سودان 1506!!
د. حيدر إبراهيم علي
.
قد يستغرب القارئ الكريم من هذا العنوان، ولكنني بعد متابعة أخبار الأسبوع الفائت، قفز إلى ذهني خاطر بأننا لسنا في عام 2021 ولكن في عام 1506 أي بعد عامين من تكوين عمارة دنقس وعبد الله جماع كونفدرالية الفونج في سنار عام 1504م. فقد جاء في الأخبار أن ناظر قبيلة الهدندوة في الإقليم الشرقي هدد بإغلاق الإقليم يوم الجمعة الفائت ولكن أعلن تأجيل الإعلان وليس سحب الحديث أو نفيه.
ظللنا ندعو ونبشر بدولة ديمقراطية حديثة موحدة قائمة على حقوق المواطنة وترفض كل أشكال الجهوية والقبلية والعنصرية الجديدة ولكن يطل علينا من قلب مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة شيخ قبيلة استمرت منذ الجمعية التشريعية عام 1948 تشارك في السلطة، ولم تقدم لقبيلتها ما يخرجها من دائرة التخلف وبقيت تحت رحمة الجهل والفقر والمرض، والآن يأتي أحد أفراده ويهدد بالإغلاق وبلغة أخرى هو تمهيد للانفصال عن الوطن الواحد.
نحن نلوم الحكومة الانتقالية التي قامت ببعث وإحياء الإدارة الأهلية وصنعت للعمد والمشائخ والملوك مكانة في الفضاء السياسي دون تغيير في رؤيتهم وبرامجهم وخططهم لاسترجاع نفوذهم الاقتصادي والسياسي. وقد ظهر هذا التوجه الشاذ مع ظاهرة المسارات الجهوية والقبلية والتي أخذت شرعية لا تستحقها وجعل منها البعض المتحدث باسم الأقليات المظلومة، وكانت هذه أكبر أخطاء مؤتمر جوبا للسلام والآن قادة المسارات تحدثوا باسم تلك الجماعة وهم لا يملكون أي تفويض ولم يتم اختيارهم بالانتخاب، بل نصبوا أنفسهم في لقاء باريس تحت مسمى كيان غريب سمي نداء السودان. انتهز هذه الفرصة وأدعو إلى إصلاح سلام جوبا لأنه اتفاق مليء بالثقوب ويشجع النزاعات الجديدة وعلينا أن نفرق بين حاله وقف القتال أو إطلاق النار وبين السلام الدائم والعادل، مخرجات جوبا لا تحقق أي سلام بل تزرع ألغاماًقابلة للانفجار في أي وقت.
نلاحظ تراجعاً واضحاً في الإيمان بالقومية والوحدة ولم يعد الكثيرون يشعرون بأن السودان وطن قومي موحد وهو يسعى إلى رفع المظالم عن بعض المناطق والاثنيات من خلال شعار العدالة والتنمية المتساوية وهنا تحتاجأيديولوجيا المركز والهامش،إلى مراجعة وأن تتحول من مجرد شعار تهيجي إلى فكرة علمية مقنعة مسنودة بالمعلومات والتاريخ فهي شعار عرقي يخلو من أي بعد اجتماعي طبقي،فهل صديق ودعة ينتميإلى نفس الفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها “إساغة” القادم من زالنجي ويعمل في حصاد العيش في القدمبلية بالقضارف؟ كما أن سكان “أبوحمد” والعتمور أكثر هامشية من سكان لقاوة. لو كان المعيار التخلف الاقتصادي والاضطهاد وهو هناك طبقي وليس اثنياً. أتمنى فكرة تطوير الهامش من مصطلح جغرافي واثني، وأن نقدم للشباب مفاهيم وأفكاراً جديدة علمية وواقعية وألا نستغل حماسهم بالترويج لشعارات خاوية للإثارة والعاطفية فقط.
أخيراً على السادة ترك وناظر عموم الجعليين والجموعية والمسيرية أن يعودوا إلى فكرة “الوحدة في التنوع” وأن يعملوا على وحدة هذا الوطن واحترام تنوعه من داخله، والابتعاد عن التهديد بالانفصال ومزاج الحرب الأهلية وسيكونون هم المستفيد الأول من السودان الموحد الناهض الذي تتوزع خيراته بعدل ومساواة وأن يشترك الجميع في الإنتاج والاستهلاك والتوزيع.
علينا باليقظة والوعي وألا نعيد إنتاج دولة الفونج الثانية في القرن الحادي والعشرين، وعلى القوى التقليدية ألا تستغل ضعف النخبة السودانية المدنية وفقرها الفكري والوطني وتقوم بفرض أجندة الانفصال والحرب.