بعد توقف لأكثر من ربع قرن . . . انطلاق امتحانات الشهادة بالفشقة: مانشيت من التيار زي السكر

0 57
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
لو كان فينا جائزة لمانشيت السنة في صحافتنا لهذا العام لفاز به بامتياز مانشيت هذه الجريدة، التيار، ليوم السبت الماضي:
بعد توقف لأكثر من ربع قرن . . . انطلاق امتحانات الشهادة بالفشقة
فالمانشيت مميز من جهة أنه ليس خبراً فحسب بل وطناً. ومن جهة أخرى فهو بشارة أن المانشيت يسع لأكثر من أخبار من سميتهم “ولدوا بملعقة الصفحة الأولى” في صحافتنا. وهي أخبار وصفها الشاعر المجذوب بأنها مما يتفتق عنه “رخم بوم”.
في الجيل السياسي الراهن نقص مريع في مادة حب الوطن. وحب الوطن من تعريب رفاعة رافع الطهطاوي أخذه عن المصطلح الأوربي الذي هو (patriotism) في الإنجليزية. وهو غير “الوطنية” الذي غالباً ما كان تعريبنا للعبارة الغربية. فالوطنية هي التعبير السياسي عن حب الوطن. وتخطئ الوطنية وتصيب في حب الوطن. فلو تغلغل حب الوطن، مثلاً، في التجمع المعارض للإنقاذ لما قبلوا أن يحتلوا سفارة السودان في أسمرا التي صادرتها الحكومة الإريترية في ساعة غضب من حكم الإسلاميين. وقس على ذلك تهاونهم في شأن حلايب وهم في مصر. بل وملاحقة الإنقاذ بالعقوبات المسرفة التي ربما اتضح لهم عظم كيدها للوطن حين عادوا ينقضون غزلهم. بل وحروبهم السدى في ليبيا وجنوب السودان لكي لا نأت بعبارة أجرح. فلم أر عيباً في برنامج المعارضة لإنقاذ الوطن من نظام الإسلاميين الذين الوطن عندهم مجرد معمل تجارب لمشروعه الخاص من الإسلام ومن سبل الرزق كما وضح. ومن ذلك أن سوغت الإنقاذ تحرير اليمن من الحوثيين لا الفشقة من الأمهرا. ومع سداد برنامج المعارضين الوطني إلا أن اتخاذهم لمبنى سفارتنا معقلاً لهم نقص في حب الوطن: لا قبله ولا بعده. وما زلنا ننتظر منهم اعتذاراً تأخر عن هذه الفسولة مع الوطن.
ليست هذه مرتي الأولى أهش لاستردادنا لقطعة غالية من الوطن وأرغب أن يروج لها في إعلامنا بما تستحقه من إكرام السودان. فلدى استعادة الكرمك من قبضة الحركة الشعبية في ١٩٨٨ كتبت مقالاً طويلاً بعنوان “عند الكرمك يتقاطع الدفاع عن حياض الوطن مع الديمقراطية” أو شيئاً من هذا القبيل. وكانت حجتي فيه إن قواتنا المسلحة لم تسترد لنا قطعة عزيزة من الوطن فحسب بل دائرة جغرافية في البرلمان المنعقد في رحاب السودان. وقلت إن “المنطقة المحررة” في بلد ديمقراطي مما تغزوها بالأصوات في صناديقها لا بالرصاص في صدورها. وكنت أشاهد نشرة أخبار مساء عودة الكرمك إلى حضن الوطن. وتمنيت على المذيع أن لو بدأ عرض درجات الحرارة في مدن السودان وبلداته ب”درجة الحرارة في الكرمك اليوم هي كذا” فرحاً بعودة الغائب. ولم يفعل. ويطرأ لي في السياق إنني كنت أتحدث إلى المرحوم هاشم محمد خير خوجلي عن عطبرة وحبنا لها. فقال لي: “والله يا عبد الله لو في نشرة الجو عطبرة ل ما كانت أحر مدينة في السودان ما برتاح أصلو”. وهذا باب في حب الوطن الصغير. يعليك في عين المابيك.
ولي مرة أخرى في تمييز السودان بحب الوطن لا بمجرد الوطنية. فاستنكرت على معارضي الإنقاذ استهوانهم عودة هجليج التي اغتصبها جنوب السودان لجسد الوطن. فاشمأزت نفسي من قولهم “حيلتكم في هجليج لو في الجيش رجالة ما يحرر الفشقة”. وقلت لهم لا نفضل أحداً من نواحي بلدنا على غيره. وصحة النقد للإنقاذ، لو أردتم، في أنها لم تحرر الفشقة وهجليج وحلايب معاً لأنها حولت بنادق جيشها لصدور شعبها في الجنوب وجبال النوبة ودارفور والوطن مختطف من أطرافه. فالمغايظة بالفشقة دون هجليج نضالية طفولية على بينة من “يسارية طفولية” من قول لينين عن الثوري الزلنطحي.
وفي مرة ثالثة احتفلت بعودة اب كرشولا والله كريم في شرق دارفور من براثن الجبهة الثورية. كان ذلك في ٢٠١٣. فاستنكرتُ العدوان الآثم لقوات الجبهة الثورية على أهل تلك الناحية. ووصفت عاذرتهم فيها ب”حرب الظلام للظلام” من أقوال مارتن لوثر كنق. ويعني أنك إن أردت إماطة الأذى عن طريق فلا تزيله بغرز مزيد من الأشواك فيه. وعتبت عليهم أنهم لم يهجموا على حامية عسكرية واحدة في المنطقة بينما وجدوا الوقت لاغتيال خصومهم السياسيين في أب كرشولا.
ولما عادت الناحية للوطن بعد غزوة الجبهة الثورية الظلامية كتبت عن أسعار الطماطم والبطيخ والقرع في سوق الخرطوم كما كانت تحصيها صحفية نابهة بجريدة الخرطوم. فكتبت في عمودي الراتب بالجريدة:
*انخفض سعر الطماطم إلى 70 جنيه للصفيحة بعد أن كانت 100 جنيها. وانخفض سعر القرع من 70 إلى 30 جنيهاً.
هل تعرف لماذا؟ لأن طماطم “الله كريم” وردت السوق. وكذلك قرع أب كرشولا والجبال الشرقية. هل تذكرونها؟ يا للسوق الوطني!
شكراً للثورة التي جعلت استرداد الفشقة وعودة فلذات أكبادنا لمدارس الوطن ممكناً. وشكراً لقواتنا المسلحة لفدائها العظيم للوطن. وشكراً لزملائي في التيار الذين وفقوا إلى مانشيت لم يحتف بالوطن فحسب بل بحبه أيضاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.