(تاباها مُملحة وتكوسها قروض)
كتب: عثمان ميرغني
.
لنتفق أولاً؛ لا وصفة سحرية لحل مشاكل السودان، وولى زمن المعجزات الذي كان يخرج فيه “جن” من الجرة ويضع نفسه رهن الإشارة ويقول لمن أخرجه (شبيك لبيك خاتم المُنى بين يديك)، عالم اليوم يخضع للمعطيات التي تلد الأمنيات، وعلى الحسابات الصحيحة التي تفرز النتائج الصحيحة.
لكن بكل أسف السياسة السودانية، وبالضرورة الساسة، ربما ينتظرون السماء تمطر ذهباً وفضة من رحم اتفاقين، اتفاق التطبيع مع إسرائيل، واتفاق رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، هكذا وبلمسة زر، أيما الحدثين وقع انجلت الأزمات ورفعت المعضلات واستوت سفينة السودان على الجُودي!
الآن محادثات سودانية ثلاثية في “أبوظبي” طرفاها دولة الإمارات العربية والولايات المتحدة الأمريكية، يمثل السودان فيها رأس الدولة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وتشير التسريبات الصحفية أن المحادثات تهدف لإشهار موافقة السودان على التطبيع الدبلوماسي – المعلن- مع إسرائيل، طبعاً التطبيع أصلاً اكتمل ولم يبق سوى إشهاره علناً، ولا يبدو في الأفق عوائق تمنع ذلك فالمزاج الشعبي السوداني لم يعد معارضاً لهذه الخطوة.
وغالباً سيضاف توقيع السودان لقائمة الدول الموقعة على اتفاق السلام مع إسرائيل، وسيرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقد ينال السودان مكافأة اقتصادية أو دعماً مالياً مباشراً أو سلعياً أو كلاهما معاً.. ولكن!!
هب أن كل ذلك اكتمل “زي بدر التمام” كما يقول الشاعر، فهل يحل ذلك أزمات السودان المزمنة؟ قد تختفي الطوابير أمام المخابز ومحطات الوقود لكنها مجرد “استراحة محارب” لتعود ربما أشد وأقسى بعد نفاد الرصيد، رصيد الإحسان.
ليس هكذا تدار الدول أو يبنى مستقبل شعوبها، التكتيك قصير العمر لا يناسب دولة مثل السودان تملك العقول القديرة والجديرة بصناعة إستراتيجية السياسة الخارجية، فيصبح التطبيع مع إسرائيل بنداً وخطوة محسوبة بدقة في سياق إستراتيجية شاملة تدرك تماماً ماذا يريد السودان وإلى أين يتجه قطار مستقبله.
ويصبح انتظار رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مؤشراً لرحلةMilestone لا محطة وصول.
في مرحلة مبكرة بعد زوال النظام البائد وانتصار الثورة في أبريل 2019 بادرت السعودية والإمارات بالتعهد للشعب السوداني بمساعدة عاجلة سخية قوامها ثلاثة مليارات من الدولارات عيناً في سلع حتمية، ونصف مليار دولار تدفع لخزينة بنك السودان لمواجهة مترتبات الانتقال السياسي في السودان.. وكان القصد من هذا العون المباشر المبكر تجنيب السودان أية هزة قوية تعصف باستقراره وتورده مصائر بعض دول الربيع العربي التي ما خرجت حتى اليوم من نفق الاقتتال.
ولغياب الوعي بالعلاقات الدولية أو بناء إستراتيجية السياسة الخارجية نالت الدولتان، السعودية والإمارات، أذى كبيراً من الخطاب السياسي لبعض مكونات قوى الحرية والتغيير (الحزب الحاكم)، ونتج عنه اضطرار الدولتين للانسحاب في صمت.. والآن يلهث مفاوضو الحكومة السودانية في الحصول على العرض ذاته الذي نالوه مجاناً بلا نقطة عرق واحدة..
غياب البصيرة السياسية فادح الأثمان!!
حتى ولو رفعت أمريكا اسم السودان من قائمة الإرهاب لن ينصلح الاقتصاد السوداني ولن تتدفق التحويلات ولا القروض، إذا لم يعِ الساسة أن الأمنيات لا تدرك بالصفقات!