تلفـــــون وصــــراع الأقدميــــة الضائعـــــة!
كتب: آدَمْ أجْـــــــــــــرَىْ
.
ثمة مثالب أو ميزات -لافرق- لدى بعض النشطاء أو أكثرهم، متمثلة فى عدم قدرتهم على خلع نشاطهم السياسى وتقاعدهم عنه مهما كلفهم الأمر رغم أنه عمل طوعى، الذين يُضاق عليهم فى كيانات يلجأون إلى مواعين قريبة إلى فكرهم، وأحياناً مضادة. لفظهم يحولونه إلى مفتاح لعمل جديد، أو بأنفسهم يتحولون إلى معاول هدم وحفر، ذلك أن السياسة لدى البعض مهنة شهوة وإدمان، البقاء فى دائرة الضوء والفعل مجد، والخروج منه إنتحار.
ما سبق، قاعدة عامة ولا يُقصد بها القائد تلفون الذى يحظى بالإحترام الذى يستحقه منا. لقد سبق كل من الحلو، عقار، جلاب، دانيال إلى الجيش الشعبى لتحرير السودان، ولا أحد من الأحياء ينافسه فى ذلك إلا رفيق دربه يوسف كرة. لكن ساعة مُضيّه مع الثلاثة الآخرين إلى الكفاح المسلح، لم يكن الحلو بعيداً عن دهاليز ما كان يجرى، ظل متابعاً لصيقاً منسقاً لشؤونهم مثل تقديمهم للحركة الشعبية فى الخرطوم، إجتماعاتهم، إجراءات سفرهم. كان واحداً من مهندسى سياساتها وحلقة الوصل بينها وبين أبناء جبال النوبة، ومجموعته فى الخرطوم كانت الأوثق صلة ودراية بتفاصيل ما يحدث فى الغابة، هو من إستلم خطاب يوسف كوة الذى إستدعى به الآخرين بعد أن سبقهم إلى النضال المسلح. فإقتضت مصلحة التنظيم بقاءه مع آخرين من قادة تنظيم كمولو بالداخل للعمل على بناء الجيش الشعبى وتأمين المراسلات. أفراد ذلك التنظيم وعضويته الممتدة كانوا يعملون بتجرد دون إعتبار لمصائرهم الشخصية، يتحركون كالنمل، فلم يكترثوا بإعادة التشكيل التى تتم والأقدمية العسكرية التى أخذت تُبنى.
رغم أسبقية كوكو على مالك عقار تمكن الأخير من الوصول إلى قيادة قطاع الشمال خلال الفترة التى تلت أستشهاد د جون قرنق وقبله رحيل عوض الكريم ويوسف كوة، ثالث الأربعة يوسف كرة أبدى زهده، رابعهم يواجه مشاكل إدارية مؤثرة على رصيده السياسى، والحلو المسنود بتوصية الراحل يوسف كوة بخلافته، رغب عن المنصب، غادر السودان فأتى مالك رئيساً.
الإجراء لم يكن مرضياً لتلفون كوكو، ثم تدحرجت الكرة مدفوعة بحاجته إلى بناء قاعدة جماهيرية، دفعته إلى الترحيب بكل من يقصده ما يعنى تشريع بابه لمختلف التيارات. من هذه النافذة دخل إليه الإسلامويون مبكراً بنيّة سحبه من مشروعه إلى آخر مضاد، وقد أتى قبوله التنافس فى إنتخابات جنوب كردفان -رغم غيابه وضعف فرص فوزه- لغايتين، إحداهما خاصة به فى سياق إثبات الحضور، والأخرى تخص مدراء وممولى حملته الإنتخابية. من طريقة إدارته سياساته وعلى سبيل المقاربة يلاحظ حضور عنصرين آخرين: أولهما تفاديه السعى إلى الإتفاق مع أى من القادة الآخرين على بناء هدف مشترك، لم يتفق مع مالك عقار، لم يعترف بوصول الحلو إلى القيادة، لم ينسق عملاً ظاهراً مع دانيال كودى، لم يبد إستعداداً للتعاون مع خميس جلاب، ويُفهم من ذلك عدم إستعداده للتخلى عن أقدميته العسكرية والخضوع لإمرة الأحدث منه. تلك قاعدة لها أهميتها للعسكريين وغيرهم قد لا يتفهمونها..
ثانيهما يتمثل فى سعيه الحثيث وبمختلف المسوغات إلى عزل الحلو، مثل إتهامه بالفشل، وتكثيف الإشارات إلى عدم نوبيته، إلحاده شيوعيته، عدم شرعيته…إلخ، وقد أتى المؤتمر الأخير الذى أعلن فيه حركة شعبية موازية أخرى، وإعلانه عزله بنفس طريقة جلاب فى عزل عقار، تأكيداً لهذا المسعى المعروف الذى لا يخفيه رغم العقبات والبون الشاسع بين الفكرة والتطبيق.
والنشطاء السياسيون! ماذا عنهم؟ من تساقطوا خلال مسيرة الحركة الشعبية، أو إختلفوا مع رفقاءهم فى أسلوب العمل، أو تعرضوا لأوضاع لم ترضيهم، لم يذهبوا بعيداً، إنضموا إلى نسخ موازية ذات فعالية محدودة، منها ما حققت إختراقات وتبضعت من سوق مباحثات السلام.
الأحداث تتداعى والذين بقوا حول تلفون كوكو يقلقهم المصير، عودتهم الخرطوم بدون وثيقة سلام ستضعهم فى ركن ضيق، وقد مارسوا ضغوطاً لأجل الوصول إلى طاولة التفاوض بأى ثمن، والإعلان الذى حققوه، خطوة يرون أنها توصلهم إليها. باقى الملتفين حول كوكو هم إسلامويي جبال النوبة ممن كانوا يحتاجون ظهيراً يتمتع برصيد إجتماعى سياسى، يقبل بهم ويساعدهم فى العودة إلى حواضنهم دون الإضطرار لتبديل جلودهم، هؤلاء مرجعياتهم بعيدة وينتظرون عودة قريبة يتصورونها، هم أكثر الفئات تعويقاً وتعقيداً لحالة تلفون كوكو، تؤرقهم علمانية مشروع السودان الجديد، وفى الوقت ذاته يحلمون بحركة شعبية إسلامو_عروبية..