ديكا جامعة الخرطوم: لا يعرفان الوقت

0 48

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم

.

سأل أحدهم عن سبب فشل حشود الشيوعيين والإخوان المسلمين في ٣٠ يونيو لضرب الحكومة الانتقالية في مقتل ما. وكان ردي لأن الشعب بسليقته علم أننا ربما احتجنا لغير التظاهرات لحلحلة الأزمة التي تأخذ بخناقه. ولكن ديكي جامعة الخرطوم اللدودين لا يعرفان الوقت. فلم يحسن الشيوعيون إلى نصر بالثلاثين من يونيو هم بعضه على تكليفهم للثورة الأمرين من جراء أنهم كان الحيطة القصيرة للنيل منها. كانت الثورة المضادة تكيد للثورة بالتلاوة من أرشيفهم الذي لم يحرصوا على تنقيته من الشوائب والاختلاقات. كما لم يحسن الإسلاميون إلى هزيمتهم في ذلك اليوم يتفادون النظر في مرآتها بنوبات الهستيريا، واصطناع الأزمات، والاختلاق، وتكتيكات الترويع.
وصفت جينفر روبن، ذات العمود الراتب بالواشنطن بوست، شيعة ترمب ب” dead-enders” من فرط ارتجالهم ملاقاة الهزيمة التي منوا بها بما يعرف ب”النوازل” في الفقه الإسلامي. وأقرب عبارة في تعريب الكلمة هو “زمانو فات وغنايو مات”. فيوم الثلاثين من يونيو هو يوم عارهم لا عزهم بدليل أنهم تجاهلوه وهم في الحكم سنوات عددا. وتجرى محاكمة رموزهم التي خرقت الدستور على مشهد منا. فلم يعضوا بالانقلاب يد ديمقراطية أحسنت إليهم بالجاه البرلماني فحسب، بل خرج الوطن من وعد انقلابهم صفر اليدين. فشجبوا في بيانهم الأول الحكومة المنتخبة لإثارتها الفتنة العنصرية والقبلية بقولهم: “حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد إخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة وطنية سياسية”. وحنثوا عهدهم ذلك للشعب وأكلوا أمواله بالباطل. وتخضع أموالهم للحجز والمصادرة لا بقانون تفكيك نظامهم، بل لعنة من شيخهم المرحوم حسن الترابي حين عاد من حبسه التحفظي في مايو ٢٠١١. قال إن دولة المؤتمر الوطني تأكل مال ٤٠ مليون سودانياً. وزاد بأن سرقة المال العام أخطر من سرقة المال الخاص. وعليه فليس في الإسلام حصانات ولا سترة لآكل أموال المواطنين، بل توجد محاسبات. وتمنى ثورة نضجت على آكلي السحت من شيعته القدامى لولا أن الشعب “متخلف”.
ومما قد يستغرب له المرء بلوغ الحزب الشيوعي نهاية شوطه وهو في ثورة مما حلم بها طويلاً وربما لم يحسن إليها دائماً. وقلت مرة إن الشيوعي من أسطع “فوانيس البندر البوقدن” وماتن. فغريب أن يصبح مثله أثراً من الماضي وقد كان يصاهل المستقبل. وما أطفأ مصباحه إلا أنه صار بلا هوية. فقطع أواصره بالطبقة العاملة، لبابة مشروعه التاريخي، واندرج حزباً آخر من أحزاب البرجوازية الصغيرة. فتجده مثلاً “يهاتي” بصدور قانون لتنظيم النقابات وينتظر (بلا مبرر) صدوره لتقوم النقابات. ثم ما صدر قانون النقابات حتى احتج عليه وقال إنه إعادة إنتاج لقانون الإنقاذ. ولا أعرف لماذا بوغت الحزب بالقانون المعيب وكان بوسعه أن يقف على مفرداته متى أراد، وأن ينقده في ساعته. وهذه جرجرة كئيبة لحزب غير متأكد من قواعده بين طبقته. ويا حليل أياماً في ثورة أكتوبر قال عابدين إسماعيل، نقيب المحامين، فيها لفاروق أبو عيسى في اجتماع كان يرتب للاضراب السياسي العام: “يا فاروق تعدني أن الدخان سينقشع غداً من سماء عطبرة”. قال: “بلحيل”.
ولما صار الشيوعي في عداد أحزاب البرجوازية الصغيرة صارت هذه الأحزاب منتهى تفكيره وممارسته. فغير خاف أنه في حالة “ضر” صريح مع المؤتمر السوداني. ففوجئ الناس، والثورة في العنان، بالحزب يفتح النار على المؤتمر بزعم أنه ضلله عن موقع اجتماع ما. ورد عليه المؤتمر أنه كان يغنيه أن يسأله عن ملابسات الواقعة بدلاً عن إذاعتها على الملأ. وكان رد المؤتمر مقنعاً. وعلمت أن المنافسة جارية بينهما حول لجان المقاومة حتى صار لكل منهما لجان مقاومته في أحياء عريقة بالعاصمة. وتساءلت لا مرة ولا مرتين عما أغضب الحزب على لجنة إزالة التمكين. فاشتكي حذيفة الجلاد في معرض تزكيته لتظاهرة الحزب الشيوعي في ٣٠ يونيو أن الحكومة الانتقالية لم تسترد الأموال من طاقم النظام القديم. وليس هذا دقيقاً تماماً. وسبق لهم أن طالبوا بمفوضية للفساد وأهملوا ذكر لجنة تفكيك التمكين بالمرة. بل استقال صديق يوسف عضو لجنة الاستئناف من قرارات اللجنة مما فتح الباب لاجتهادات لصالح الثورة المضادة. وواضح أن هناك ما لا يعجب الشيوعي في اللجنة ربما تعلق بغير فشلها في استرداد أموال رموز نظام الإنقاذ. فالمسكينة عملت ما فوق طاقتها وبشجاعة للغرض وسط عزلة منتفعة وجبانة انضربت حولها حتى صار مطلب حلها مطلباً “لترق مرق” قبل أن ينفصل بإقليم شرق السودان. وهذا انتفاع. والجبن كثير.
راح الدرب على ديكي جامعة الخرطوم العتيقين في ماء ٣٠ يونيو. وضل كل منهما بطريقته عن سكة بلد استحقت أفضل منهما بكثير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.