شمارات قصر بكنقهام

0 106
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
بعد مشاهدتي لقاء الأمير هاري أوف ولز وميغان ميركل أوف سسيكس التلفزيوني ذائع الصيت قلت خبر الملكية البريطانية شايلاتنو العوين. وهذا على غرار ما نقول في بلدنا عن ذيوع خبر أحدنا: “خبرك شايلاتنو البداليات”. والبداليات هن نساء البدو حين ينزلن مع قومهن على قرى الشمالية. فيطفن بالبيوت يقايضن سمن البادية ولبنها بعيش القرى وبلحها. ويُذِعن في جولتهن ما يصادفهن من خبر من باب لباب.
ليست هذه مرة قصر بكنقهام الأولى يروج خبره العصيب من نسائه. والوافدات منهن على وجه الخصوص. نذكر بالطبع الأميرة دايان وإلى حد ما كاميلا باركر خليلة الأمير تشارلس. وشيل النساء خبر القصر قديم حتى حين كانت الملكية الإنجليزية بخير وصحة وعافية لا كما الآن دستورية رمزية حتى صارت “أحوالها الشخصية” هي خبرها الفاقع.
علقت بذاكرتي واقعتان في تاريخ الملكية الإنجليزية كان لنساء غير ملكيات دور أساسي في تحولات ذات خطر أو أهمية في السياسة البريطانية وثقافتها. ففي الواقعة الأولى تحولت إنجلترا من الكاثوليكية إلى البروتستنتية الأنغليكانية. وفي الواقعة الثانية ضحى ملك بالعرش من فرط الحب.
كان اسم سيدة واقعة تحول إنجلترا إلى البروتستنتية هي آن بولين. فقد تعلق بها الملك هنري الثامن وأراد الزواج منها ولكن وقف بابا روما الكاثوليكية دونه. والسبب أن الملك كان متزوجاً من كاثرين أوف أوريقون بنت ملك أوريقون (شمال شرقي أسبانيا). وكانت في الثالثة من العمر حين خطبها آرثر أمير ويلز وأخ هنرى الأكبر وولي العهد. وتزوجا في ١٥٠١. وتوفي آرثر بعد خمسة شهور من ذلك. فعينوها سفيرة لأوريقون في بلاط ملك إنجلترا. وتعد بذلك أول سفيرة أنثي في أوربا. فتزوجها هنري عاقباً أخاه في ١٥٠٨.
ولم تنجب كاثرين ولداً يرث العرش بعده وإن جاءته ببنت هي ميري. ولما لم تكن المرأة ممن تورث العرش انزعج الملك وفكر في زواج يأتيه بالوليد “يشيلو يشمو”. فوقع في حب آن بولين. ولما كان زواجه من كاثرين كاثوليكاً طلب هنري من البابا فسخه. فرفض البابا. فخرج الملك عليه وأعلن نفسه السلطة العليا على الشأن الديني. وفي ذلك المنعطف تحولت كنيسة انجلترا عن الكاثوليكية الى البروتستانتية الأنجليكانية إلى يومنا. وفسخ قساوسة إنجليز الزواج من كاثرين بلا اعتبار للبابا. ورفضت كاثرين أن تعترف لهنري بالسلطان على الدين وأصرت على أنها الزوجة الشرعية لملكة إنجلترا حتى أبعدها من القصر.
ولم يمر انقلاب هنري على البابا باعتراضات من وجوه القوم فحسب بل وبثورات واجهها هنري بالحديد والنار. وأنفق خمس سنوات يصادر أرض الأديرة الكاثوليكية. ووزع ما حصده منها على سكان مناطق تلك الأديرة وعلى الحرب. ولم تحصل كنيسة إنجلترا على شيء منه. واعتبر المؤرخون حل الأديرة وما جرى مجراها إصلاحاً دينياً كبيراً. ومهما يكن فبموت هنري الثامن ورثت العرش ابنته ماري الأولى ملكة إنجلترا.
أما المرأة الثانية لامرأة وافدة للقصر بشماراتها فهي والس ورفيلد سمبسون الأمريكية من مواليد ولاية بنسلفانيا. وتسببت في أول تنح لملك إنجليزي من أجل الحب عن العرش في ١٩٣٦. والملك هو إدوارد الثامن الذي لم يبق في العرش لأكثر من عام. فظل إدوارد عازباً مطلوقاً في مجتمع الذوات حتى سن الأربعين حين وقع في حب والس التي كانت تقيم مع زوجها رجل الأعمال الأمريكي البريطاني بقرب لندن. ولم يتمكن إدوارد من اطلاع والده على نية الزواج حتى وفاته. وصعد العرش وسعد الناس لمقدمه. ثم تفجر خبر علاقته مع والس في الصحف الأمريكية والأوربية. فطلبت والس الطلاق من زوجها للزواج من إدوارد. ووقفت الكنيسة وجماعة من السياسيين دون إتمام ذلك الزواج الملكي. فوالس ليست أجنبية فحسب بل كانت مزاوجة لها طلقتان في حسابها. وممن لم يعترض على زواجه من ساسة إنجلترا في زمنها كان ونستون تشرشل. والتمس الملك، الذي لم يستجب لضغط ترك الفكرة، أن يتزوج من والس شريطة إلا يترتب على ذلك أي حقوق لها منه. وتفجر الخبر في الصحف الإنجليزية. وتنحى الملك وقبل البرلمان منه ذلك. وقال في خطاب التنحي: “أجد من المستحيل حمل ثقل مسؤولية تصريف المُلك كما أرغب بغير عون المرأة التي أحب”.
ومن طريف ما يروي عن إدوارد خلال اقامته في فرنسا أن النازية خططت خلال الحرب ان تختطفه وتعينه ملكاً صورياً لإنجلترا. وكان قد ترك فرنسا إلى اسبانيا حين سقطت فرنسا بيد النازيين. ولم يطمئن تشرشل خلال حربه لألمانيا للملك لأن النازية كانت كرمته أول ظهورها والتقي حتى بهتلر. ومع أن تشرشل لم يكن يعلم بالخطة النازية لخطف إدوارد إلا أنه قرر أن يبعده من الساحة الأوربية. فعينه حاكما علي جزر الباهامز من جزر الهند الغربية.
بدا لي أن خلو مؤسسة الملكية الدستورية من المعنى سوى الرمز هو الذي أحوجها وجودياً إلى خبر أحوالها الشخصية مرة بعد مرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.