السودان ينتظر محطة العبور

0 67

كتب: فهد ديباجي

.

ما زال الكثير من السودانيين يأملون خيرا بما حدث ويحدث من حراك داخلي بعد الثورة على نظام البشير.

 

فرغم أهمية هذا الحراك، إلا أنه ليس “مصباح علاء الدين” الذي لبّى كل أمنيات السودانيين بشكل مباشر وعاجل إلى الأفضل؛ لأن الأرقام تبين أن الحكومة متعثرة، فهناك 47% من السكان فقط يمكنهم الوصول للكهرباء، ونسب الفقر والبطالة مرتفعة وتتزايد، والأمان للأفراد يقل، ووضع اقتصادي مختل أسهم بدرجة كبيرة في تأزيم الوضع في كل المجالات.

 

لعل ذلك يراه البعض أمراً طبيعياً وجزءاً من تحديات الانتقال الديمقراطي في السودان الذي ظل لعقود طويلة تحت وطأة سياسة وقوى داخلية تميل إلى مصالح خاصة، ضلت طريق التوازن لصالح مجموعات وفئات اجتماعية بعينها، حيث اعتمدت هذه الفئات على الدولة بشكل أساسي في تحصيل امتيازاتها، كما عجزت هذه الفئات عن تقديم مصالح الدولة على مصالحها الاقتصادية والسياسية الخاصة؛ لاعتمادها على فكر إقصائي عنيف لا يحتمل الاختلاف، ولا يرى في الآخر سوى عضو خبيث يستوجب البتر، وتجربة قاسية وأزمة عميقة استمرت لثلاثة عقود، ما أنتج الوضع المختل والمتردي، والتفاوت الكبير بين الفئات الاجتماعية المختلفة وهشاشة الدولة، ونزاعات في مختلف مناطق البلاد، دفعت عدداً من المواطنين لحمل السلاح في وجه الدولة المخطوفة، وصار في البلاد عدد كبير من حركات التمرد التي تسعى لتقويض الدولة بالكامل بلا هوادة.

 

الآن فرصة ماثلة أمام الجميع في “السودان الفريد” للخروج من النفق، وللالتفات إلى قضايا الوطن الأساسية وهموم وتطلعات الناس، ولتحقيق مطالب الثورة في الحرية والسلام والعدالة، عبر احتضان كل القوى للانتقال من حكومة الطوارئ نحو المصالحة وإكمال السلام الشامل لإنتاج حكومة منتخبة، وهو ما يحدث تماماً في إعلان اتفاق المبادئ مع الحركة الشعبية، أما على الصعيد “الاقتصادي” ليس سراً أن الاقتصاد السوداني منهار تماماً، ومن دون إصلاحات هيكلية واسعة وسريعة، فهو لن يستطيع الاستفادة من الكثير من الفرص التي ستتاح أمامه، ولكي “ينهض” يحتاج بشكل عاجل إلى تأهيل بيئة الاستثمار، وتطوير القطاع الخاص، والتعاملات الإلكترونية على مستوى الدولة، فهو التحدي الحقيقي أمام الكثير من الاستثمارات وأمام التنمية المرجوة، ثم بإصلاح النظام المصرفي؛ فمن دونه سيواجه السودان صعوبات حقيقية في جذب الاستثمارات وفي توسيع التبادلات التجارية مع العالم، وعليه أن يدرك أنه الدولة العربية الأولى المناسبة للاستثمار في الأمن الغذائي قبل فوات الأوان؛ حتى يتسنى له المساهمة والانتقال إلى بداية عهد وفكر جديد لبناء دولة المؤسسات بعيداً عن العشوائية والارتجالية.

 

يبدو لي أن هناك رغبة دولية وقبولا في مساعدة السودانيين على عبور الفترة الانتقالية، وقد بدأت من صندوق النقد الدولي الذي قد يُخفض الديون إلى نحو 8 مليارات دولار بموجب برامج تخفيف أعباء الديون، وعبرت عنه عدة دول، خاصة الخليجية التي تكن له الحب والاحترام والتقدير، فهذا (التجاوب) يأتي رغبة منها في مساعدة الحكومة الانتقالية على تجاوز الصعوبات؛ للوصول إلى مرحلة الانتخابات والاستقرار، فالسودان كان وما زال بلد الفرص الواعدة الضائعة، ويمكنه الآن تغيير هذه المعادلة إذا أدركت كل المكونات واجباتها تجاه الوطن، وتخلت عن أوهام المناطقية وحب السلطة والتفرد بالمشهد، فهذه الصراعات الداخلية لا تهدد الفترة الانتقالية، بل تهدد بتبديد أهم مرحلة وفرصة تلوح للسودان لإنعاشه من جديد، والاستفادة من الرغبة الدولية في توسيع التعاون والوقوف معه، فالعالم ينتظر السودان القوي المتعمد على نفسه أولا، وإذا لم يدرك السودانيون من أنفسهم أهمية هذه اللحظة الحاسمة والمفصلية، عندها لن يصلوا إلى محطة العبور، والخروج من المآسي الكثيرة الحاصلة، والشعب الذي انتقل من مرحلة القهر إلى مرحلة الصبر “لن يصبر كثيراً”، ما لم يجد عملاً مبذولاً وصراحةً وشفافيةً ووضوحاً وصورةً ذهنيةً واقعيةً تُقنعه بالاستمرار في الصبر؛ لأنهم لن يقبلوا بالوجع مرتين، والمضي في طريق قاتم مرة أخرى ما لم يملكوا قيمة رغيف الخبز والدواء، ويستمتعوا بالأمن والطمأنينة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.