الهجوم علي الحزب الشيوعي مقدمة لمصادرة الديمقراطية (4)

0 66
.

1

أشرنا سابقا الي اشتداد حدة الصراع الاجتماعي بعد أكتوبر 1964 والهجوم علي الحزب الشيوعي ،وبلغ الهجوم ذروته بعد انتخابات 1965 ،وانتظام الجمعية التأسيسية بعد أن ضاقت أحزاب الأمة والوطني الاتحادي وجبهة الميثاق الإسلامي ( الإخوان المسلمين وحلفائهم بقيادة د.الترابي) بنشاط الحزب الشيوعي البرلماني ، وقامو بمذبحة الديمقراطية ، بقيادة الإخوان المسلمين بتدبير و”فبركة” مؤامرة حل الحزب الشيوعي، وقامت المليشيات المسلحة للانصار والإخوان المسلمين بالهجوم علي دور الحزب الشيوعي مما أدي لتدمير وجرحي، وعدلوا الدستور وتم طرد نوابه من البرلمان، مما أدي لخرق الدستور ونسف النظام الديمقراطي وقاد لأزمة حادة كان من نتائجها انقلاب 25 مايو 1969..

بعد انقلاب 25 مايو تعرض الحزب لهجوم جديد شديد ، لرفضه للانقلاب العسكري ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية كما في حل الأحزاب واتحادات الشباب والنساء ، واتحادات طلاب المدارس الثانوية ، ورفض نظام الحزب الواحد الذي يقود للنظام الشمولي وحكم الأمن والمخابرات وطرح البديل الجبهة الوطنية الديمقراطية، كما رفض النقل الأعمي للسلم التعليمي المصري وتجاهل خصائص البلاد الافريقية العربية ، وضد تشويه شعار الاشتراكية وطرحها كمهمة مباشرة، فالمرحلة الحالية هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية التي يفضي انجاز مهامها للاشتراكية ، وضروة أن يعمل جهاز الأمن في حدود الشرعية والقانون، وانتقد الحزب سياسات النظام الاقتصادية التي زادت ميزانية الأمن والدفاع وأدت لتدهور الأوضاع المعيشية، ورفض الحزب التأميمات والمصادرة العشوائية خارج القانون التي أدت لنهب ممتلكات الأفراد باسم الاشتراكية، عارض الحزب ميثاق طرابلس أو الحلف العسكري بين السودان ومصر وليبيا الذي يتنهك السيادة الوطنية للبلاد، عارض الضرب العشوائي للجزيرة أبا ، وتعرض أعضاء الحزب للاعتقال والمحاكمات ، واستمرت مقاومة الحزب حتى قيام انقلاب 19 يوليو، بعده وصل القمع ضد الشيوعيين ذروته وخاصة بعد انقلاب 22 يوليو 1971 الدموي من استشهاد وسجن وتعذيب وتشريد.

بعدها جمّع الحزب صفوفه وواصل النضال مع قوي المعارضة وطرح شعار الاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط النظام في يناير 1974، بعدها تواصل تراكم المقاومة الجماهيرية حتي اسقاط حكم الفرد والفساد والاستبداد والخراب والدمار في انتفاضة أبريل 1985.

2

كما تدخلت السلطة في الصراع داخل الحزب الشيوعي الذي دار بين تيارين: تيار يري حل الحزب الشيوعي والذوبان في النظام وحزبه الواحد باعتباره نظام للديمقراطيين الثوريين يفضي الي الاشتراكية، وتيار يري استقلال الحزب الشيوعي سياسيا وتنظيميا وفكريا ورفض الذوبان داخل السلطة وتحويل كادره الي موظفين، كان خلافا كبيرا داخل اللجنة المركزية للحزب حول تكتيكات الحزب وطبيعة الانقلاب، وتقرر عقد مؤتمر تداولي لحسم هذا الصراع ونزلت كل وجهات النظر المصطرعة ( وثيقة عبد الخالق محجوب، ووثيقة معاوية ابراهيم..) لقواعد الحزب ، وتم عقد المؤتمر التداولي في اغسطس 1970م، ووقفت الأغلبية مع وجود الحزب المستقل ورفضت ذوبانه داخل تنظيم السلطة، وكان ذلك هزيمة كبيرة للسلطة واعوانها داخل الحزب والتي كانت تستهدف تصفية الحزب الشيوعي وانهاء كيانه المستقل.

وفيما يلي ننشر للاجيال الجديدة تجربة الصراع الفكري داخل الحزب الشيوعي ( 1969- 1971) التي انتهت فيما عرف في تاريخ الحزب بانقسام 1970.

أنقسام سبتمبر 1970م :

* يمكن فهم الصراع الفكري الذي أدي الي انقسام 1970م ونتائجه بالنظر الي خلفيته والظروف التي دار فيها ، والتي تعود الي التحولات التي اعقبت ثورة 21 اكتوبر 1964.

1- خرج الحزب من الثورة وقد توفرت له امكانات الاشتراك في السلطة وتحوله الي حزب جماهيري يطرق أبواب العمل في مجالات جديدة ومتعددة.

– وكانت الظروف التي اعقبت ثورة اكتوبر نموذجا كلاسيكيا للاسباب التي تقود الي ظهور خلافات حول التكتيك داخل الحزب (والتي عددها لينين دائما): انعطاف أقسام واسعة من الجماهير الي الحزب ودخولها في صفوفه، ضم كوادر شابة الي القطاع القيادي بما في ذلك ل.م. اشتراك الحزب في الحكومة ودخول نواب منه في البرلمان ومواجهة مسؤولية طرح برامج وحلول عملية للقضايا الوطنية، تغيير الطبقات الحاكمة لتكتيكاتها من الليبرالية الي العنف ثم الي خليط من هذا وذاك.

– طرأت تغييرات علي الأوضاع االاجتماعية لأقسام من كادر الحزب وانتقلوا في حيز الثروة الي فئات الميسورين من السكان (كبار محامين وكبار موظفين ومهنيين ومزارعين في مشروع الجزيرة. الخ).

2- نتيجة لهذه الظروف يمكن تفسير الارتباك الذي شمل الحزب عندما أشهر اليمين سلاح العنف البدني والقانوني ضد الحزب واستصدر قانونا في الجمعية التأسيسية بحظره في نوفمبر 1965م. وفي جو الارتباك قرر اجتماع موسع ضم اللجنة المركزية وعددا من الكادر القيادي العمل علي بناء حزب واسع تكون نواته الصلبة من الشيوعيين. وكان القرار يعني عمليا حل الحزب الشيوعي القائم. وقد تم تصحيح هذا القرار في اجتماع اللجنة المركزية الذي تم في منتصف عام 1966م ( اتخذت اللجنة المركزية في ذلك الاجتماع قرارا باغلبية مطلقة بالابقاء علي الحزب الشيوعي، عدا زميلين هما: فاروق محمد ابراهيم، وشيخ الأمين محمد الأمين). غير أن هذه الفترة علي قصرها الحقت ضررا كبيرا بالحزب في لحظة حاسمة من تطوره.

3- بعد التصحيح بدأ التحضير للمؤتمر الرابع الذي تأخر انعقاده أكثر من عشر سنوات، اذ انعقد في اكتوبر 1967. حقق المؤتمر نجاحا كبيرا في دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي السوداني وصياغة تكتيك صحيح وثوري وصياغة خط تنظيمي للحزب. ولكنه فشل في معالجة قضية القيادة. وكان هذا الفشل أحد الأسباب الرئيسية في :

أ- عجز اللجنة المركزية عن مواجهة وقيادة الصراع الداخلي الذي احتدم بعد المؤتمر.

ب- عجز اللجنة المركزية عن تلبية تطلعات الحركة الثورية الي قيادة مقتدرة في ظروف كانت ملائمة لتغييرات كبري.

4- تبلور الصراع الداخلي أساسا حول قضيتين:

أ- الموقف من البورجوازية الوطنية كاحدي قوي الجبهة الوطنية الديمقراطية ( موقعها الفعلي في التنظيمات السياسية القائمة علما بأنه ليس لها تنظيم مستقل – برنامجنا ازاء مصالحها – ودورها في الحركة السياسية..الخ).

ب- الموقف من التكتيكات والعقلية الانقلابية.

5- الخلافات داخل الحزب لم تكن محل اهتمام الشيوعيين وحدهم ، بل وأيضا محل اهتمام ومصلحة دوائر خارج الحزب ، ونتجت عن ذلك ضغوط هائلة استهدفت منع الحزب من التحول الي حزب يتصدي لقيادة الجماهير والحركة الثورية كما استهدفت تمزيقه وتصفيته.

6- مع كل ذلك ينبغي القول أن القوي الماركسية داخل الحزب صارعت وحققت انتصارات كبيرة ووضعت أقدام الحزب علي طريق الخروج من أزمة امتدت منذ نهاية عام 1965م، ولكن قبل أن يرسّخ الحزب أقدامه تماما خارج الأزمة وقع انقلاب 25 مايو 69 الذي قادته شريحة من البورجوازية الصغيرة العسكرية تنتمي الي الفكر الناصري.

* لعب الانقلاب دورا رئيسيا وخطيرا في تطور الصراع داخل الحزب الشيوعي. أولا: لأن تغييرا في السلطة السياسية وتركيبها الاجتماعي قد حدث بانقلاب وبسهولة وتحت شعارات تقدمية وبرنامج معلن يلتقي في اكثر من نقطة مع البرنامج الوطني الديمقراطي الذي طرحه الحزب. وثانيا: لأن السلطة التي اقامها الانقلاب كانت من البورجوازية الصغيرة في المدن.

وهكذا دفعة واحدة، وجد ممثلو البورجوازية الصغيرة داخل الحزب وقودا لنظرياتهم.

• بشكل عام دار الصراع بعد الانقلاب علي المحورين التاليين:

أ- التيار الثوري بقيادة عبد الخالق محجوب ، لخص موقفه في النقاط الأساسية الأتية:

– ان ماحدث يمثل نقلا للسلطة من ايدي تحالف قوي شبه الاقطاع الطائفي والعشائري الي ايدي البورجوازية الصغيرة والتي هي بمصالحها احدي قوي الجبهة الوطنية الديمقراطية.

– اذا استطاعت السلطة الجديدة أن تحافظ علي بقائها ، فان ظروفا جديدة تتهيأ لانجاز مهام التطور الوطني الديمقراطي. لكن ليس لها طريق غير تحقيق المطالب الثورية للجماهير، فاذا ما اختطت طريقا معاديا لتلك المطالب فستلقي الفشل.

– التطور الوطني الديمقراطي لن يتم الا بالمبادرة الثورية للجماهير وبقيادة الطبقة العاملة – أي أنه يعتمد علي درجة تنظيم الجماهير ومستوي وعيها ومقدرتها الفعلّية علي النضال والوحدة والالتفاف حول مطالبها الأساسية التي تستهدف التغيير الاجتماعي الديمقراطي.

– مسلك الحزب هو أن يلعب دورا بارزا في دعم السلطة الجديدة وحمايتها من خطر الثورة المضادة، وأن يحتفظ بقدراته علي نقد وكشف مناهج البورجوازية الصغيرة وتطلعاتها غير المؤسسة لتسلم زمام الحركة الثورية، وأن يهتم اهتماما بالغا بنشر الايديولوجية الماركسية بين صفوف الحزب والجماهير الثورية وخاصة الطبقة العاملة وأي تراخ في هذه المهمة يؤدي الي انتشار أفكار الديمقراطيين الثوريين من البورجوازية الصغيرة مما يعد انتكاسة بين الجماهير الثورية.

ب- التيار “اليميني التصفوي” لخص مواقفه في النقاط التالية:

– ان ماحدث يوم 25 مايو لم يكن انقلابا، وانما كان ثورة. وأنه كانت قد نضجت بالبلاد أزمة ثورية كانت القوي الوحيدة المستعدة لحلها هي مجموعة الضباط والجنود التي قامت بالانقلاب.

– ان الانقلاب الذي حدث يمكن أن يفجر طاقة الجماهير في عملية ثورية.

– ان قيادة الانقلاب من الديمقراطيين الثوريين الذين يمكن أن يرودوا الاشتراكية ولايتوقفوا عند المهام الوطنية الديمقراطية، وأنهم بالفعل يمكن أن يصبحوا بالفعل قيادة للحركة الثورية.

– ان علي الحزب الشيوعي أن يتحالف مع قادة انقلاب 25 مايو لانجاز المهام الوطنية الديمقراطية والاشتراكية وأن وصفهم بأنهم بورجوازية صغيرة يعوق عملية التحالف هذا ويدمرها.

* كما أشرنا سابقا، أن جذور الصراع داخل الحزب ترجع الي ما قبل 25/مايو/1969م، بل ترجع جذوره الي فترة تأسيس الحزب الأولي: هل يظل الحزب الشيوعي مستقلا ام يكون جناحا يساريا داخل الأحزاب الاتحادية، وبعد اكتوبر 1964م، ونتيجة لصعوبات الثورة المضادة وخاصة بعد حل الحزب الشيوعي، برز اتجاه لتصفية الحزب بأن يتخذ موقف ذيليا في التحالف مع الحزب الوطني الاتحادي باعتباره حزب الرأسمالية الوطنية، في حين كان تحليل المؤتمر الرابع ان الرأسمالية الوطنية مشتتة داخل حزب الامة والحزب الاتحادي وبقية الاحزاب ومن المهم، الصبر والفرز علي الدراسة في هذا الجانب، ثم كان هناك الانحراف اليميني الذي تم تصحيحه بتكوين الحزب الاشتراكي نتيجة لدمج الحزب الشيوعي مع التيارات الاشتراكية السودانية، اى حل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية اخري، بعد قرار مؤتمر الجريف التداولي عام 1966م.

وبعد انقلاب 25/مايو/1969م، اتخذ الصراع شكلا جديدا، هل يكون الحزب الشيوعي مستقلا أم يذوب داخل حزب ومؤسسات سلطة البوجوازية الصغيرة، ويتم تكرار تجربة الشيوعيين المصريين، وكل الصراع حول المواقف العملية مثل : الحقوق والحريات الديمقراطية، التأميمات والمصادرة، السلم التعليمي، أحداث الجزيرة أبا،الأوضاع المعيشية والاقتصادية، ميثاق طرابلس، التنظيم السياسي( حزب واحد أم جبهة). وقررت اللجنة المركزية في اغسطس 1969 فتح مناقشة عامة ، تعرض فيها وجهات النظر المختلفة علي الفروع والأعضاء، ويتم حسم الصراع في مؤتمر تداولي، وبالفعل صدرت وثيقتان: وثيقة عبد الخالق محجوب ووثيقة معاوية ابراهيم وتمت المناقشة في الفروع واعداد مجلة الشيوعي 134، 135، 136،..الخ، وانعقد المؤتمر التداولي في اغسطس 1970م، أى بعد عام من فتح المناقشة العامة. وبعد المداولات كانت النتيجة أن الأغلبية الساحقة لأعضاء المؤتمر التداولي وقفت مع الوجود المستقل للحزب، ورفض ذوبانه داخل حزب السلطة ومؤسساتها، حسب ما جاء في الوثيقة التي صدرت عن المؤتمر التداولي التي اشرنا لها سابقا.

ولكن الجناح الآخر لم يقبل بقرارات المؤتمر ولم يقبل بالديمقراطية الحزبية، أي الالتزام برأي الاغلبية والتمسك بوحدة الحزب والصراع من داخله للدفاع عن رأيه، فالتجربة العملية هي الكفيلة في النهاية بتأكيد صواب أو خطا هذا الرأي أو ذاك.

سلك هذا الجناح مسلكا غير ديمقراطي ولجأ الي التآمر، اذ بعد نهاية المؤتمر مباشرة عقد 12 عضوا من اعضاء اللجنة المركزية(مجموع اعضائها 33) اجتماعا سريا عبروا فيه عن رفضهم لقرارات المؤتمر والتكتيكات التي خرج بها، ثم حضروا اجتماع اللجنة المركزية في 26/8/1970م، دون أن يكشفوا عن خططهم، وبعدها نشروا رسالة وقعوا عليها جميعا، وكان ذلك اعلانا رسميا بالانقسام. وتبع ذلك بيان آخر وقع عليه مايزيد عن الخمسين من بعض كوادر الحزب، وتم عقد اجتماعات في بورتسودان وعطبرة والجزيرة للوقوف ضد قرارات المؤتمر وتبعتها اجتماعات في العاصمة( قدال: المرجع السابق، ص،55).

وبذلت اللجنة المركزية جهدا كبيرا لتفادي الانقسام، وفي دورة في اكتوبر 1970، أعلنت اللجنة المركزية عن فشل كل المساعي التي بذلت لتفادي الانقسام، وتوصلت الي أن الجماعة التي وقع افرادها الخطاب خلقوا انقساما كامل الحدود والمعالم، وعليه قررت:

– فصل قادة الانقسام الموقعين علي خطاب الاثني عشر من عضوية الحزب.

– فصل العناصر التي اشتركت معهم في الانقسام بتوقيع الخطاب الآخر.

– أن تطبق كل منظمات الحزب ولجانه اللائحة علي المشتركين في اعمال التكتل.

– حل لجنة الحزب في الجزيرة والمناقل

(دورة ل.م اكتوبر 1970م).

من الواضح أن الانقسام كان كبيرا شمل حوالي ثلث اعضاء اللجنة المركزية وبعض الكوادر القيادية واغلب قيادة منطقة الجزيرة والتي تقرر حلها واعادة تسجيلها من جديد.

* أشرنا سابقا الي أن السلطة كانت طرفا في هذا الصراع من خلال تسخير كل امكاناتها لدعم الانقساميين في مخططهم لتصفية الحزب الشيوعي الذي يقف عقبة كاداء أمام السلطة، من خلال كشف اخطائها للجماهير، وبالتالي فشلت مساعي السلطة لهدم القلعة من الداخل. وبعد ذلك ازدادت السلطة شراسة ولجأت لوسائلها الثقليدية التي خبرها الحزب الشيوعي وصرعها منذ ديكتاتورية عبود والاحزاب التقليدية، ونظمت السلطة انقلاب 16/نوفمبر/1970م، الذي اسفر عن الوجه اليميني الكالح للسلطة وعن ديكتاتوريتها التي طالما غلفتها بشعارات يسارية، وكانت النكتة الشائعة في الشارع يومها( أن السلطة تؤشر يسارا وتتجه يمينا)، وكان من نتائج انقلاب 16/نوفمبر/1970م، ابعاد ثلاثة من اعضاء مجلس الثورة( بابكر النور، فاروق حمد الله، هاشم العطا)، واعتقل عبد الخالق وعزالدين علي عامر، واختفي الكادر القيادي للحزب تحت الأرض، وهكذا انتقل الصراع من محيط الافكار الي ميدان المواجهة.

* وشهدت الفترة بين نوفمبر 1970 ومايو 1971م، هجوما مكثفا علي الحزب الشيوعي شنه النميري في عدة مناسبات، من بينهاالخطابات التي القاها في استاد الخرطوم في 23/نوفمبر/1970، ثم الخطاب الملتهب في 12/فبراير 1971/والذي حرض فيه علنا علي ضرب الشيوعيين وتمزيق الحزب الشيوعي، وفي ابريل 1971م، اقيم مهرجان في ميدان سباق الخيل بالخرطوم والتي شاركت فيه قوى سياسية رأت أن الوقت قد حان لتصعيد الحملة ضد الحزب الشيوعي الي ذروتها، وفي ذلك المهرجان استنفر الناس لضرب الشيوعيين معيدا للاذهان احداث 1965- 1966م، وبلغ ذلك الهجوم ذروته باعتقال اعداد من كوادر الحزب الشيوعي في مايو 1971، وتقديم اعداد منهم للمحاكمات في العاصمة والاقاليم، وكان ذلك بهدف تعطيل نشاط الحزب في المنظمات الجماهيرية، وقد اتهمت وثائق الحزب الانقساميين بتحريض السلطة علي تلك الاعتقالات(قدال: ص، 56).

واستمر الهجوم علي الحزب الشيوعي، ورد الحزب علي تلك الحملة ببيانات جماهيرية مثل بيان الحزب الشيوعي في نهاية مايو 1971م والذي عدد فيه جرائم النظام ومآسيه، هكذا تواصلت الحملة، وفي هذه الظروف وقع انقلاب يوليو1971م، وبعد فشل الانقلاب استكمل النميري حملته الصليبية ضد الشيوعيين، باعدام قادة الحزب الشيوعي من مدنيين وعسكريين وتم اعتقال وتشريد الالاف من الشيوعيين والديمقراطيين ، اضافة للمحاكمات غير العادلة، ولكن الحزب الشيوعي صمد أمام تلك العاصفة وبدأت فترة جديدة في مقاومة النظام مع قوى المعارضة الأخري، حتي تمت الاطاحة به في انتفاضة مارس ابريل 1985م.

هكذا أوضحت التجربة أن الصراع الداخلي في الحزب لم يكن معزولا عن الصراع الطبقي الدائر في المجتمع حول اى الطريق يسلك: طريق يميني يفضي للتنمية الرأسمالية ام طريق انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية بافقها الاشتراكي.

ومهما اختلفت اشكال الصراع، فان المحتوي واحد: الغاء الوجود المستقل للحزب، والهجوم علي مرتكزاته الفكرية(الماركسية)، والهجوم علي منطلقاته الطبقية ( التعبير عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين)، والهجوم علي كادره القيادي(نلاحظ أن جل وثائق انقسامي 1970، كانت هجوما شخصيا علي الشهيد عبد الخالق محجوب)..الخ.

كما اكدت التجربة أن كل الانقسامات السابقة لم تنجح في ادعائها ببناء حزب جديد ديمقراطي ومتطور، بل اصابها داء الانقسامات الاميبية، كما حدث في انقسام 1952، وانقسام 1970م، ومجموعة “حق” 1994م، فلا حافظ الانقساميون علي حزبهم ولا بنوا شيئا جديدا يفيد ويوسع من دائرة التقدم والاستنارة.

كما أن من اهم دروس الصراع الفكري الداخلي هو الا ينكفي الحزب علي نفسه وينشغل بصراعاته الداخلية، بل يجب الا ينعزل ذلك الصراع عن نشاط الحزب الجماهيري، والذي من خلاله تمتحن صحة الآراء المصطرعة داخل الحزب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.