وزيرة الخارجية بالمحاصصة… الضبط على التوقيت المحلي لمدينة القاهرة

0 161

كتب: أحمد القاضي 

.

ترى هل هي حقآ سليلة ذلك الحزب، الذي كان قديمآ حائط صد للأطماع المصرية في السودان، وتمكن في الأول من مارس 1954 م، من إحباط مشروع وحدة وادي النيل، بمنع رئيس مصر آنذاك اللواء محمد نجيب، من إفتتاح أول برلمان سوداني، وإرغام الحزب الداعي لوحدة وادي النيل، صاحب الغالبية في ذلك البرلمان، على إعلان إستقلال السودان، بعيدآ عن مصر وجشعها….كيف إنتهى حزب الأمة على يدها في هذه الأيام، منبتآ عن أدبياته وتوجهاته التاريخية، المناهضة لسياسات الخديوية تجاه السودان، القائمة على عدم إحترام سيادته، والتعامل معه كحديقة خلفية لها..

 

صورتان

صورتان نشرتا في الميديا المصرية، ثم تناقلتهما المنصات الاجتماعية السودانية، وفيهما وزيرة المحاصصة مغروسة بين فريق الخارجية المصرية برئاسة سامح شكري…. والصورتان في نيويورك، حيث ذهبا ليشكيا أثيوبيا إلى مجلس الأمن الدولي، بصدد سد النهضة….وفي الصورتين جلست وزيرة المحاصصة، بينهم وحيدة بلا فريق ولا مستشارين، محطمة كل قواعد البروتوكل الدبلوماسي، ومتماهية تمامآ في الفريق الدبلوماسي المصري، والتماهي هو مفهوم فرويدي ينزع فيه الواحد لا شعوريآ، ليكون جزءآ من الآخر الذي هو نموذجه ومثله الأعلى…..ودعونا نرى كيف تبدو الصورة الأولى : هي عن اجتماع رسمي، يتسيده وزير الخارجية المصرية سامح شكري، وفيها تجلس وزيرة المحاصصة، في زحام غمار الدبلوماسيين المعاونين للوزير المصري …أما الصورة الثانية فهي كما تبدو : عن إستراحة لتناول وجبة خفيفة، وقد إنكفأت وزيرة المحاصصة على الطاولة، وكأنها في جلسة بيتية، وبدت كتلميذة تراجع دروسها……هكذا كسرت كل قواعد البروتوكول، وتنازلت عن مقام الوزارة وحقوقها في الضيافة المراسمية، بوصفها تمثل سيادة السودان بحكم وظيفتها، وقبلت أن تكون واحدة من فريق سامح شكري بملء إرادتها، وسعادتها البادية في لغة الجسد Body Language ….هل كان سامح شكري سيقبل بأن يستضاف هكذا بــــ(رفع الكلفة) على (بساط أحمدي) دون الإلتزام بقواعد البروتوكول؟

 

شخصية من الأحاجي السودانية

ولا نذهب بعيدآ إذا قلنا أن عظام السادة عبد الرحمن المهدي وعبد الله خليل ، قد تحركت في قبريهما من هول الصدمة الناجمة عن الصورتين، اللتين توثقان للكيفية التي إبتذلت بها حفيدتهم (الطفلة المدللة) الدبلوماسية السودانية وداست على سيادة السودان والقت بشعار (السودان للسودانيين) في المزابل المصرية……عندما زارت المغنية المصرية أم كلثوم، السودان في أواخر ديسمبر 1968 م، خرج لإستقبالها بنفسه في المطار(!) وزير الإعلام آنذاك عبد الماجد أبو حسبو (من الحزب المنادي بوحدة وادي النيل) وإنحنى أمامها محييآ لها في حالة ركوع تام، فصدرت صحيفة ( صوت الأمة) لسان حال حزب الأمة حينها، في اليوم التالي وفي صدر صفحتها صورة الوزير الراكع أمام المغنية المصرية، وتحتها تعليق قاس على ذلك التذلل، الذي أراق سيادة السودان تحت أقدام مغنية، لا شأن للشعب السوداني المفطور على السلم الخماسي بها وبأغنياتها…..فما هو تعليق حزب الأمة هذه المرة، على صور وزيرة المحاصصة، وهي في خضمة الفريق الدبلوماسي لسامح شكري بـكل (سبهللية) بروتوكولية؟……لقد ظلم الإمام الصادق المهدي إبنته وظلم السودان، عندما تهيأ له أنها ستكون أنديرا غاندي السودان، او ربما مارقريت تاتشر أفريقيا، فإذا بها تجسّد شخصية من الأحاجي السودانية، هي البصيرة أم أحمد التي قالت لمن إستشاروها، في أمر عجل علق رأسه في ماجور عجين : أذبحوا العجل…وبعد أن ذبحوا العجل بقي الرأس عالقآ في الماجور، فقالت : أكسروا الماجور…..فمن المثير للسخرية أنها كانت قد هددت، باللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، إثر فشلها وفشل (أخيها الأكبر) سامح شكري، في إستصدار قرار ضد أثيوبيا من مجلس الأمن الدولي في شهر يوليو المنصرم، بشأن سد النهضة العظيم… وهذا يعكس جهلها وهي وزيرة خارجية، بمهام هيئات ولجان الأمم المتحدة.

 

رحلات جليفر

ففي الثلاثة أشهر الماضية منذ توليها أهم وزارات السيادة، كشفت عن جهلها الكبير بالسياسة والعلاقات الدولية والبروتوكول…فبعد ثلاثة أيام من أدائها للقسم، زارها السفير المصري بمكتبها ووجه لها دعوة لزيارة القاهرة، فهرولت إليها قبل أن تتعرف على موظفي وزارتها، وتطّلع على قائمة الموضوعات التي تنتظرها في أجندة الوزارة….فكانت تلك الزيارة الكارثية الفضائحية، التي بدت فيها ضعيفة مهزوزة متهافتة، ودعت فيها المصريين الى القدوم وتعمير السودان، الذي يعاني بزعمها من قلة السكان، وكأني بها لا يكفيها إحتلال مصر لحلايب، التي تعادل مساحتها مساحة لبنان مرتين….ومنذ تلك الزيارة المشؤومة، تأبطت ملف سد النهضة، الذي أصبح شغلها الشاغل الوحيد، وتحولت إلى ماكينة لإعادة إنتاج، تصريحات السيسي وسامح شكري وبقية المسؤولين المصريين……وإنغمست في أضاليل الإعلام المصري، المشهود له بالغوغائية والأكاذيب والتلفيقات، ويكفي مثالآ ما كانت تبثه الإذاعات والصحافة المصرية خلال حرب 5 يونيو 1967 ضد إسرائيل، بأن القوات المصرية تقترب من تل أبيب، بينما في الواقع كانت القوات الإسرائيلية المنتصرة، تقترب من قناة السويس بعد إنهيار الجيش المصري وتشتته وهروبه….وبلغ بها الأمر أن تفوقت على (جليفر)، برحلاتها المكوكية بين الخرطوم والقاهرة وأبي ظبي وعواصم أفريقية أخرى، وقد أحصاها البعض بخمس وعشرين سفرة، تزيد أو تنقص قليلآ، في ثلاثة أشهر فقط …… وتدرّ عليها كل رحلة الفآ من الدولارات (حسب تقرير نشرته الميديا) وذلك تحت بند ما يسمى بــــ(مصروفات جيب) في بلد دخل قبل أسابيع ضمن التصنيف الدولي للبلدان الأكثر فقرآ، ليصبح من المستحقين للصدقات والإعفاء من الديون.

 

مياه النيل الوعد والوعيد

وكما أسلفنا فإنها في رحلاتها وقيامها وقعودها، تحولت إلى ماكينة لإعادة إنتاج نفس التصريحات، التي يطلقها سامح شكري وبقية المسؤولين المصريين….ولا ندري عدد المرات التي أعادت فيها تكرار عبارة ((التعنت الأثيوبي))……وعبارة ((التعنت الأثيوبي)) هي كلمة السر في الحملة التضليلية والحرب النفسية، التي شنتها ولا تزال تشنها الدولة المصرية، بجميع أجهزتها وأذرعها الإعلامية والإستخباراتية، وخدمها في السودان ضد أثيوبيا….وثمة سؤال يطرح نفسه هنا، هل إطلعت وزيرة المحاصصة على كتاب والدها الإمام الصادق المهدي [مياه النيل …الوعد والوعيد] الذي صدر في العام 2000 ميلادية؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فكيف تكون قد قرأت كتاب والدها، ثم بعد رحيله بخمسة أشهر فقط، تتحول إلى دمية في يد سحرة فرعون؟ هل هي واقعة تحت ضغوط لا طاقة لها بها، من قبل الأجهزة المصرية؟ إنه تحول دراماتيكي وبالتالي تغيّر معه وجه حزب الأمة، إلى حزب مصري النزعة.

 

سردية الإمام الصادق المهدي

لو إطلعت وزيرة المحاصصة على سردية والدها، عن مظلومية دول حوض النيل، وشكواها من مصر في كتابه (مياه النيل… الوعد والوعيد) لشعرت بالخزي وهي تعيد وتكرر ببغائية لا تليق بمنصب وزيرة، لــ(أكليشيه) التعنت الأثيوبي، الذي يردده سامح شكري صباح مساء ……ودعونا نرى من هو المتعنت الحقيقي، الذي يحاول إخفاء أسنانه الصفراء…..يقول الإمام الصادق المهدي في مطلع كتابه، أنه حين غادر السودان في ديسمبر 1996 (يقصد عملية تهتدون) غادره عبر الحدود الأرترية، والتقى بالقيادات الرسمية والشعبية لدولتي أرتريا واثيوبيا، حيث جمعه لقاء برئيس وزراء أثيوبيا ملس زيناوي في فبراير 1997 م، الذي راح يحدثه عن أوضاع مياه النيل، وقال له بالحرف الواحد كما ورد في الصفحة الثامنة من كتابه || أن أثيوبيا محرومة من مورد طبيعي ينبع من أراضيها وهذا وضع ظالم وشاذ| والآن قد صرنا حريصين على فتح الملف، فإن حرصنا هذا يواجه بالإعراض | إن لنا حقوقآ في مياه النيل ونحن في أمس الحاجة لها للري وللإنتاج الكهرمائي | هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم | أ.هــ…….تصوروا البلد الذي يحتضن بحيرة تانا يستجدي الماء، والبلد الصحراوي الذي يتوقف وجوده على أثيوبيا يحتكر الماء…هل يكفي أن نقول أنها معادلة ضيزى؟….ويمضي الإمام الصادق المهدي في سرديته ويقول 😐 أنه بعد ذلك بأسبوعين إلتقى الرئيس حسني مبارك ونقل له ما سمع من ملس زيناوي| ونبهه إلى ضرورة الاهتمام بالعلاقات المصرية الأثيوبية وخاصة ملف مياه النيل| فإستمع بإهتمام لما ذكر وأكد خطورته|…..ويضيف المهدي أنه عندما زار في ما بعد “معرض القاهرة للكتاب” | هاله أن شعارات حرب المياه تملأ جوانب المعرض معبرة عن توتر المسؤولين| وبذات العناوين المثيرة وجد كتبآ عن حرب المياه| مثل كتاب : (المياه …حرب المستقبل) و(حروب المياه في الشرق الأوسط) و(حروب المياه)| وغيرها |{{من الكتب، التي تعددت في صياغات العناوين، ولكن إتحدت في جعل الماء قرين الحرب!! }}| على حد تعبير الإمام الصادق وعلامتا التعجب من وضعه.

 

طبول الحرب المصرية ضد أثيوبيا قديمة التاريخ

 

وبعد أعوام قليلة من لقاء الصادق بحسني مبارك ونصيحته له بالإهتمام بالشكوى الأثيوبية، إتضح ان كلامه دخل من الأذن اليمنى لحسني مبارك وخرج من اليسرى دون أن يستقر في دماغه، حيث تقول وكالة الأناضول التركية بتاريخ 5 \ 11\ 2019 أنه [ في عام 2006، حذر الرئيس المصري، آنذاك، حسني مبارك، رئيس وزراء إثيوبيا حينها، ميليس زيناوي، من مغبة بناء سد على مجرى نهر النيل، عقب أنباء عن استعدادات لبنائه]……وبتاريخ 5\6\ 2013 نشرت قناة العربية في صفحتها الإلكترونية، تسريبآ لــ(ويكيليكس) نقلآ عن صحيفة (اليوم السابع) المصرية، مضمونه أن حسني مبارك طلب من الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير، السماح ببناء قاعدة عسكرية مصرية جنوب الخرطوم، لضرب السد الذي يزمع الأثيوبيون بناءه….وقبل مبارك بعقود إتخذ عبد الناصر والسادات مواقف مشابهة …عبد الناصر أرسل رسالة إلى الأمبراطور الاثيوبي هيلاسلاسي، حذره فيها من بناء أي سد….وهدد السادات في تصريح شهير، بأن مصر لن تتوانى عن إستخدام القوة، إذا مست حقوقها التاريخية في مياه النيل….أما في العصر الأخواني فإن الرئيس المصري محمد مرسي، جمع كبار المسؤولين وقادة النخب المصرية، لمناقشة كيفية التعامل مع سد النهضة، وفيه توافقوا على ضرورة قصف سد النهضة وتدميره، وقد نسي المجتمعون في غمرة الحماس، أن إجتماعهم ذلك كان منقولآ على الهواء مباشرة…..ترى هل أدركت “وزيرة المحاصصة ” الآن من هي المتعنتة ؟ وأن المتعنتة هي مصر وليس أثيوبيا بشهادة والدها، وأن المصريين ما كانوا يطيقون الإستماع -أي مجرد الإستماع – إلى شكوى أثيوبيا عن حاجتها للمياه من أجل الإنتاج الكهرمائي، وظلت أثيوبيا عقودآ تتلوى من الشكوى، والنيل الدافق حبشي الأصل (من منبعه وبحيرته)…. وكما يقول المثل : صاحب العرس مشتاق إلى المرق.

 

الود المصطنع

وهنا لابد أن نقف عند ملاحظة مهمة، وهي أن كتاب (مياه النيل الوعد والوعيد) ، مكتوب بأسلوب أقرب إلى الأسلوب الأكاديمي وبلغة حذرة ومحايدة، الأمر الذي أهَّله لتكون مؤسسة الأهرام هي ناشره، بالرغم من أن الإمام الصادق إستطاع أن يومئ بين السطور إلى إحتكار مصر لمياه النيل، دون أن يصرّح بذلك بأسلوب مباشر….فقد ذهب إلى مصر مهيض الجناح، بعد أن فقد السلطة والصولجان بإنقلاب الإسلاميين…..وفي واقع الأمر فإن هبوطه مصر في أوائل سنة 1997 م، في سياق عملية (تهتدون) وإجتماعه بالرئيس المصري حسني مبارك، وتوسطه بينه وبين ملس زيناوي بشأن مياه النيل، كان ضربآ من مسرح اللامعقول….لأنه في السنوات الثلاث، التي تولى فيها رئاسة مجلس الوزراء، بعد سقوط نظام النميري، إتسمت سياسته الخارجية بالتحالف مع ليبيا وإيران وبالتشدد تجاه مصر، حيث رفع في وجه النظام المصري ثلاثة مطالب : الأول : تسليم النميري لمحاكمته | الثاني: إعادة النظر في إتفاقية مياه النيل لسنة 1959 م | الثالث : إعادة النظر في إتفاقية التكامل التي وقعها نظام النميري مع مصر…..وكان مطلب إعادة النظر في إتفاقية مياه النيل لسنة 1959 م، الذي كرره الصادق في عدد من خطبه الرسمية وحوارته الصحفية، أكثر ما أزعج حسني مبارك فأصدر توجيهاته لمخابراته بإسقاط حكومته وتلك سردية أخرى….. وكان من طبيعة الأمور، أن ينتهي مسرح اللامعقول باللا معقول … فالود المصطنع الذي نزل به الصادق إلى القاهرة، إنتهى إلى خواتيم مرة المذاق، إذ طرد من القاهرة في نهاية المطاف بطريقة مهينة، حيث أحتجز في مطارها عشر ساعة كاملة ومنع من الدخول.

 

نريد حصتنا من المياه بعد طول منام

وهكذا كان في كتاب والدها ما يعين وزيرة المحاصصة، على فهم واقع عزلة مصر بين دول حوض النيل، والعوامل التي تضافرت لتكون غير مسموعة الكلمة بين الدول الأفريقية وخاصة دول حوض النيل، وأهمها إصرارها على التمسك بإتفاقيات عفا عليها الزمن، للإستئثار بنصيب الأسد من مياه النيل….يقول الإمام الصادق المهدي في كتابه المعني (ص73) |[الإطار القانوني لمياه النيل واضح قانونآ وملزم للأطراف المعنية، ولكن على ضوء ما جرى من تطور في الرأي العام العالمي بخصوص المياه، فإن القوانين المعنية، في نظر دول المنابع فقدت شرعيتها، وصارت الحاجة ماسة لتقنين جديد يستوعب المستجدات، ويكون عادلآ في نظر دول حوض النيل وشعوبها]| …..ودون أن يذكر إسمها بوضوح، يشير المهدي إلى ما تثيره مصر من إتهامات، بمؤامرة دولية تستهدفها، كلما طالبت دولة من دول المنبع، بحصة من مياه النيل، حيث يقول:|{في الماضي لم تكن دول منابع النيل تحتاج لمياه النيل، ولكن عوامل موضوعية عددناها، جعلت هذه الدول تحتاج لحصة في مياه النيل. وإفتراض أن المياه أمر لا يخص دول أعالي النيل، لأنها لم تكن في الماضي مهتمة بنصيبها فيه أو محتاجة له، ولذلك فإن أية مطالبة في هذا الصدد إنما هي نوع من المعاكسة لدول أسفل النيل أو التآمر ضدها، إفتراض غير صحيح. العوامل الجديدة ينبغي أخذها في الحسبان,}|……وفي صفحة 75 يشير الإمام الصادق إلى أن دول المنابع، أكدت بوضوح تخليها عن الإتفاقيات التي وقعت بشأن حوض النيل في العهد الإستعماري، حيث يقول |[ وإستعدادها للتفاوض بشأن إتفاق جديد يرضاه الجميع، وإستعدادها للتصرف من طرف واحد، إذا إستحال ذلك الاتفاق]|….. فهذه الإضاءات المهمة، التي يقدمها الإمام الصادق المهدي في كتابه سالف الذكر، عن مواقف الدول الأفريقية من هيمنة مصر على حوض النيل، وإستئثارها بنصيب الأسد من مياه أنهارها، بموجب إتفاقيات وقعتها بريطانيا، مع الدول الأفريقية المعنية لمصلحة مصر، لا تكشف فقط عن مدى عزلة مصر، بل وتشي بوضوح أن هذه الدول سعيدة، وهي ترى أثيوبيا تنتصب في وجه التغوّل المصري على مياه النيل وتتصدى لإطماعها التاريخية في الإنفراد بكل قطرة منها…..فلا غرابة إذن في تعاطف الدول الأفريقية مع المطلب الأثيوبي، الداعي للإقتسام العادل لمياه النيل…..فمطلب أثيوبيا هو نفس مطلب دول حوض النيل جمعيآ، ما عدا السودان البلد العبد التابع لمصر، والمتمسك عاضآ بنواجذه بوثيقة عبوديته، المتمثلة في إتفاقية مياه النيل لسنة 1959م.

 

مخلب قط ضد أثيوبيا

ولإن مصر تعلم علم اليقين، أنها في مواجهة خاسرة مع دول حوض النيل، الحانقة عليها لإفتئاتها على حقوقها المائية، بهيمنتها الكاملة على موارد أنهارها منذ قرون، والتي دعمتها بإتفاقيات إستعمارية أبرمت في أواخر القرن التاسع عشر و فاتحة القرن العشرين، كبلت بها أيدي الدول الأفريقية المعنية، ومنعتها من إستثمار أية قطرة من المياه التي تنبع أو تجري في أراضيها……ولأن مصر تعلم أيضآ أن ” المواجهة الصامتة” معها، كما سماها الإمام الصادق المهدي في كتابه، لم تعد أبدآ صامتة وخاصة بعد أن أقامت أثيوبيا سدها العظيم، دون أن تطلب الإذن منها، ضاربة عرض الحائط بالإتفاقيات الإستعمارية، فإنها وجدت بغيتها في وزيرة المحاصصة، التي جلست على سدة الخارجية، برافعة المحاصصات والترضيات والبهلوانيات، المنصوبة فوق جثة ثورة الشباب المغدورة……فبعد أن تمت السيطرة عليها بكيفية نجهلها حتى اليوم، إندمجت في الدور الذي رسم لها، كمخلب قط ضد أثيوبيا، ولتسويق الأجندة المصرية المتعلقة بسد النهضة، لدى الإتحاد الأفريقي، ظنآ من المصريين أنها ستنجح في إختراق الإتحاد الأفريقي لمجرد أنها أفريقية، دون أدنى إعتبار لأهليتها من حيث الكرزما، والقدرات الذهنية والإطلاع على دقائق الشؤون الأفريقية والدولية….. ولكن وزيرة المحاصصة عادت مهزومة بخفي حنين، لسببين أثنين: أولآ: لجهلها، كما أسلفنا، بالصراع المستعر تحت السطح بين مصر من جهة ودول حوض النيل من جهة أخرى… وثانيآ: إنبراؤها تحت سمع وبصر وزراء الخارجية الأفارقة والعالم، كدمية لدى الخارجية المصرية، تردد نصآ وحرفآ نفس ما يردده (أخوها الأكبر) صباح مساء في ذم سد النهضة، بأنه غير آمن وسينهار حتمآ لأنه بزعمه وزعمها، غير صالح لتخزين أربعة وسبعين مليار متر مكعب من المياه، وأن الملء الثاني يهدد حياة المصريين وحياة عشرين مليون سوداني……وهذا كلام لا يصلح حتى لتضليل وتخويف عوام الناس، فما بالكم أن يلقى على مسامع وزراء في دول لديها خبراء ومستشارين كبار في الري والجيولوجيا والهندسة المدنية….وما هو أكثر مضاضة من كل تلك الكبائر التي إجترحتها، هو مطر التصريحات الحمقاء التي صبتها وما انفكت تصبها على أثيوبيا منذ توليها شؤون الوزارة قبل ثلاثة أشهر، وهي تصريحات لا تنتمي إلى لغة الدبلوماسية، ولا إلى قاموسها وأسلوبها الحذر…. إذ أنها مشحونة بالكراهية ومفردات التعالي والغطرسة والأستاذية، وبلغ بها الأمر إلى حد توجيه الإنذارات إلى أثيوبيا، باعثة بذلك الفرح والغبطة في نفوس كفلائها المصريين….ولهذه السياسات العدائية فشلت، وسوف تتردى أكثر إلى أعماق هاوية الفشل، فالدول الأفريقية تؤمن بحق أثيوبيا في تنمية ثروتها المائية بإقامة مشروعات الري والسدود الكهرمائية.

 

بني شنقول

وكان سنام تهديدات وزيرة المحاصصة ووعيدها لأثيوبيا، هو تصريحاتها بشأن بلدة بني شنقول، التي يحتضن ترابها سد النهضة العظيم، إذ قالت في ما قالت: أن السودان سيعمل على إستعادة بني شنقول……والمعروف أن سيناريو مشاكسة أثيوبيا بإصطناع نزاع على بني شنقول، هو سيناريو مصري خالص، حيث أن الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي المصرية، قد كتبت في بدايات حملتها الجائرة على سد النهضة في العام 1913 م، ” أن سد النهضة يبنى فوق أرض مصرية”، والمصريون في عقيدتهم أن السودان، وما عليه ومن عليه ملك خالص لهم بحق الفتح…..وينشط منذ العام 2019 م، موقع إلكتروني أنشاته الأجهزة السرية المصرية تحت ما أسمته بــــ( قوات تحرير بني شنقول) ….ومن المؤسف أن وزيرة المحاصصة، التي باتت في قبضة سحرة فرعون، أخذت تردد ما أوعزوا به لها، بأن بني شنقول لابد أن تعود للسودان، حتى أن بيانا صدر عن الخارجية السودانية جاء فيه :|{ أن تنصل إثيوبيا من الاتفاقيات السابقة يعنى المساس بسيادتها على إقليم بنى شنقول المبنى عليه السد الإثيوبى الذى انتقل إليها بموجب بعض من هذه الاتفاقيات}| ….فالحكومة المصرية على المستوى الرسمي لم تنبس ببنت شفة عن بني شنقول، فقد تركت ذلك لليوتوبرز المصريين، ولوزيرة الخارجية بالمحاصصة، فلماذا تلوث مصر يديها بالمهمة القذرة؟……فشاكلة هذه التصريحات الشتراء، تقلق الإتحاد الأفريقي إلى حد بعيد، وترسم المزيد من العلامات السالبة على صورة وزيرة المحاصصة، وعلى دور السودان في الاتحاد الافريقي عمومآ…..فعند إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية سنة 1963م (الإسم القديم للاتحاد الأفريقي) توافقت الدول الأفريقية الحديثة الإستقلال آنذاك، على مبدأ إعتبار الحدود التي ورثوها عن الدول الإستعمارية حدودآ نهائية لا نزاع عليها…لأن أفريقيا بقبائلها الممتدة والمتداخلة المتشابكة، كانت ستشتعل بالحروب من اجل تعديل الحدود، إذا لم يتم الوصول ذلك المبدأ الحكيم….فأي باب للجحيم تريد أن تفتحه وزيرة المحاصصة، خدمة للمصالح المصرية …وإنه لأمر عجاب أنها تريد أن تستعيد بني شنقول، بعد مائة وعشرين سنة، وتصمت صمت القبور عن حلايب، التي إحتلتها مصر بالأمس القريب بعمل عدواني صريح… وناهيكم أن حدود السودان الفعلية مع مصر، هي أسوان، وليست الحدود الحالية المحددة بخط عرض 22 درجة شمال …..ولأن حلايب لا عزاء لها، فإن وزيرة المحاصصة تجاهلتها، وذهبت في عيد الأضحى الفائت للتنزه في (الحديقة النباتية) بأسوان بدعوة من الخارجية المصرية، كمكافأة لها على تفانيها في خدمة المصالح المصرية، بالرغم من حداثة عهدها بالعمل الدبلوماسي…فقد كانت زيارة تفتقر إلى الحياء والحساسية والمروءة، لأنها لم تتضامن مع حلايب المحتلة وتمتنع عن الزيارة، ولا هي إحترمت حتى روح والدها، الذي أهين في مطار القاهرة، حيث تم إحتجازه قبل ثلاث سنوات فقط، لعشر ساعات كاملة، ثم تم طرده ومنعه من دخول مصر، ومقامه آنذاك مقام رؤساء الوزراء المنتخبين تلزمه المعاملة اللائقة…..وهكذا إنقلبت موازين وزيرة المحاصصة، إذ إنبرت للمطالبة ببني شنقول، التي ضمت لأثيوبيا بموجب إتفاقية سنة 1902 م، وتجاهلت حلايب التي أحتلت قبل خمس وعشرين سنة، بإجتياح عسكري مصري لها، قتل خلالها جنود سودانيون برصاص المصريين ولم تجف دماؤهم بعد، وتطلب أرواحهم الثأر وتنادي أسقوني أسقوني…ولكنها ذهبت بدم بارد إلى الحديقة النباتية في مصر للترويح عن نفسها بعد جولة فشلها.

 

من فشل إلى فشل

 

ومثلما فشلت مهمتها في الإتحاد الأفريقي، فشلت كذلك في مجلس الأمن الدولي، الذي ذهبت اليه مع (أخيها الأكبر) سامح شكري، بغير علم أو كتاب منير…وحسب المثل الشعبي المصري الشهير (راحا يبيعان الماء في حارة السقايين)….لم يدركا أن مجلس الأمن الدولي، ليس مخولآ بمعالجة قضايا السدود والري والخلافات حول المياه، ولذا قد أعادهما مجلس الأمن في جلسته بتاريخ 10 يوليو 2021 م، إلى الإتحاد الأفريقي لتنظر شكواهما هناك….وقد ذهبا بملف يتضمن نفس البكائيات، التي أرهقت بها وزيرة المحاصصة مسامع الإتحاد الإفريقي، كالزعم بحتمية إنهيار سد النهضة بسبب فالق زلزالي وعيوب في الإنشاء، وتهديد الملء الثاني لحياة عشرين مليون أنسان في السودان النيلي…..وهو كما أسلفنا كلام مرسل لا يصلح حتى للضحك على ذقون العوام، فكيف يكون الحال مع دول كبرى، لها هي نفسها إسهاماتها في قيام سد النهضة، وتملك من الدوائر البحثية الرفيعة والأجهزة الإستخباراتية، القمينة بتوفير أدق المعلومات الجيولوجية والإنشائية، عن هذا السد وتأثيراته البيئية ….ويكفي أن بينها من هي صاحبة فكرة إنشاء السد، وهي من قامت بالمسح الجيولوجي، وحددت مكان بنائه….يقول الإمام الصادق المهدي في (صفحة 19 ) من كتابه المعني، أنه في ذروة الحرب الباردة ووقوف الاتحاد السوفيتي إلى جانب مصر لبناء السد العالي |{وافق مكتب الولايات المتحدة لإستصلاح الأراضي، على القيام بمسح تفصيلي لتقديمه للحكومة الأثيوبية، وإنتهى المسعى في 1963 ونشرت نتائجه في 17 مجلدآ ضخمآ…}|…وينتهي إلى القول :|[ولقد أوصت الدراسة بإقامة 33 سدآ وخزانآ لتوفير مياه الري وتوليد الكهرباء…]| أ.هــ……إذن أن أصل فكرة سد النهضة والسدود الأثيوبية الأخرى، هي فكرة أمريكية خالصة…وأمريكا هي التي حددت مكان إنشاء السد بناء على المسح الجيولوجي الذي أجرته….أيّ أن أمريكا لديها كل تفاصيل السد، ومع ذلك فإن وزيرة المحاصصة، ذهبت إلى مجلس الأمن، لتعيب لأمريكا مسحها الجيولوجي، ولتدعي دون خجل بأن السد سينهار عاجلآ أم آجلآ، بزعم أنه مبني فوق صدع زلزالي، ومرجعيتها في ذلك سحرة فرعون أدعياء الخبرة…..وهناك في مجلس الأمن فرنسا، التي قامت إحدى شركاتها وهي (شركة تصنيع المحركات والتوربينات) بصناعة وتركيب التوربينات لسد النهضة…..ومولت الصين التي هي بدورها عضو دائم في مجلس الأمن، مدفوعات التوربينات الفرنسية بما يقارب الملياري دولار، أيّ أنها واحدة من كبار المستثمرين في سد النهضة…..وتقوم ببناء سد النهضة إحدى كبرى الشركات الإيطالية، وهي ساليني إمبرجيلو، المتخصصة في مجال السدود والإنشاءات الهيدروليكية والمدنية، ولديها أشغال في أكثر من خمسين دولة من دول العالم، فما الذي يجعل السد العالي الذي بني بتقنيات سوفيتية متواضعة، قبل ستين سنة غير قابل للإنهيار، ويجعل سد النهضة محكوم عليه بالإنهيار، وهو يبنى بتقنيات القرن الحادي والعشرين، على يد الطليان المشهود لهم تاريخيآ بمتانة البنيان، ودونكم مسرح الكولزيوم بروما القائم منذ ألفي سنة …….وهناك روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن، والصديقة الأقدم والأوثق لأثيوبيا عبر العصور القيصرية والسوفيتية والبوتينية… ولعل مما وطد العلاقة بين البلدين، هو إنتماؤهما للمذهب الأرثوذكسي، وكان الحجّاج الروس يلتقون بالجالية الأثيوبية في القدس، عند كنيسة القيامة في أعياد الميلاد، قبل قرون خلت….وأول أوربي يزور أثيوبيا، هو الروسي أفانسي نيكيتن سنة 1470 م، قادمآ من الهند في رحلة طويلة وثقها في كتابه (رحلة إلى بلاد ما وراء البحار الثلاثة) …وكانت بدايات العلاقة الفعلية بين البلدين، في ثمانينات القرن التاسع عشر، حين زار القوزاقي أشنوف أثيوبيا (القوزاق طائفة سلافية روسية، من المحاربين الأشداء شديدي التمسك، بالتقاليد والتعاليم الدينية)…وأقام اشنوف مستوطنة روسية، قريبة من المدينة المعروفة اليوم بجيبوتي، وأطلق عليها إسم (موسكو الجديدة) حيث عاش فيها 175 مستوطنآ روسيآ، ولكن الفرنسيين قضوا عليها عندما إحتلوا الساحل سنة1889 م….وفي نفس السنة زار وفد روسي رسمي برئاسة مشكوف أثيوبيا، التي كانت تواجه آنذاك العدوان الإيطالي، فعقد معه الإمبراطور منليك صفقة سلاح، كان من بينها المدافع الجبلية، التي مكنت الجيش الأثيوبي من الإنتصار على الطليان في معركة عدوة سنة 1895 م، وكانت المدافع الجبلية إختراعآ المانيآ جديدآ آنذاك….وفي سنة 1891 م زارت الجمعية الجغرافية الروسية أثيوبيا، وفي سنة 1902 م أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين…….لعل وزيرة المحاصصة قد أدركت الآن، لماذا إنفجر الغضب الروسي حذاء تلويح مصر بضرب سد النهضة، حتى بلغ حد التحذير الصارم لها….وهكذا إنتهى المشهد في مجلس الأمن بالتحذير الروسي، الذي باغت سحرة فرعون وألجمهم، وأصاب دميتهم بالهذيان، فإندفعت إلى موسكو في نفس اليوم وراء وزير خارجيتها سيرغي لافروف تستعطفه، ولكن الدب الروسي أكد موقفه، وذهب إلى أثيوبيا في اليوم التالي، ووقع معها إتفاقية للتعاون العسكري….ومرة أخرى طرحت تونس أمس الأول ما أسمته بمشكلة سد النهضة على مجلس الأمن، داعية إياه بإصدار قرار بشأنها، ولكن المجلس أصدر بيانآ رئاسيآ في جلسته بتاريخ 15 سبتمر 2021 م، يتبنى الموقف الأثيوبي حبث يذكّر بمرجعية إعلان المبادئ الموقع في العام 2015 بين إثيوبيا والسودان ومصر، ويدعو الأطراف الثلاثة للعودة للمفاوضات تحت مظلة الإ تحاد الأفريقي….ولقد قلل البيان الرئاسي من أهمية فحواه حين قال :|[ أن هذا البيان لا يتضمن أي مبادئ أو سابقة في أي منازعات خاصة بالمياه العابرة للحدود]| وذهب البيان إلى تأكيد أن مجلس الأمن الدولي، منوط به حفظ السلم والأمن الدوليين، وأن الخلافات التي تحدث بشأن المياه العابرة للحدود، تحل بالطرق الفنية والإدارية…إبتلعت وزيرة المحاصصة الموس للمرة الثانية، وحاولت ان توهم الناس بأنها حققت إنتصارآ، وذلك بممارسة الإستهبال السياسي حيث أصدرت وزارتها بيانآ جاء فيه :|{ إن اعتماد البيان يجيء ثمرة للجهود والتحركات الدبلوماسية المكثفة التي قامت بها وزارة الخارجية، بقيادة الوزيرة مريم الصادق، كما يعكس مستوى المرونة التي أبداها وفد السودان في التعاطي الإيجابي مع جميع الأطراف المعنية بالتفاوض}|…لقد تفوقت حقآ على كفلائها المصريين في الدجل وخلق الإنتصارات الوهمية….فالبيان لا جديد فيه البتة، فمجلس الأمن قد أعادهم مثل المرة الأولى إلى الاتحاد الأفريقي، وهو الأمر الذي لا تريده مصر.

 

لا إتفاق دون مصر

وقفزآ فوق كل هذه الحقائق، قالت وكالة سونا في تقريرها الإخباري، عن عودتها من نيويورك وموسكو :|{وزيرة الخارجية تعود للخرطوم بعد زيارتين ناجحتين}|….في واقع الأمر لم تنجح في سوى مهمة واحدة تم تكليفها بها، وهي تدمير علاقات حسن الجوار بين السودان وأثيوبيا، في ثلاثة أشهر فقط، وبصورة لم يسبق لها مثيل، بالرغم من الفوائد الجمة، التي سيجنيها السودان من سد النهضة العظيم، بإعتراف وزير الري ياسر عباس (بعظمة لسانه) في مؤتمر مسجل، وذلك قبل أن يزوره السفير المصري في مكتبه بتاريخ 4/10 /2019 م، ليدعوه لزيارة القاهرة، وبعد أن عاد من القاهرة تغيّر رأيه الإيجابي في سد النهضة 180 درجة، حتى أصبح يتنافس مع وزيرة المحاصصة في إرضاء مصر….وأهم فوائد سد النهضة العظيم، هو حماية مدن وقرى النيل الأزرق والشمال النيلي، من الفيضانات المدمرة بعد أن يكتمل السد، وذلك إلى جانب الفوائد الكبيرة الأخرى، المتمثلة في زراعة دورتين أو ثلاث، لإنتظام نسق جريان المياه، وفي إضافة 1215527 فدان كمساحات زراعية جديدة تزرع بالري الدائم، حسب تقرير نشرته المجلة الأمريكية الإلكترونية Water Technology …….وبالطبع ستنتهي زراعة الجروف، المرتبطة بغيض الفيضان، والتي يبلغ عرضها عادة من عشرين إلى ثلاثين مترآ، وتزرع بالمحاصيل الشتوية السريعة الإستواء، لأن الجروف تفقد صلاحيتها بعد نحو ثلاثة أشهر من إنحسار الفيضان….. كل هذه الفوائد التي سيهديها سد النهضة العظيم للسودان، لم تجد غبطة لدى وزيرة الخارجية بالمحاصصة، لأن مصالح السودان هي آخر ما يخطر على بالها، ولا تملك سوى ترديد ما يصرح به وزير الخارجية المصرية سامح شكري حرفيآ وهو| نريد اتفاقآ ملزمآ مع أثيوبيا|…ولكن أيّ إتفاق ملزم يعني شكري؟! ….مصر تريد إتفاقآ يحافظ على هيمنتها على حوض النيل، وعلى نصيب الأسد الذي تستولى عليه من مياه النيل، بموجب الإتفاقية الجائرة الظالمة التي وقعتها مع السودان سنة 1959 م……حسنآ وماذا تعني وزيرة المحاصصة بالإتفاق الملزم؟! تريد من أثيوبيا إتفاقآ على بيانات الملء والتشغيل، إلى جانب تمسكها بإتفاقية سنة 1959 م لصالح مصر. ورفضها مثل المصريين المطلب الأثيوبي بتقسيم جديد عادل لمياه النيل…..كيف ترفض؟ اليس الطلب الأثيوبي بتقسيم عادل جديد لمياه النيل، في مصلحة السودان وسوف يحرره من الأغلال المصرية، التي تكبله بموجب إتفاقية سنة 1959م وهي إتفاقية عبودية للسودان؟ ….هذا صحيح ولكن التحرر من الأغلال يتطلب إرادة حرة، ومن المؤسف أن روح العبودية التي تتلبس المسؤولين في السودان فاقت كل تصور….فقد قالت إثيوبيا للخارجية السودانية: إذا كنتم تريدون حقآ إتفاقآ ملزمآ للملء والتشغيل، تعالوا نوقع إتفاقآ ثنائيآ….السودان رفض الإقتراح وقال لا للإتفاق الثنائي | ولا إتفاقية دون حضور مصر..فتأمل……. يقول المستشار الإعلامي السابق للسيد حمدوك، الأستاذ فايز الشيخ سليك، في حوار مع قناة (العربية) بتاريخ الأحد 21 فبراير 2021 م، حول الملء الثاني لسد النهضة:|{لذلك ظل السودان يرفض حتى الإتفاقيات الثنائية}| ويقول :|{ورفض السودان التوقيع على إتفاق ثنائي، لأن هذا يعني إستقطاب، وهذا يعني إستفزاز من الناحية السياسية والدبلوماسية، يجب أن نتفق الثلاثة، لأن هذا شأن ثلاثي، لا يهم طرفين فقط..}| …..وهكذا يتضح أن أثيوبيا مدت يدها للسودان، ولكن السودان لا يملك زمام أمره ولا يستطيع أن يفعل شيئآ دون وجود كفيله المصري إلى جانبه……. ولعل المفارقة الكبرى أن مصر تمكنت بعد ثورة الشباب المغدورة، من وضع حزب الأمة بقيادة مريم الصادق في جيبه…….في الماضي كان هناك حزب واحد ينادي بوحدة وادي النيل ويضع مصالح مصر فوق مصالح السودان، أما اليوم فهناك حزبان يتنافسان على خدمة الخديوي وتلبية طلباته وتحقيق أطماعه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.