توماس سانكارا: من الذي قتل “تشي جيفارا الإفريقي”؟

0 149

بقلم: جيويل كيرونغي

ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو

.

 بعد أربعة وثلاثين عامًا تقريبًا من الاغتيال المأساوي لتوماس سانكارا، رئيس بوركينا فاسو آنذاك، يَمْثُل أربعة عشر شخصًا أمام العدالة بتهمة التواطؤ في قتل الرجل الملقب بـ “تشي جيفارا الإفريقي”.

وجاء الاغتيال على خلفية إطلاق الرصاص على توماس سانكارا ذي الشخصية الكاريزمية، البالغ من العمر 37 عامًا حينذاك، على يد الكومامندوز في انقلاب 15 أكتوبر 1987م، وصل على إثره صديقه المقرب، بليز كومباوري، إلى السلطة بعد قيام الرجلين قبل أربع سنوات مضت بالاستيلاء على السلطة التي سمحت لسانكارا بأن يصبح رئيسًا.

لكن اسم كومباوري، الذي يعيش حاليًا في المنفى في كوت ديفوار المجاورة، بعد لجوئه إلى تلك البلاد عقب انتفاضة شعبية حاشدة في عام 2014م أجبرته على الاستقالة، ورد في قائمة المتهمين الـ14 غير أنه نفى مرارًا تورطه في مقتل سنكارا وقاطع المحاكمة.

ولا يزال سانكارا، على مرِّ الأيام، يمثل رمزًا في جميع أنحاء إفريقيا؛ حيث بالإمكان مشاهدة صوره على ملصقات تزين سيارات الأجرة في غرب إفريقيا وفي جميع أنحاء القارة؛ فضلاً عن أن زعيم المعارضة يوليوس ماليما، في جنوب إفريقيا، يذكره باعتباره أحد مصادر إلهامه.

 

لماذا يعتبر سانكارا بطلاً؟

قال لوك داميبا، الأمين العام للجنة توماس سانكارا التذكارية: “كان سانكارا، بالنسبة لنا، وطنيًّا محبًّا لشعبه وبلاده وعموم إفريقيا، عطفًا على تضحيته بحياته من أجلنا”؛ على حد قوله. وخلال فترة حكمه تم تغيير اسم البلد -من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو، وهو ما يعني “وطن الشرفاء”؛ فضلاً عن فرضه على نفسه أسلوب حياة اتسم بالصرامة بعد قيامه بتخفيض راتب نفسه ورواتب جميع الموظفين الحكوميين ومنْع استغلال السائقين الحكوميين لأغراض شخصية من كبار موظفي الدولة، عطفًا على منع السفر الرسمي بتذاكر من الدرجة الأولى.

وباعتبار أن التعليم كان في صدارة أولوياته الرئيسية؛ تمكّن من ارتفاع معدل معرفة القراءة والكتابة من 13٪ في عام 1983م إلى 73٪ في عام 1987م (فترة حكمه). كما شرع في الإشراف على حملة تلقيح وطنية ضخمة إلى جانب إعادة توزيع الأراضي من المُلّاك الإقطاعيين لمنحها مباشرة للمزارعين الفقراء؛ محققًا بذلك زيادة هائلة في إنتاج القمح.

وظل الرئيس الثائر سنكارا يدعو إلى الوحدة الإفريقية لمواجهة ما أسماه بـ”الاستعمار الجديد” المتمثل في المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأشار في بعض الأيام إلى أن “من يطعمك يحكمك”.

وللتحرر من تلك القيود تبنَّى سياسة خارجية مناهضة للإمبريالية في تحدٍّ صريح لهيمنة فرنسا (التي وجهّت أرملة سنكارا أصابع الاتهام إليها بالوقوف وراء اغتيال زوجها) التي احتفظت بنفوذ هائل في العديد من مستعمراتها السابقة في إفريقيا، بما فيها بوركينا فاسو.

ومن جانبه صرّح طالب من جامعة توماس سانكارا في واغادوغو لبي بي سي بأن سنكارا “لا يزال رئيسي: تضحياته من أجل الشعب يشجّعنا نحن الشباب على أن نحتذي به”؛ على حد تعبيره. كما تم الكشف عن نُصُب تذكاري ضخم من البرونز يبلغ ارتفاعه ستة أمتار في حديقة توماس سانكارا التذكارية في العاصمة واغادوغو، في عام 2019م، ثم أُعيدت صياغته العام الماضي بعد شكاوى بشأن النسخة الأولى.

وأشار السيد داميبا إلى أن الخطط جارية لتوسيع الحديقة، بما في ذلك برج بارتفاع 87 مترًا يطل على واغادوغو، وسيحتضن ضريح سنكارا وقاعة سينما ومكتبة وسائط تحمل اسمه؛ حتى تتكفل تلك المنشآت بنقل أفكار سانكارا الثورية إلى الأجيال القادمة.

 

ماذا قال عنه منتقدوه؟

تعرضت سياسات سانكارا اليسارية الراديكالية لانتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان التي وصفتها بعبارات لاذعة كما خلص تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية عام 1986م إلى أن المعارضين السياسيين المشتبه بهم احتُجِزُوا دون محاكمة وتعرَّضوا لتعذيب شديد.

وأشار سيرج ثيوفيل باليما، وزير الإعلام في حكومة سانكارا، “أعتقد أن قبوله بفكرة الديمقراطية التعددية كان يتسم بالبطء، وأن الذين عارضوه لا يمكنهم التحدث إليه، والاستماع إليه”، مضيفًا “ورغبته في إعطاء السلطة للشعب حملتْه على تفويض السلطة إلى البروليتاريين الذين ترأسوا CDR(لجان الدفاع عن الثورة) الذين تم تجنيدهم لإضفاء الصفة الأخلاقية على الحياة العامة والخاصة؛ فاستغلوها في ارتكاب انتهاكات أساءت إلى مصداقية سلطته”؛ على حد تعبيره. وفي مقابلة مع موقع أفريكا ريبورت في عام 2020م، وصفه الرئيس السابق جان بابتيست ويدراوغو، الذي أطاح به سانكارا، بشخص فيه “شيء من السخرية والميكيافيلية السياسية”.

 

لماذا استغرقت المحاكمة كل هذه المدة؟

صرّح بول سانكارا، شقيق الرئيس الراحل، بالقول: “انتظرنا لفترة 27 عامًا، مدة حكم نظام بليز كومباوري، دون التمكن حتى في الحلم بإمكانية إجراء المحاكمة”؛ على حد قوله. كما قدَّمت أرملة الرئيس سنكارا شكوى جنائية في عام 1997م بخصوص اغتيال زوجها، استغرقت 15 عامًا قبل إقرار المحكمة العليا بإمكانية استمرار التحقيق، ولم يتم إحراز أيّ تقدُّم ملموس حتى الإطاحة بالسيد كومباوري في عام 2014م. وبعد عام من سقوط نظام كومباوري تم استخراج رفات يُفترض أنها تعود لشخص الرئيس لكن تحليلات الحمض النووي لم تستطع إثبات ذلك. وفي عام 2016م، طلبت سلطات بوركينا فاسو رسميًّا من الحكومة الفرنسية نشر الوثائق العسكرية المتعلقة باغتيال سنكارا، مما أدى إلى رفع السرية عن الملفات المعنية، ونقلها إلى بوركينا فاسو على ثلاث مراحل، وكانت في أبريل 2021م.

 

من هم المعنيون بالمحاكمة؟

من المقرر أن يمتثل رئيس الأركان السيد كومباوري السابق، الجنرال جيلبرت دينديري، و11 آخرين أمام المحكمة العسكرية بتُهم “الاعتداء على أمن الدولة “، و”التواطؤ في الاغتيال”، و”إخفاء الجثث”؛ علمًا بأن دينديري رهن الاعتقال بعد أن حُكِمَ عليه بالسجن لمدة 20 عامًا؛ لضلوعه في محاولة انقلاب فاشلة في عام 2015م. ومن بين المتهمين: الطبيب ديبري جان كريستوف، الذي وقَّع على شهادة الوفاة أقرَّ فيها بأن وفاة الرئيس السابق ناجمة عن أسباب طبيعية. كما أن رئيس الأمن السابق للسيد كومباوري، هياسينث كافاندو، هو الآخر متَّهم غيابيًّا مع إصدار مذكرة توقيف دولية في حقه.

 

ما تأثير المحاكمة؟

ثمة مخاوف من أن المحاكمة قد تعزّز من زعزعة استقرار بوركينا فاسو التي تواجه هجمات متكررة مِن قِبَل الجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة؛ فضلاً عن النفوذ الذي ما يزال يحتفظ به السيد كومباوري في البلاد.. وهو ما دفَع بعض المحللين إلى التحذير من احتمال إثارة بعض الاضطرابات من الجنود الذين ظلوا موالين له، غير أن المؤشرات التي توحي بذلك شبه معدومة.

لكن الرئيس روك مارك كابوري يعلق آمالاً كبيرة مع التطلع إلى أن تؤدي المحاكمة إلى تخفيف التوترات وتعزيز المصالحة الوطنية، وهو تفاؤلٌ يشاطره فيه ماتيو بيليرين، محلل الساحل في ICG (مجموعة الأزمات الدولية) الذي صرح لمجلة جان أفريك الفرنسية في أبريل 2020م بالقول: “لا أعتقد أن مثل هذه المحاكمة يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار”، وخلص إلى القول بأنه “قلَّما نجحت المصالحة بدون عدالة”؛ على حد تعبيره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.