الحكم المدني كي فوق فكك

0 57

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

لم نتأخر في مطلبنا للحكم المدني منذ 1964 في استنقاذ العسكريين من أنفسهم. فرتبنا لهم في 1964 مؤتمراً للمائدة المستديرة لمناقشة مسألة الجنوب وحلها سلمياً بديلاً عن الحرب مع الأنانيا، الجناح العسكري للقوميين الجنوبيين. وهي حرب أعيت النظام العسكري فاضطر لاتخاذ إجراءات سياسية وثقافية مثل سودنة الكنائس في الجنوب جلبت له مذمة العالم القوى. وأفسد المتطرفون الجنوبيون (اقري جادين) الأمر، فرفضوا المؤتمر، وواصلوا الحرب. فرجحت كفة الجيش من جديد. ولكن ما أنجزه المؤتمر هو ما انبنت عيه اتفاقية أديس ابابا في 1972 للسلام في الجنوب.

وعدنا بثورة إبريل 1985 إلى استنقاذ العسكريين من أنفسهم. فتفاقمت الحرب في الجنوب بقيادة الحركة الشعبية في 1983 واثقلت على الدولة. ورتبنا بعد الثورة لقيام مؤتمر دستوري يضع حداً للقتال في الجنوب. وخذلتنا عسكرية الحكومة وعسكرية الحركة الشعبية. فاستولى المجلس العسكري على زمام الأمور ليبني مستقلاً تحالفاً محافظا مع الإسلاميين. وساء الأمر باعتزال الحركة الشعبية الثورة بقول واه. وكان المنتظر أن يلقوا، كمدنيين اضطروا لحمل السلاح اضطرارا، بثقلهم معها فترجح موازينها بوجه المجلس العسكري. وزادوا الطين بلة بمواصلتهم الحرب مما مكن للمجلس العسكري وحلفائه الإسلاميين الصقور. وحاولنا كمدنيين استدراك الأمر مع قيادة الجيش في 1989 بترتيب للبيت السياسي بحكومة للوحدة الوطنية استبعدنا فيها الإسلاميين، وأكدنا على توفير عدة الحرب للجيش، وقيام المؤتمر الدستوري باتفاق مع الحركة الشعبية. وأجهض المشروع انقلاب قيادة وعسكري الإسلاميين كما هو معروف.

ومع ذلك صدق قرنق في واحدة وهي أن انقلاب المشير “مايو تو” إلا أنه ارتكب من التكتيكات العنجهية ما حقق للانقلاب غايته وصولاً لانقلاب ١٩٨٩ كما تقدم. ولا غلاط أن مسلحين مثل عبد الواحد نور ومحمد جلال هاشم يعيدون خطأ قرنق الذي لا يغتفر: صحة تشخيصهم لانقلاب ١١ إبريل ك “إنقاذ تو” وضلالهم التكتيكي بعد ذلك. فليس الانقلاب داخل الثورة مكوناً من مكونات الثورة. إنه استدراك لانقلاب قصر يغير وجوه الحكم الإنقاذي لا الحكم نفسه. وتأخر جداً لأنه لم يجد أحد من العسكريين الشجاعة للقيام به في توقيته الخاص.

مدنية الحكم ليست ثأراً من العسكرية السودانية كما يصورها بعضهم والفلول. فالعسكريون طرف أصيل ومتضرر من عسكرية الحكم التي طالت. فنحن لا نريد منهم سوى رد الأمر إلى نصابه لأنهم ذاقوا، وما يزالون، مغبة أن يكون الأمر بيدهم. يكفي أن القوات المسلحة، التي لها احتكار حمل السلاح حصرياً في الدولة، قد تفرقت شيعاً أشفقت العالمين علينا. ونبت صبار السلاح في الساحة الخضراء والحديقة الدولية واللجنة الأولمبية.، والعين تعاين. إننا لا نأخذ من هذه العسكرية إلا ما هو استحقاقنا نزعوه منا ولم يحسنوا إليه. ولم نكف نطلب منهم العودة إلى الثكنات التي ينتظرهم فيها شغل قاس في لم شعث العسكرية السودانية واسترداد مفقودات الوطن. وخدمتهم في هذا السبيل فوق عينا وراسنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.