تحت شجرة الحكاية

0 67

كتب: واسيني الأعرج 

.

القاريء ليس كومبارسا ضافيا، وليس تكملة لمشهد يصنعه الكاتب. القاريء فاعلية حقيقية كيفما كانت ردة فعله. والكِتاب ليس أكثر من مساحة نور مشتركة لنتذكر سويا كم أن العالم الذي نعيشه يعيشنا ولا نقترب منه إلا قليلا، ويصنع بعيدا عنا وفي غيابنا القسري، لنا الحق فيه، ولسنا العجلة الخامسة التي لا تستعمل إلا عند الحاجة. نحن نحب الحياة أيضا مع قرائنا، ونحب الرقص والحدائق والأسفار، لو فقط نجد من يذكّرنا في غمرة الرماد، بأن الحياة ما تزال جميلة وتستحق أن تعاش. الرواية لا تربي اليأس. فهي في أقاصي سوداويتها الظاهرة، تفتح الحياة على أخطر سؤال: ماذا نفعل في هذه الدنيا؟ هل خلقنا لنكبر قليلا وننتظر الموت بعدها؟ وهي تشرّع الابواب المغلقة في أوجهنا، على الممكن الذي تغطيه أكوام الغبار والرماد والخطابات المثقلة بالكذب. الكتابة ايضا استراحة تحت شجرة الحكاية، نغمض عييوننا أحيانا لنحس بها تتحرك فينا كالجنين، ونحلم بشي مبهم لكننا نحسه بقوة. دهشة تصيبني إلى درجة الدوار، كلما عثرت على ما ينجزه القراء من روح ما نكتب. صور تجسد رحلة عشقية سيدتها اللغة الهاشة والحكاية الخفية. هل للكتابة كل هذا السحر في نفوسهم حتى تدفع بهم حروف هاربة وغامضة أحيانا، إلى تكوين صداقة مع شخص كثيرا ما يصنعونه هم أنفسهم من حنينهم وتعطشهم لشوق وحدهم يحسونه بتلك الطريقة وليس بغيرها. بل أكثر من ذلك. كثيرا ما تلقوا الضرب من الأخ الكبير، بسبب رواية يحملونها لأنها تنكس رايات الشرف الكاذب والأخلاق التي لا يتذكرها إلا في الكتابة والفنون، وينسونها في حياتهم اليومية. أدخلوني بلا موانع إلى بيوتهم، شربت معهم قهوتهم الصباحية، تأملتهم وهم يعانقون رمال السواحل وملح البحر.عرفت لون ألبستهم التي يشتهون، وشممت عطر أسرتهم الضيقة أو الواسعة، عانقتهم في الليالي الباردة أو ساعات اليأس الذي لا يبقي أية مسافة نحو الحياة. بسبب كتاب نشأت برفقتهم صداقة كبيرة وحياة لم نخطط لها. أينما كنتم… في قلبي أو خارجه. اينما كانت أنفاسكم الطيبة، تحت التراب أو فوقه، فقد فقدت في السنوات الأخيرة عددا كبيرا من الذين قادتنا الكتابة وقسوة الحياة، إلى أن ننام سويا تحت شجرة الحكاية ونهرب قليلا نحو مسالك لم يرتدها أحد لا قبلنا ولا بعدنا. أينما كنتم، من الذين التقيت بهم ومن لم التق بهم ومازلت أمني النفس برؤيتهم من شدة إعجابي بحكاياهم عن الحكاية، أنحني لهذا السحر الذي تصنعونه كل يوم بمحبتكم وجهودكم وتضحياتكم وحنينكم الغامر. جميعكم هنا حيث لا سلطان يدرككم إلا سلطان اللغة البهي. كل ما أنجزتموه لأجلي ينام في صلب الطفل الذي فيّ بعد أن أخفق في أن يكبر ولو قليلا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.