في ذكري 6 أبريل: مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها
كتب: تاج السر عثمان بابو
.
تهل علينا الذكري ال36 لانتفاضة مارس – ابريل 1985م ، و الذكري الثانية لملحمة الاعتصام حول القيادة العامة الذي كان قمة المد الجماهيري لثورة ديسمبر 2018 ، والسودان يمر بالآوضاع نفسها التي فجرت انتفاضة أبريل 1985 ، وثورة ديسمبر 2018.
انهت انتفاضة 26 مارس – 6 أبريل 1985 ديكتاتورية مايو التي جثمت علي صدر شعبنا لمدة 16 عاما، مارست فيها شتي صنوف القهر والنهب لخيرات البلاد، والتفريط في السيادة الوطنية، وتراكمت المقاومة الجماهيرية والعسكرية حتى تمّ تتويجها بتكوين التجمع الوطني والنقابي وانفجار المظاهرات الجماهيرية في 26 مارس 1985 ، وإعلان الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي انهي حكم النميري بعد تدخل القيادة العامة للجيش التي قطعت مسار الثورة في الوصول لأهدافها النهائية في التصفية الكاملة للنظام وقوانينه القمعية. جاء ذلك بعد تفاقم أزمة النظام وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي التي تم بموجبها التخفيض المتواصل للجنية السوداني ، مما أدي للمزيد من الغلاء والافقار للجماهير ،وتم خرق العهود والمواثيق بانقلاب نميري علي دستور 1973م وتمزيق اتفاقية اديس ابابا التي اوقفت الحرب لمدة عشر سنوات، مما ادي لاشتعال الحرب مجددا في العام 1983 وبشكل اعنف واوسع من الماضي، ومما زاد اشتعال النيران اعلان قوانين سبتمبر 1983م التي خلقت جوا من الارهاب والفتنة الدينية باسم الاسلام، وإعدام الشهيد محمود محمد طه، في ظروف كانت فيه البلاد في حالة بؤس وفقر ومعيشة ضنكا ومجاعة بسبب الجفاف والتصحر الذي اجتاح البلاد، وكان الهدف ارهاب الحركة الجماهيرية التي تنامت واتسعت باضرابات الأطباء والقضاء والمعلمين والفنيين وعمال السكة الحديد، باستخدام سلاح الدين. كما فرط نظام نميري في استقلال البلاد وفتح الباب علي مصراعيه أمام اكبر هجمة للمؤسسات الرأسمالية الدولية مثل: صندوق النقد الدولي وتوابعه من الصناديق البترولية، كما فتحها أمام السماسرة واللصوص في أكبر عملية نهب شهدتها البلاد، وكانت حصيلتها تدمير الاقتصاد السوداني ، كما تم تدمير البيئة من خلال السياسات غير المدروسة للتوسع في الزراعة الآلية مما أدي للجفاف والتصحر والمجاعات، اضافة لديون خارجية بلغت 9 مليار دولار عندما اندلعت الانتفاضة. كما شهدت البلاد اكبر عملية تهريب للفائض الاقتصادي ( بلغ متوسط حجم روؤس الأموال التي تم تهريبها للخارج 15 مليار دولار ) لحظة اندلاع الانتفاضة، والتي هربتها البنوك المحلية والأجنبية، كما فقدت البلاد سيادتها الوطنية واشترك السودان مع أمريكا في مناورات النجم الساطع ، وشارك رموز النظام في عملية ترحيل اليهود الفلاشا الي اسرائيل، مع اتهامات بدفن النفايات النووية، كما دمر النظام الانتاج الزراعي والصناعي، وخلق شريحة رأسمالية طفيلية من المدنيين والعسكريين والتي راكمت ثرواتها من النشاط في القطاعات غير المنتجة.
كان من أهم دروس الانتفاضة : ضرورة حماية ومواصلة الانتفاضة حتي تحقيق اهدافها، وتصفية آثار النظام القديم والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، واسترداد اموال الشعب المنهوبة ومحاسبة المفسدين والذين اجرموا في حق الشعب السوداني، وتحقيق الديمقراطية والحل الشامل والعادل لمشاكل البلاد.
2
جاءت ثورة ديسمبر 2018 تتويجا لنضال طويل خاضه الشعب السوداني ، ضد ديكتاتورية الإسلامويين الدموية التي قمعت المعارضة السياسية والنقابية بالتعذيب الوحشي والاعتقالات ، وتشريد 350 الف من أعمالهم ،ونهبت ثروات البلاد لمصلحة الطفيلية الإسلاموية، وطغت في البلاد فأكثرت فيها الفساد، حتى بلغت ديون السودان الخارجية 60 مليار دولار، وكانت مصادر النهب وتركيز الثروة من صول القطاع العام ، ونهب مدخرات المواطنين بعد اصدارقانون النظام المصرفي لعام 1991م، والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني وامتصاص الفائض، واجراءات تبديل العملة وانتهاك قانون واعراف سرية النظام المصرفي وكشف القدرات المالية لكبار رجال الاعمال امام تجار الجبهة الاسلامية ، اضافة لتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية، والمضاربة في العقارات والاراضي والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية واستيلاء شركات ومؤسسات الجبهة الاسلامية علي مؤسسات تسويق الماشية، وعائدات الذهب والبترول التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار ، والتعليم والصحة ( استثمارات د. مامون حميدة) والذين اصبحا سلعة ومصدرا من مصادر التراكم الرأسمالي. بالتالي من المهم بعد الثورة استعادة تلك الأموال المنهوبة وتفكيك التمكين. هذا اضافة للخضوع لأملاءات صندوق النقد الدولي بالسير في سياسة التحرير الاقتصادي وتخفيض العملة ، مما أدي لازمة اقتصادية عميقة وتدهور في الأوضاع المعيشية.
اضافة لتمزيق وحدة البلاد بانفصال الجنوب نتيجة للاستعلاء العنصري والديني، والتطهير العرقي بتحويل حرب الجنوب الي دينية ، وتكوين قوات الجنجويد التي تحولت للدعم السريع ، وممارسة ابشع عمليات التطهير العرقي في جبال النوبا ، وجنوب النيل الازرق، وفي دارفور التي بلغ ضحاياها 500 الف مواطن ، وتشريد 3 مليون من قراهم ، حتى أصبح البشير مطلوبا ومتهما بارتكاب تطهير عرقي في دارفور، وحرق القري وجريمة الاغتصاب بعد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
كما فقد السودان سيادته الوطنية بالدوران في فلك الأحلاف العسكرية الخارجية، والمشاركة في حلف اليمن، وارسال الشباب لمحرقة الحرب في اليمن، واسلوب المراوغة ونقض العهود والمواثيق، بتوقيع الاتفاقات ، وعدم تنفيذها (نيفاشا، القاهرة، ابوجا، الشرق، ..الخ) التي تحولت الي محاصصات وفاقمت الأزمة والحروب.
كانت ملحمة الاعتصام في 6 أبريل تتويجا لنضال الجماهير ضد تسلط الإسلامويين ،وارتفعت شعارات ” حرية – سلام وعدالة – الثورة خيار الشعب ” ، كما أكدت علي وحدة السودانيين، ورفض الخطاب العنصري كما في شعار ” يا العنصري المغرور كل البلد دارفور “، ” من كاودا لأم درمان ، كل البلد سودان” ، وارتفعت رايات الوطنية السودانية ، ورفض سياسة “فرق تسد ” التي حاول بها النظام الإسلاموي العنصري الدموي ل 30 عاما تدمير النسيج القبلي والحزبي والاجتماعي في السودان، وأكد ت علي وحدة وتنوع السودان غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة ، وضرورة التعبير عن ذلك في دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع.
كانت ملحمة الاعتصام أمام القيادة العامة تعبيرا عن وحدة وتلاحم وتضامن السودانيين غض النظر عن الدين أو العرق أو اللون، أو اللغة أو الثقافة أو المعتقد السياسي والفكري، وصورة مصغرة لوحدة السودان من خلال تنوعه ، ولكن قوي الشر في اللجنة الأمنية للنظام البائد فضته في أكبر مجزرة ضد الانسانية ، تتطلب الاسراع في التقصي والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، وكانت مجزرة فض الاعتصام انقلابا دمويا علي الثورة، و تعبيرا عن استمرار مجازر الإبادة الجماعية وضد الانسانية في دارفور والمنطقتين ، وما جري فيها من حرق وقتل ونهب الممتلكات، وتعذيب وحشي للشباب ، واغتصاب للشابات ، ورمي الشباب وهم أحياء مثقلين بحجارة اسمنتية في نهر النيل ، راح ضحيتها حسب تقريرصادر من البنتاغون 1800 قتيل ، و470 أُعدموا، وتم تنفيذ ذلك بقوة تقدر ب 15 الف .
3
وأخيرا في ذكري انتفاضة مارس- أبريل 1985 وملحمة الاعتصام في 6 أبريل 2019، ضرورة قيام أوسع اصطفاف لقوي الثورة من أجل استمرار الثورة ، واسقاط حكم العسكر وقوي ” الهبوط الناعم” التي اختطفت الثورة لمصلحة استمرار سياسات النظام البائد الاقتصادية والقمعية والتفريط في السيادة الوطنية، وعقد الاتفاقات الجزئية التي تعيد إنتاج الحرب، وانعدام الأمن، وعودة مناهج التعليم للنظام البائد، والمحاولات البائسة لعودة قانون النظام العام لجلد الفتيات من المهم الوحدة من أجل :
– قيام الحكم المدني الديمقراطي ودولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة أو المعتقد السياسي.
– الاسراع في القصاص للشهداء في مجزرة فض الاعتصام وبقية الجرائم ضد الانسانية وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية.
– حل كل المليشيات من دعم سريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات، وقيام جيش قومي مهني موحد .
– إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وإجازة قانون النقابات الذي يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وقيام المجلس التشريعي الذي يعبر عن الثورة والمفوضيات.
– الاسراع في تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وعودة شركات الذهب والبترول والدعم السريع والأمن والجيش والمحاصيل النقدية والاتصالات والماشية لولاية المالية، وعدم الخضوع لاملاءات صندوق النقد الدولي ، وتحسين المعيشة وزيادة الأجور مع تركيز الأسعار بعد التخفيض الكبير في الجنية السوداني باسم التعويم أكثر من 600%، وتوفير الدولة للاحتياجات الأساسية من: تعليم وصحة ودواء وماء وكهرباء، الخ.
– السيادة الوطنية وإلغاء كل اتفاقات القواعد الروسية والأمريكية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، والانسحاب من حلف اليمن ، وعودة أراضي السودان المحتلة ( حلايب، شلاتين ، الفشقة. الخ)، وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم .
– الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة بعيدا عن المحاصصات والنزعات العنصرية المدمرة للبلاد، وعودة النازحين لقراهم ، وإعاد تأهيل واعمار مناطقهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، والتنمية المتوازنة.
– قيام المؤتمر الدستوري نهاية الفترة الانتقالية ، الذي يقرر كيف تحكم البلاد؟ ، ويضع الإطار لدستور ديمقراطي بمشاركة الجميع ، وقانون انتخابات ديمقراطي ولجنة انتخابات مستقلة تضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.