مؤتمر باريس.. جاري الشحن!
كتب: عثمان ميرغنى
.
يوم عرس دولي حقيقي للسودان أمس في باريس، بداية قوية واهتمام عالمي لم يسبق له مثيل بعودة السودان للأسرة الدولية، و وعود من مختلف الدول الدائنة للسودان بإعفاء كامل لهذه الديون التي أثقلت كاهل الشعب السوداني وعطلت قدرته على الانطلاق.
الوجه الأجمل لهذه الصورة أن الدول التي تقف خلف السودان بقوة تمثل القائمة الأقوى اقتصادياً وسياسياً، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، السويد، ايرلندا، النرويج التي دفعت القروض التجسيرية، ودول أخرى كثيرة ساهمت.. ولكن قبلها كلها منظومة الخليج السعودية والامارات، وقبلهم الشقيقة مصر بالطبع. ومع ذلك يجب الانتباه..
هذا الوضع على ما فيه من وجه متفائل مشرق لكنه لا يمثل أكثر من منصة الانطلاق، فالحكمة المعروفة تقول (يمكنك أن تأخذ الحصان إلى النهر لكن لا يمكنك أن تجبره على شرب الماء).. فالمجتمع الدولي لم يألو جهدا في اعادة ترميم مقعد السودان بسرعة وفعالية، لكن أن يستثمر السودان ذلك في صناعة نهضة يتوقف تماماً علينا نحن هنا في كل جغرافية السودان.
المطلوب داخلياً عمل كبيراً وعاجل لا ينتظر، فالطريق مفتوح الآن للسير بكل قوة وسرعة لكن المنهج الذي تدار به الدولة حالياً لا يصلح لتحقيق أمنيات الشعب السوداني في رؤية وطن مزدهر بأعجل ما تيسر.. المجتمع الدولي عامل مساعد لكن العمل الحقيقي يجب أن تنهض به الدولة والشعب السوداني الآن.
مطلوب تصميم خارطة طريق نحو مستقبل مشرق، بالتحديد رؤية وطنية تنجب خطة استراتيجية رشيدة، تصبح ملتقى السودانيين مهما كانت اختلافاتهم.. فلنختلف حول كل شيء إلا ما هو مطلوب من عمل لصناعة النهضة السودانية..
مطلوب صناعة وحدة وطنية وتوافق حول المصالح، و في ظل خطة استراتيجية واضحة تصبح العلاقة بين الحكومة والشعب محكومة بالأداء والانجاز فقط، لن يحتاج سوداني أن يسأل عن بطاقة الحاكم، من أين حزب أو قبيلة أو دين أو عنصر، فالعلاقة التعاقدية قائمة على المصلحة المتفق عليها سلفا في ثنايا الخطة الاستراتيجية..
ولا يتحقق ذلك إلا ببناء مؤسسات الدولة لتصبح “مؤسسات” حقيقية لا صورية، فواحد من أكبر أخطاء النظام السابق أنه ظل يجعل خلف كل مؤسسة شبح يديرها من وراء الكواليس، فتبدو مجرد لافتات تؤذي الدولة مرتين، الأولى بتغييب المؤسسة والثانية بخداع الشعب أن (تحت القبة فكي)..
الآن مؤتمر باريس يمنح السودان كرة في منطقة “خط ستة” أمام مرمى خالي، وسيكون معجزة أن نركلها خارج المرمى!
لنبدأ من اليوم، بناء دولة السودان الحديثة، فلا وقت لنا.. الفريق المهزوم عشرة-صفر لا يخلع هدافه القميص ويجري نحو المدرجات لتحية الجمهور بعد احراز الهدف، لأن زمن المباراة محسوب، ليس أمام الهداف الا أن يحمل الكرة من الشبكة ويجري بها سريعا لدائرة المنتصف..
دعونا نبدأ صفحة جديدة..