظرة سالبة تجاه مصر والمصريين وحساسية شديدة قد تصل درجة الكراهية لدى البعض، ولقد تناولت هذا الموضوع كثيرا في كتاباتي، آخرها قبل بضعة ايام عند استعار حملة سودانية شرسة على مصر في الوسائط بسبب ما راج عن استيرادها لبعض المنتجات الزراعية السودانية بعملة سودانية مزيفة واعادة تصديرها على انها مصرية ..إلخ، وقد تكون زيارة الرئيس السيسي فرصة مناسبة للحديث عن هذه الحساسية ومسبباتها مرة أخرى وعلى رأسها الاحتلال المصري لمثلث حلايب !

في الحقيقة، فإن هذه الحساسية قديمة العهد وليست وليدة الاحتلال المصري لحلايب، ولكنها تعود الى الربع الاول من القرن التاسع عشر وحملات خديوي مصر (محمد على باشا) لغزو السودان من اجل الحصول على الذهب و(العبيد) وحقبة الاستعمار التركي (المصري) وقسوته الشديدة في معاملة السودانيين خاصة في جبى الضرائب، مما قاد الى حرب التحرير التي خاضها السودانيون ضد الاتراك (المصريين) بقيادة محمد احمد المهدى وتأسيس الدولة المهدية التي استمرت اربعة عشر عاما!

* اعقب ذلك الغزو المصري البريطاني المشترك بقيادة سردار الجيش المصري الجنرال (هيربرت كتشنر) في عام 1899، الذى انهى دولة المهدية وأسس لحقبة استعمارية جديدة للسودان استمرت حتى عام 1956، لعب خلالها البريطانيون دورا في تأجيج مشاعر الكراهية ضد مصر، خاصة في نفوس الطائفة الانصارية التي وقفت بحزم ضد الوحدة مع مصر التي كان يسعى إليها الاتحاديون بدعم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الى ان اتفق الجميع في آخر الأمر على الاستقلال الكامل للسودان الذى لا يزال عدد كبير من المصريين لا يعترف به حتى اليوم بعد مرور اكثر من 65 عاما، ويجاهرون بذلك في الصحف واجهزة الاعلام واحاديثهم اليومية، وهو احد مسببات الحساسية لدى السودانيين !

* وجاءت  أزمة (حلايب) في عام 1958 لتزيد الامر سوءا وكادت تفضى الى حرب بين الدولتين آنذاك لولا انسحاب القوات المصرية الذى احدث نوعا من الراحة والهدوء المؤقت، الى ان احتلتها مصر في عام 1995 وضمتها إليها لاحقا كرد فعل مباشر لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري (حسنى مبارك) في أديس ابابا بتخطيط من حكومة الخرطوم، ومنذ ذلك الوقت ظلت (حلايب) مصدراً دائما لحساسية الشعب السوداني ضد مصر، ولو لم تضع مصر حدا لها، فإن أي حديث عن تعاون وعلاقات مشتركة سيظل نوعا من (الاستهبال والإستكراد) في الأذن السودانية!

* كما ان حالة الاستعلاء المصري سواء من خلال اجهزة الاعلام والدراما المصرية التي ظلت ردحا طويلا من الزمن تصور السودانيين على أنهم مجرد (بوابين) فقط ولا يصلحون لشيء آخر وتسخر منهم، او من خلال التعامل المباشر، لعبت دورا عظيما في تفاقم الحساسية السودانية !

* وهنالك الآن الاعتقاد السائد حاليا في الاوساط  الشعبية السودانية عن دعم النظام المصري للعسكريين على حساب قيام نظام حكم مدنى ديمقراطي في السودان بالتآمر مع السعودية والأمارات !

* هذه بعض الاسباب، ولكن تأتي أزمة حلايب في المقدمة، ولو لم تتنازل مصر عن استعلائها ورفضها للتعامل مع السودان لحل الازمة سواء بالتفاوض المباشر كما فعلت مع السعودية في قضية (تيران وصنافير)، او اللجوء للتحكيم الدولي كما فعلت مع اسرائيل في قضية (طابا)، فلن تجدى أحاديث العواطف والزيارات في تغيير نظرة السودان والسودانيين السالبة تجاه مصر .. أم ان السودان في نظر مصر لا يستحق سوى التجاهل والاستعلاء؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.