مقترحات في بريد مبادرة رئيس الوزراء

0 77

د. الشفيع خضر سعيد 

.

كما التزمنا في مقالنا السابق، دعما لمقاصد مبادرة الأخ رئيس الوزراء، للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة، بدلا عن الركون إلى مجرد التعليق وإبداء الملاحظات العامة، نتقدم، بدءا من مقال اليوم، بمجموعة من المقترحات عل بعضها يجد حظه من النقاش، إما تطويرا وتعديلا وبحثا لكيفية الأخذ به، أو تحفيزا للآخرين لتقديم المزيد من المساهات والمقترحات.
ولكن في البدء، نكرر قولنا بأن الجميع، قيادات الفترة الإنتقالية السيادية والتنفيذية، وقيادات وقواعد الحراك الجماهيري، يحتاجون إلى وقفة مراجعة وتقييم وتقويم، لا لمجرد إبراء الذمة، ولا لتبرير الإخفاقات، ولا لشخصنة القضايا وتحميل الوزر لهذا المسؤول أو ذاك التنظيم، وإنما بهدف تفريق أي شحنات سالبة ساكنة فينا جميعا، قيادة وقواعد، والتزود بمحفزات وطاقة إيجابية تُقوي من شأن الإرادة والقدرة على الإدارة في أجهزة الفترة الإنتقالية، لتتبدى في مكاشفة شفافة مع الناس حول ما تم وما لم يتم ولماذا، وفي إتخاذ قرارات مدروسة لصالح المزيد من الكفاءة والفعالية في التعامل مع واجبات التغيير التي طرحتها ثورتنا العظيمة، ولصالح إزالة المعوقات، ممارسة كانت أم أشخاصا.

إقتراحي الأول هو أن تلتزم الحكومة وتتقيد بمبدأ المراجعة والتقويم في إطار ثلاثية المشاورة والشفافية والمساءلة، وأن تقترح، في هذا السياق، آلية مناسبة يُخاطب بها رئيس الوزراء الناس بشكل منتظم، راتب ودوري. إن ثلاثية التشاور والشفافية والمساءلة، تعتبر من أهم أركان حُسن إدارة الدولة وتحقيق النجاح في القضايا السياسية والتنموية، وتجسد معنى الحكم الراشد. ومن الأخطاء القاتلة في إدارة الحكم أن تكتفي الحكومة بصياغة رؤاها وإجاباتها للمعضلات التي تواجهها خلف أبواب مغلقة، بدلا من إعلاء قيمة وممارسة التشاور مع أهل الخبرة والمعرفة، والذي يجب أن يمتد من القاعدة إلى أعلى، وتشارك فيه كل فئات المجتمع، مع تحليل دقيق للفرص المتاحة ومواطن الضعف، وتحديد الأدوار لكل من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين العاديين. إن الشفافية والمشاورة، يمكننا إعتبارهما، من ضمن عوامل أخرى، من معايير قياس مدى ودرجة تخلل وإنسياب روح ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة في جسد الحكومة الإنتقالية. ومعروف أن إدارة إقتصاد البلاد تُمثل الركن الأهم ضمن الأركان الرئيسية في سودان الثورة وفي هيكل السلطة الإنتقالية، ومؤكد أننا جميعا ندرك أن الفقراء والجوعى لا يمكنهم الانتظار أجيالا للحصول على حلول لأشد مشكلاتهم إلحاحا. لذلك، يتطلب هذا الركن قدرا أوسع من التشاور والشفافية مع الخبراء الاقتصاديين وقيادات قطاعات الأعمال والمجتمع المدني والعاملين والمواطنين، لبحث كيفية الخروج من المأزق الاقتصادي الراهن، وماهي القرارات الملائمة لإنقاذ البلاد من الإنهيار الاقتصادي؟، وكيفية المواءمة بين توصيات المؤسسات المالية الدولية بشأن أداء الاقتصاد السوداني، والضنك الذي تسببه هذه التوصيات للمواطن السودان الذي أصلا يعاني شظف العيش؟.نحن في معارك الدفاع عن ثورتنا، أحوج ما نكون إلى الحماس، لهزيمة اللامبالاة، ولرفع رايات الأمل وشحذ الإرادة، من أجل الإنتصار ودحر محاولات إسترجاع تحالف الفساد

ومن الأمثلة الأخرى حول أهمية ثلاثية الشفافية والمشاورة والمساءلة، أن مجلس الوزراء الإنتقالي، بنسختية الأولى والثانية، عقد عدة إجتماعات مغلقة، آخرها قبل أسبوع، لمراجعة وتقييم الأداء، والإتفاق على برنامج عمل للمرحلة التالية. وبعد كل إجتماع كان يتم الإعلان عن التوصل إلى قرارات هامة حول أولويات قضايا الإنتقال التي يفترض أن تتصدى لها الحكومة. أقترح، بدل الإعلان المقتضب في كل مرة، وبدل الحديث المعمم والمكرر عن عناوين قضايا الإنتقال المعروفة للجميع، أقترح التوسع في شرح ما تم في هذه الاجتماعات المغلقة ومناقشته مع رؤساء تحرير الصحف وفي وسائل الإعلام المختلفة، ومع قيادات الحرية والتغيير ولجان الأحياء وأصحاب العمل والقوات النظامية والمنظمات الاجتماعية المختلفة وسائر قطاعات الشعب. فالأمر هنا لا ينحصر في إعلاء قيم التشاور والشفافية فحسب، وإنما يمتد إلى شرح كيفية متابعة تنفيذ بنود برنامج العمل، العاجل منها والآجل، التي تم التوصل إليها في هذه الإجتماعات، وما هو دور الشعب، أفرادا ومنظمات وقطاعات، في المشاركة ومتابعة التنفيذ.
إقتراحي الثاني، أن يُسرع الأخ رئيس الوزراء بعقد مؤتمر مائدة مستديرة للتوافق حول كيفية إنقاذ الوضع الراهن المأزوم ومقاومة محاولات تدمير الفترة الإنتقالية، وذلك وفق المحاور المطروحة في المبادرة، مستفيدا من، وآخذا في الإعتبار، تجربة ملتقى جامعة الخرطوم للبناء الوطني، يوليو/تموز 2020، ومتجنبا تحول المؤتمر إلى مجرد أوراق وأطروحات تظل معلقة في الهواء. أما القوى التي تشارك في هذا اللقاء فأقترح أن تشمل: مجلس السيادة، مجلس الوزراء، تحالف قوى الحرية والتغيير بتشظياته المتعددة، القوى السياسية المؤمنة بالثورة من خارج قوى الحرية والتغيير، تنظيمات إتفاق سلام جوبا، تنظيمات تجمع المهنيين، أيضا بتشظياته، لجان المقاومة، التنظيمات المدنية، أي تنظيمات وشخصيات وطنية منحازة للثورة ويمكن التوافق عليها. بالطبع يمكن إجراء العديد من التعديلات على هذا المقترح، لكن من الضروري جدا، وغض النظر عن أي شكل نهائي له، الإنتباه إلى نقطتين هامتين. الأولى، أن الإطار الرئيسي الذي سينعقد على أساسه المؤتمر هو إعلان/ميثاق الحرية والتغيير المتوافق عليه في الأول من يناير/كانون الثاني 2019. والنقطة الثانية، أن تظل أبواب المؤتمر مغلقة أمام أزلام نظام الإنقاذ البائد الذين إرتكبوا الجرائم بحق الوطن والمواطن.
إن أوضاع البلاد الراهنة، قد تصيب البعض بالإحباط واليأس من أن يتجسد حلم الثورة واقعا، خاصة الذين ظلوا طويلا في إنتظار الثورة والتغيير، أو ظنوا أن قطف ثمارهما سيكون صباح الغد. لكني أعتقد أن حالات الإحباط واليأس هذه، والتي تصيبنا في لحظة معينة وزمان محدد، أعتقد أنها مفهومة ومقدّرة ومؤقتة، ما دمنا لم نسقط المبدأ. أما أن يتملكنا الإحباط مطلقا، فهذا غير مقبول، وهو في النهاية، حلم ومنى أعداء الثورة. ونحن في معارك الدفاع عن ثورتنا، أحوج ما نكون إلى الحماس، لهزيمة اللامبالاة، ولرفع رايات الأمل وشحذ الإرادة، من أجل الإنتصار ودحر محاولات إسترجاع تحالف الفساد والإستبداد. ونواصل تقديم المقترحات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.