وإقتراح ثالث في بريد مبادرة رئيس الوزراء السوداني

0 64

.

نواصل تقديم المقترحات الداعمة لمبادرة الأخ رئيس الوزراء الساعية للوصول بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان. بعض هذه الاقتراحات يغلب عليها الطابع السياسي المباشر، كما هو حال الاقتراحين الأول والثاني في مقالنا السابق، بينما البعض الآخر يتناول قضايا عملياتية، تنفيذية وإدارية، كاقتراحنا الثالث اليوم. وبالطبع، كل الاقتراحات في النهاية هي سياسة!.

الاقتراح الثالث هو إنشاء مكتب يتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء، متخصص في رسم السياسات العامة ويساعد ويدعم الحكومة في عملية اتخاذ القرارات المناسبة على ضوء حيثيات علمية يوفرها المكتب. هذا المكتب، بمسميات مختلفة، موجود في كل الحكومات، بما فيها حكومات الأنظمة الديمقراطية المستقرة في الدول المتقدمة، والتي تعتمد كثيراً، وأحياناً كلياً، على هذا المكتب أو هذه الآلية، في تصريف شؤون الحكم من ناحية رسم السياسات العامة، ومن ناحية دعم عملية اتخاذ القرار. وإذا كان هذا هو حال البلدان المتقدمة، فإن البلدان التي لا تزال تحبو نحو تحقيق التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي وبناء الدولة، لا تزال تعيش واقعاً انتقالياً، ــ سودان اليوم نموذج في أمس الحاجة إلى مثل هذا المكتب ــ وفي ظل الصراعات السياسية/ الحزبية التي توقعها الجميع في السودان، والتي لم تخيّب هذه التوقعات فاحتدمت منذ اللحظات الأولى للفترة الانتقالية، ولا تزال حارمة الحكومة من حاضنة داعمة سياسياً وعملياً، وما دامت البلاد تعاني فقراً شديداً في أداء مؤسسات الدولة الموروثة من النظام البائد ونزيفاً حاداً في الكوادر المؤهلة، وما دامت أولويات الحاضنة السياسية، قوى الحرية والتغيير، ظلت منذ البداية مشدوهة إلى العناوين السياسية الكبيرة، قاصرة نفسها في عمليات الترشيح للمواقع بعيداً عن المشاركة الفعلية في تفاصيل عمل الحكومة اليومي، ومادام الطاقم التنفيذي في الحكومة يفتقد الخبرة والدراية، وهو أمر طبيعي ويمكن علاجه، فإن تأسيس هذا المكتب منذ الأيام الأولى لتشكيل مجلس الوزراء، كان واجباً مقدماً على أي أمر آخر، أو هكذا كان اعتقادنا. أشير إلى أنني شخصياً قدمت اقتراحاً مفصلاً بهذا المكتب، من حيث رؤيته ومهامه وكيفية تكوينه، وسلمته مكتوباً إلى الأخ رئيس مجلس الوزراء في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر 2019. وعلمت أن الاقتراح نوقش في لقاء مشترك بين رئيسي مجلس السيادة ومجلس الوزراء حيث اتفقا على أن يقدم المكتب خدماته إلى مجلس السيادة أيضا، كما اتفقا على الخطوات العملية لتأسيس المكتب. وكان من المتوقع أن يصدر مجلس الوزراء قراراً بتشكيل المكتب، وذلك بعد التشاور مع قوى الحرية والتغيير، ولكن لم يصدر القرار، ثم هجمت جائحة كورونا التي ربما أصابت فكرة المكتب بالعدوى وأودت بحياتها!.

لا زلت على قناعة تامة بأهمية هذا المكتب، وأعيد تجديد اقتراحه كآلية مناسبة لتقوية أداء الحكومة السياسي والتنفيذي، متسلحة بالدراسات والبحوث العلمية ومستخلصات التجارب، وذلك تحقيقاً لمرامي وأهداف مبادرة الأخ رئيس الوزراء وإنزالها أرض الواقع. وأورد أدناه نص الاقتراح، مع التنبيه إلى عدم الخلط بين مكتب السياسات هذا، ومركز أو مجلس التخطيط الاستراتيجي الذي يختلف مجال عمله، كما سنتعرف عليه ضمن اقتراحاتنا التالية في المقالات القادمة.

مكتب رئيس الوزراء للسياسات ودعم اتخاذ القرارات، هو وحدة حكومية، مكونة من خبراء اختصاصيين وكوادر مهنية متخصصة، مهمته المساعدة في رسم سياسات الدولة ودعم اتخاذ القرار بالنسبة للسياسات العامة وقضايا تصريف شؤون الحكم اليومية، دون أي تدخل في عمل الوزارات والوحدات الحكومية. يتولى المكتب بحث ودراسة الملفات المتعلقة بالسياسات العامة ومقتضيات العمل اليومي، وأي ملف يوكل إليه من رئيس مجلس الوزراء، بدءاً من توفير كل المعلومات اللازمة حول الملف المعين وقتلها بحثاً ودراسة، معالجاً الاحتمالات والتوقعات، ومقترحاً السيناريوهات والبدائل الملائمة، وذلك على المدى القصير. كما يتولى المكتب تنسيق السياسات المتعلقة بالشؤون السياسية الداخلية وشؤون السياسة الخارجية وسياسات الأمن القومي والشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ويقدم الدراسات المرتبطة بدعم تطبيق استراتيجيات مجلس الوزراء، ويساهم في دعم الشراكة بين الحكومة والقوى المدنية والسياسية والعسكرية. ومن المهام الأخرى التي يتولاها المكتب:

*دراسة وتحليل الأوضاع والمعلومات المتعلقة بالقضايا والظواهر والمشاكل العامة المترسخة والطارئة وتقديم مبادرات بشأنها مع طرح الخيارات والسيناريوهات المختلفة التي تدعم صناعة القرار، واقتراح الأولويات وآليات التنفيذ.

*التنسيق مع المراكز والوحدات الأخرى في رصد وتحليل اتجاهات الرأي العام. *تقوية علاقة الدولة مع القطاعات المجتمعية (منظمات الشباب والنساء والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي).

*العمل بمثابة جهاز إنذار مبكر لمخاطبة التحديات الماثلة والمحتملة، واقتراح التدابير الفعالة للتعامل معها قبل حدوثها بفترة كافية. *اقتراح المبادرات السياسية التي تخاطب قضايا التنمية والعدالة، وإعادة بناء العقد الاجتماعي وتحقيق الوحدة الوطنية، ومحاربة التمييز وغير ذلك من القضايا ذات الخصوصية في الواقع السوداني.

ويتشكل المكتب من مجموعة خبراء ثابتة ومتفرغة، وطاقم إداري مبسط، ومجموعة خبراء غير ثابتين تضمهم لجان عمل متخصصة في القضايا والملفات الطارئة التي تحتاج إلى مشورة متخصصة أو خبرات ذات طبيعة خاصة في الموضوع المعين. والمعيار الوحيد لتشكيل المكتب هو محصلة العلم والمعرفة والخبرة والتخصص والمهنية العالية، بعيداً عن أي محاصصة سياسية حزبية أو جهوية أو خلافهما. ولتوسيع المشاركة في بحث كل ملف، ينظم المكتب السمنارات والورش وجلسات العصف الذهني يشارك فيها خبراء من خارج المكتب، مع مراعاة التمثيل السياسي والإثني والنوعي. وليس للمكتب أي صلة مباشرة مع الوزراء والمسؤولين، ويحذر من تقاطع مهامه مع مهامهم ومهام أي جهة أخرى في الدولة، لذلك، تتم الصلة فقط عبر رئيس مجلس الوزراء. وباعتباره وحدة عمل حكومية، تسري على المكتب قوانين الخدمة المدنية وكافة الإجراءات الإدارية والمالية الحكومية، وكل أعماله تخضع لمبدأي الشفافية والمساءلة، كما تخضع للمراجعة من قبل  ديوان المراجع العام. وفي القادم نواصل المقترحات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.