بين الإقالة والاستقالة

0 72
كتب: طلحة جبريل موسى
.
ظني أن أصعب قرار يمكن أن يتخذه أي شخص هو الاستقالة، وأكثر القرارات إهانة هي الإقالة. الإقالة سهلة لأنها قرار يتخذه الرئيس تجاه مرؤوسيه، لكن صعوبة الاستقالة إنها تقلب الهرم، فهي قرار من المرؤوس تجاه رئيسه.
على الصعيد الشخصي، شاءت الظروف أن أغادر موقعي بالإقالة عدة مرات أصبحت خارج العد، في حين غادرت مرتين فقط بالتراضي، لا إقالة أو استقالة.
المرة الأولى كانت مع وظيفة متواضعة ، قررت الاستغناء عنها لمتابعة دراستي الجامعية، ولم أقدم استقالة فتقرر إيقافي عن العمل بسبب “الغياب”، وهي منزلة بين المنزلتين.
أما الثانية فكان الأمر يتعلق بمغادرة إحدى الصحف وتم ذلك بالتراضي، لم تكن هناك استقالة أو إقالة. هذه التداعيات جاءت عفو الخاطر خلال قراءتي لحيثيات ألطف قرار إقالة، ولعله الأكثر تهذيبا على الإطلاق.
قرأت أن صحيفة تصدر في ولاية فلوريدا الأميركية، وهي للتذكير توجد بها جالية مغربية كبيرة، قررت الاستغناء عن أحد محرريها البارزين لأسباب خاصة، وكانت الوقائع كالتالي:
استدعى رئيس تحرير الصحيفة المحرر المعني بالأمر ، وقال له: “اعتاد القراء على قراءة كل ما تنشره من أخبار وحوارات وتعليقات وتحليلات خلال فترة زمنية لا يستهان بها، وهي موضع تقدير الجميع، لكننا قررنا الإقدام على مغامرة لا نعرف عواقبها، وذلك بإصدار الصحيفة يوم غدٍ وهي لا تشتمل على أي مادة من المواد التي أعددتها للنشر”. فهم الصحافي وغادر.
المؤكد أن أهم إقالة في مجال الصحافة، كان قرار الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إقالة محمد حسنين هيكل من رئاسة تحرير صحيفة “الأهرام” .
المفارقة أن الصحف المصرية نشرت يومها خبراً من ستة أسطر مفاده تعيين هيكل مساعداً للرئيس وإعفائه من رئاسة تحرير الأهرام.
هكذا خرج هيكل من الأهرام لآخر مرة في الثاني من فبراير عام 1974 وقال يومها “الذي حدث شيء عادي لقد استعملت حقي لإبداء رأيي واستعمل الرئيس السادات سلطته لإخراجي من الأهرام وهذا هو كل شيء، كل منا استعمل ما هو متاح له” وزاد “استعمل الرئيس سلطته واستعملت حقي في إبداء رأيي ، إن كلاً منا مارس ما يملك”.أكثر من ذلك قال هيكل”الرئيس يملك أن يقرر إخراجي من الأهرام ، أما أين أذهب بعد ذلك فقراري وحدي ، وقراري هو أن أتفرغ لكتابة كتبي فقط”.
نعرف أن الأمور تطورت بعد ذلك إلى حد إرسال هيكل إلى السجن، ليخرج بعدها ويكتب أجمل”رواية سياسية”، أعني كتابه “خريف الغضب”.
أختم لأقول بشأن الاستقالة والإقالة ممكن أن نقبل التساهل أحيانا في الشكليات ، ولكن لا يمكن مطلقاً،المساومة على الجوهر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.