مصالحة الإسلامويين لاستكمال تصفية الثورة

0 57

كتب: تاج السر عثمان بابو 

.

• الدعوة لمصالحة الإسلامويين هي لاستكمال تصفية الثورة، لكن ثورة ديسمبر جذورها عميقة، وهي تتويج لنهوض الحركة الجماهيرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية..

• تتجاهل دعوات المصالحة مع الإسلامويين، تجاربهم السابقة في تقويض الديمقراطية..

• حتمًا سوف تنهض الجماهير مرة أخرى لاسترداد ثورتها في أوسع تحالف لقواها الثورية والحية..

 

1

وجدت دعوة المصالحة أو التسوية أو المساومة التاريخية مع الإسلامويين استنكارًا واسعًا من قوى الثورة باعتبارها “خيانة للثورة”، “دعوة حق أريد بها باطل”… الخ فكيف ندعو للتسوية معهم وثورة ديسمبر لم تستكمل مهامها في تفكيك التمكين والمحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة، وتقديم المطلوبين في جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية إلى لاهاي والمحاكمة الخ؟؟!!.

لا يغير من دعوات المصالحة المرفوضة حقيقة تراجع الداعين للمصالحة بعد الاستنكار الواسع من ثوار ديسمبر لتلك الدعوات، بقولهم أنهم لا يقصدون المصالحة مع من أفسدوا وأجرموا في حق الشعب السوداني، وليس المقصود المساومة في الفترة الانتقالية الحالية… الخ، لكنها في حقيقة الأمر تهدف لإيجاد مخرج لهم من المحاسبة واستعادة أموال الشعب المنهوبة، ولتكريس استمرار الفساد والديكتاتورية في الحياة السودانية، كما في رفض الإسلامويين بعد ثورة أكتوبر 1964 بقيادة د. الترابي محاكمة قادة انقلاب 17 نوفمبر تحت شعار “عفا الله عما سلف” والذي أدى لاستمرار الحلقة الجهنمية الشريرة من الانقلابات العسكرية بعد فترات ديمقراطية قصيرة، كما تهدف الدعوة لتنفيذ مخطط “الهبوط الناعم” لإعادة سياسات النظام البائد القمعية والاقتصادية والتفريط في السيادة الوطنية والحلول الجزئية التي تكّرس المحاصصات والفساد والنهب لأراضي وثروات البلاد المعدنية والزراعية والحيوانية، وتهدد وحدتها كما في وجود مليشيات الدعم السريع والإسلاميين وجيوش الحركات الحالي بعد اتفاق جوبا.

تجسدت دعوات المصالحة في: دعوات د. الشفيع خضر، وقادة الجبهة الثورية مثل: مناوي الذي دعا حتى للمصالحة مع حزب المؤتمر الوطني المحلول!!، وجبريل إبراهيم وزير المالية حاليًا الذي دعا لمصالحة وطنية شاملة، فلا يستطيع أي طرف إزالة الإسلاميين من الوجود، هذا أمر غير واقعي، ومالك عقار الذي دعا إلى التصالح مع القيادات الإسلامية المعتدلة من النظام السابق!!، وأنه لا بد من المصالحة حتى تخرج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية (للمزيد من التفاصيل: راجع موقع أفريقيا برس: 25 /7 / 2021).

تواصلت دعوات المصالحة مع الإسلامويين حتى دعوة د. النور حمد الأخيرة التي أشار فيها أنه لا بد من المصالحة مع الإسلامويين.

 

2

المشترك في كل الداعين للمصالحة مع الإسلامويين أنهم كانوا واقفين ضد إسقاط النظام قبل ثورة ديسمبر، ودعوا للحوار مع المؤتمر الوطني على أساس خريطة الطريق لأمبيكي والمشاركة في انتخابات 2020 التي نتيجتها محسومة سلفًا بالتزوير لصالح البشير، واختطفوا الثورة بعد انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد الذي قطع الطريق أمام الثورة، وتحالف مع قوى “الهبوط الناعم” في “قوى الحرية والتغيير” حتى توقيع الوثيقة الدستورية المعيبة بدعم إقليمي ودولي لا يرغب في وجود نظام ديمقراطي راسخ في البلاد يكون منارة للديمقراطية والحرية في المنطقة، بعد مجزرة القيادة العامة التي كرّست الحكم العسكري ومصالح الرأسمالية الطفيلية، وتم تعطيل إنجاز مهام الفترة الانتقالية، كما في:

الهجوم علي الشيوعيين بإشاعة أن الحكومة حكومة شيوعيين، في حين أن الحزب قرر عدم المشاركة في المجلسين السيادي والوزاري، واستنكار وجود شيوعيين في قيادة الخدمة المدنية مثلهم كالآخرين بمعيار الكفاءة، بل المطلوب ارجاع المزيد من المفصولين للخدمة من الشيوعيين وغيرهم للخدمة.

 

البطء في تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة، تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية بالسير في الخضوع لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين بعد تجاهل توصيات المؤتمر الاقتصادي.

البطء في القصاص لشهداء مجزرة القيادة العامة وبقية الشهداء، عدم إلغاء القوانين المقيدة للحريات والقمع الوحشي للتجمعات والمظاهرات السلمية، وإشعال الفتن والحروب القبلية في دارفور والشرق وجبال النوبا، وإجازة قانون النقابات 2021 الذي يهدد وحدة الحركة النقابية وديمقراطيتها واستقلالها وعدم إصلاح النظام العدلي والقانوني، والانقلاب على “الوثيقة الدستورية “كما في اختطاف عملية السلام من مجلس الوزراء والتوقيع على اتفاق جوبا الذي تعلو بنوده على الوثيقة الدستورية وتكوين مجلس الشركاء، وتعطيل قيام التشريعي والمفوضيات، تدهور الأوضاع في دارفور واستباق المؤتمر الدستوري في إعلان الحكم الإقليمي لدارفور وتعيين مناوي حاكمًا لدارفور، تجاوز المجلس التشريعي في إصدار قوانين هي من صميم اختصاصاته مثل: إجازة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قانون الاستثمار، قانون التعدين، إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل للعام 1958… الخ، والتطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني، والتهاون مع الفلول في تخريب الاقتصاد وإشعال الفتن القبلية في الشرق والغرب وجنوب كردفان… الخ، ونسف خطوط السكة الحديد، وتخريب محطات الكهرباء والمياه، نسف الأمن وتهريب العملة والسلع وتجارة المخدرات والبشر والمضاربة في الأراضي، وتأخير تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، وتعطيل محكمة قادة انقلاب 30 يونيو 1989، وعدم هيكلة الشرطة والجيش والأمن وإصلاح النظام العدلي والقانوني وقيام المحكمة الدستورية ومجلسي القضاء العالي والنيابة، وعدم حل المليشيات من دعم سريع وجيوش الحركات ومليشيات الإسلامويين وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وعدم عودة شركات الجيش والأمن والدعم السريع والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات للدولة، وتغيير العملة، والتفريط في السيادة الوطنية كما في الارتباط بالأحلاف العسكرية (اليمن- الأفريكوم- الحلف العسكري مع مصر… الخ)، وربط البلاد بمؤتمرات “شاتم هاوس” والمانحين وباريس وإدخال البلاد في الدول المثقلة بالديون “الهيبك” المدمر للاقتصاد بالمزيد من تنفيذ شروط الصندوق القاسية التي تسحق الكادحين مقابل الوعد بالإعفاء من الديون، وقيام قواعد عسكرية لروسيا وأمريكا على البحر الأحمر، والتفريط في أراضي البلاد (حلايب، شلاتين، الفشقة… الخ)، حتى وصل الأمر للصفقة الاماراتية المعيبة حول الفشقة التي رفضتها جماهير شعبنا.

إضافة للاستمرار في أساليب النظام في الأكاذيب والمراوغة وعدم الشفافية والمبدئية وخرق العهود والمواثيق كما في الانقلاب على “الوثيقة الدستورية”، وتوصيات المؤتمر الاقتصادي، والخضوع لابتزاز الإسلامويين كما في إبعاد د. القراي من إدارة المناهج، وبروفيسور محمد الأمين التوم من وزارة التربية والتعليم، وعدم إعادة تعيينه بحجة الفحص الأمني!!، وحتى الآن وزارة التربية بلا وزير في حكومة ثورة!! وجاءت مبادرة حمدوك لتؤكد الفشل في إنجاز مهام الفترة الانتقالية التي أشار إلى قضاياها في حين المطلوب تنفيذها.

بالتالي، فإن الدعوة للمصالحة مع الإسلامويين هي تحصيل حاصل وتهدف لاستكمال تصفية الثورة.

 

3

كما تتجاهل دعوات المصالحة مع الإسلامويين، دون التقييم الناقد لتجربتهم السابقة ومحاسبتهم واسترداد الأموال المنهوبة، تجاربهم السابقة في تقويض الديمقراطية، ونقضهم للعهود والمواثيق في فترة ديكتاتوريتهم بعدم تنفيذ اتفاقية نيفاشا مما أدى لفصل الجنوب، واتفاقية أبوجا مع مناوي، ونافع – عقار، الدوحة، واتفاقية الشرق، والتراضي الوطني مع الصادق المهدي، واتفاق القاهرة مع التجمع الوطني، وكلها تحولت لمحاصصات، ووظائف، ولم تحدث تنمية كما في دارفور والشرق والمنطقتين، فكيف يتم الثقة في هؤلاء؟؟!!.

عندما أشرنا سابقًا إلى أن الهجوم على الحزب الشيوعي مقدمة لمصادرة الديمقراطية لم نلق قولًا ثقيلًا على عواهنه، لكن استندنا على ما حدث في الفترة الانتقالية بعد ثورة أكتوبر 1964 عندما شنت القوى المضادة للثورة هجومًا على الشيوعيين الذين كانوا مشاركين في حكومة أكتوبر الأولى وهددوا رئيس وزرائها سر الختم الخليفة بالمليشيات المسلحة حتى تمت استقالته، وتكوين حكومة أكتوبر الثانية التي قررت الانتخابات المبكرة بدون الجنوب، وجرت الانتخابات التي فاز فيها الحزب الشيوعي ومؤيدوه ب 11 دائرة في انتخابات الخريجين من 15 دائرة، ولكن الإخوان المسلمون وحلفائهم من الأحزاب التقليدية ضاقوا بالديمقراطية والمناقشات من النواب الشيوعيين التي كانت تنشر الوعي وسط المواطنين بحقوقهم من، وفبركوا مؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، وهاجموا دور الحزب الشيوعي واستباحوا العاصمة بالمليشيات المسلحة التي وصفها الشهيد عبد الخالق محجوب بـ”عنف البادية” وقوضوا استقلال القضاء الذي حكم بعدم دستورية الحل، مما أدى لأزمة عميقة في البلاد أدت لانقلاب 25 مايو 1969.

المثال الثاني بعد انقلاب 25 مايو اشتد الهجوم على الشيوعيين حتى مجازر 22 يوليو 1971، مع أكاذيب بتدبير الشيوعيين لانقلاب 19 يوليو 1971، ولمجزرة قصر الضيافة، وأحداث الجزيرة أبا، بعدها جاءت فترة سوداء وترسانة من القوانين المقيدة للحريات السياسية والنقابية، ولكن استمرت المقاومة رغم تحالف الأمة – الصادق المهدي والاتحادي – الميرغني، والإخوان المسلمين – الترابي مع نظام مايو وشاركوا في النظام الشمولي الديكتاتوري الفاشي في المصالحة الوطنية 1977، حتى خروج الأمة بقيادة الصادق المهدي من المصالحة بسبب تأييد النميري اتفاق كامب ديفيد للصلح مع إسرائيل (الآن حزب الأمة في شراكة الدم رغم التطبيع مع إسرائيل وإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل للعام 1958)، والسير في القمع وتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي منذ العام 1978 التي أفقرت الجماهير، واستمرت المقاومة الجماهيرية رغم قوانين سبتمبر 1983 واستشهاد الأستاذ محمود محمد طه، وخرق اتفاقية أديس أبابا وتجدد حرب الجنوب، واتفاقية الدفاع المشترك مع مصر والتحالف العسكري مع أمريكا كما في مناورات النجم الساطع وترحيل اليهود الفلاشا إلى إسرائيل، حتى تمت انتفاضة أبريل 1985 التي أطاحت بالنظام عن طريق الإضراب السياسي العام والعصيان المدني.

وبعد انتفاضة أبريل 1985 التي قطع تطورها انقلاب الفريق سوار الذهب الموالي للجبهة الإسلامية، وتم تعطيل مهام الفترة الانتقالية في تصفية أثار مايو وقوانينها القمعية وقوانين سبتمبر 1983 التي وصفها رئيس الوزراء الصادق المهدي بأنها لا تساوي الحبر الذي كُتب به، واستمر الهجوم على الحزب الشيوعي والأكاذيب و”الفبركة ” ضد أعضاء الحزب الشيوعي “كما في حادث الدمازين”، والاتهامات ب”الطابور الخامس” من قبل الإخوان المسلمين (الجبهة القومية الإسلامية)، ولكن استمرت مقاومة الحركة الجماهيرية والنقابية للزيادات في الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية والسياسية والأمنية واتساع نطاق الحرب في الجنوب وتكلفتها المادية والبشرية الباهظة، حتى قيام الإضراب السياسي العام والعصيان المدني في 1988 الذي أطاح بحكومة الوفاق (الأمة – الاتحادي الديمقراطي، الجبهة القومية الإسلامية)، وتم تكوين الحكومة الموسعة (وهذا مثال من التجربة العملية لإسقاط حكومة الوفاق دون إسقاط النظام الديمقراطي)، واتفاقية الميرغني – قرنق التي توصلت لحل سلمي لمشكلة الجنوب، لكن ضاق الإخوان المسلمون بالديمقراطية ودبروا انقلاب يونيو 1989 الذي أدى لتصعيد الحرب وفصل الجنوب والإبادة الجماعية في دارفور التي وصلت إلى 500 ألف شخص وأكثر من 2 مليون نازح، إضافة لجرائم الحرب في جبال النوبا وجنوب النيل الأزرق، وتعذيب واعتقال الألاف من المعارضين السياسيين وفصل أكثر 450 ألف شخص من الخدمة المدنية والعسكرية، إضافة للجرائم ضد الإنسانية كما تعذيب الشهيد د. علي فضل حتى الموت ومجازر بورتسودان وكجبار والعيلفون، وانتفاضة سبتمبر 2013، ومقتل طلاب الجامعات، وغير ذلك من الجرائم التي تتطلب المحاسبة، إضافة للتمكين ونهب ممتلكات الدولة وغير ذلك من الجرائم، واستمرت المقاومة الجماهيرية حتى الإطاحة برأس النظام في ثورة ديسمبر 2018، وتلك جرائم كبرى لا يمكن تجاوزها دون المحاسبة والعدالة والقصاص للشهداء واسترداد الأموال المنهوبة.

 

4

كما أن الذين يدعون للمصالحة مع الإسلامويين من قوى “الهبوط الناعم” يهاجمون الحزب الشيوعي لدعوته لإسقاط سلطة شراكة الدم، ويتهمونه بالجمود، إلا أنهم هم الجامدون الذين لا يرون بديلًا لشراكة الدم وتعدد الجيوش والمليشيات الذي يهدد وحدة البلاد ونهب ثروات البلاد، وإرتهانها للخارج.

هؤلاء لا ينظرون للواقع في تطوره وحركته وتبدله، ويتجاهلون أن هذه ليست المرة الأولى التي تعرض فيها الحزب الشيوعي للهجوم لموقفه من إسقاط النظام، فقد طرح الحزب الشيوعي منذ تأسيسه في العام 1946 إسقاط الحكم الاستعماري كما في شعار الجلاء التام وتقرير المصير للشعب السوداني، وتعرض لقمع من الحكم الاستعماري، وأكاذيب من كتاب وصحفيين ومثقفين موالين للاستعمار، إضافة لقانون النشاط الهدام الهادف لقمع الحزب الشيوعي والحركة الوطنية، وواصل مع الحركة الوطنية المقاومة ضد الجمعية التشريعية التي كان الهدف منها قطع الطريق أمام الثورة ضد الاستعمار، حتى نجحت الحركة الوطنية في تحقيق الاستقلال عام 1956، وإلغاء قانون النشاط الهدام في أول برلمان سوداني.

أما المثال الثاني: عندما طرح الحزب الشيوعي شعار الإضراب السياسي العام لإسقاط ديكتاتورية عبود في أغسطس عام 1961، وقدمه لجبهة أحزاب المعارضة التي رفضت الشعار باعتباره ضرب من الخيال، وعندما استمرت جبهة المعارضة في المهادنة مع نظام عبود انسحب الحزب منها، وتوجه لفئات الجماهير المختلفة داعيًا للإضراب السياسي، وفي صراع ضد التيار الانتهازي اليساري الذي دعا للنسخ الأعمى لتجربة الصين في الكفاح المسلح، واستحالة تحقيق الإضراب العام، حتى كانت لحظة الانفجار في ثورة أكتوبر ونجح الإضراب السياسي العام في إسقاط النظام.

المثال الثالث: بعد انقلاب 25 مايو 1969، طرح الحزب الشيوعي شعار الإضراب السياسي العام بعد النهوض الجماهيري في أغسطس 1973 في دورة اللجنة المركزية في يناير 1974، ووجد الشعار مقاومة من مثقفي وتكنوقراط وصحفي وكتاب مايو الذين أشاروا إلى استحالة تكرار تجربة الإضراب السياسي العام مرة أخرى كما حدث في أكتوبر 1964، وطرحوا السؤال كما اليوم: البديل منو؟ واذا سقط النظام البديل الطائفية… الخ، كما رفضت قوى المعارضة اليمينة شعار الإضراب العام، وواصلت بعد فشل أحداث الجزيرة أبا في العمل المسلح من الخارج كما في حركة 2 يوليو 1976 التي فشلت أيضًا، وبعد ذلك طرحت قوى المعارضة اليمينية الحوار مع النظام بوساطة سعودية، وتم لقاء بورتسودان بين الصادق المهدي والنميري في بورتسودان الذي أدى للمصالحة الوطنية عام 1977، والتي رفضها الحزب الشيوعي والاتحادي جناح الشريف الهندي، وحزب البعث… الخ، وشاركت فيها أحزاب: الأمة – الصادق المهدي، الاتحادي – الميرغني، الإخوان المسلمون – د. الترابي، لكن ذلك لم ينقذ النظام كما أشرنا سابقًا، وتواصلت المقاومة الجماهيرية حتى الانتفاضة في أبريل 1985 والإضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي أطاح بحكم الفرد.

المثال الرابع: طرح الحزب الشيوعي شعار الإضراب السياسي والعصيان المدني في دورة اللجنة المركزية في أغسطس 2015، وضرورة تكوين لجان المقاومة في مجالات العمل والدراسة والأحياء، ورفض الحوار مع النظام قبل تحقيق مطلوباته، كما رفض حوار “الوثبة” والحوار على أساس خارطة الطريق، والمشاركة في انتخابات 2020 التي دعت إليها أحزاب “الهبوط الناعم” كما في كتلة “نداء السودان”، وبعض الكتاب والصحفيين المثقفين، والكتاب الإسلامويين مع عمر البشير الذي كان يشير إلى أن البديل لنظامه تفكك السودان ويصبح مثل: اليمن وليبيا، ولكن تواصل نهوض الحركة الجماهيرية حتى اندلاع ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت برأس النظام.

وخلاصة الأمر الدعوة لمصالحة الإسلامويين هي لاستكمال تصفية الثورة، لكن ثورة ديسمبر جذورها عميقة، وهي تتويج لنهوض الحركة الجماهيرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية والسلام والتنمية المتوازنة، والوحدة والسيادة الوطنية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وحتمًا سوف تنهض الجماهير مرة أخرى لاسترداد ثورتها في أوسع تحالف لقواها الثورية والحية لإسقاط شراكة الدم وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يحقق أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.