سيناريوهات الانقلابيين في الفترة الانتقالية

0 78

 

بقلم : ابوبكر شرف الدين
تراجع الخجول للبرهان من انقلابه علي الثورة لا يعني بأي حال من الاحوال الاعتراف بقوة الشعب والاستسلام الكلي بعملية التحول الديمقراطي.
كل المؤشرات تدل علي ان اللجنة الامنية للمخلوع البشير بقيادة البرهان لا يمكنهم القبول بحكومة مدنية كاملة يسود فيها حكم القانون، لأن في مفهوم المجلس العسكري تسليم الدولة للمدنيين يعني تسليم انفسهم للعدالة.
البرهان وبقية أعضاء اللجنة الامنية للمخلوع البشير ارتكبوا جرائم عدة ضد الشعب السوداني منها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دافور. البرهان ونائبه حميدتي دقلو قادا حملات ابادة في دارفور منذ 2003 قتلوا الآلاف من الابرياء بشهادة الامم المتحدة، ثم باشرافهم كقادة امنيين للنظام البائد تم مجازر انتفاضة سبتمر 2013. البرهان وحميدتي ومن معهما من المكون العسكري الانقلابي أمروا وأشرفوا علي مجزرة فض اعتصام القيادة العامة يونيو 2019 التي لم يشهد التاريخ الحديث مثيلها في العالم. وتسلسل جرائم المكون العسكري، بعد انقلاب اكتوبر2021 وبأمر منهم اصطاد وحوش الدعم السريع وقناصي الشرطة العشرات من المتظاهريين السلميين، لاسكات الاصوات الداعمة للحكم المدني. هذه الجرائم البشعة لم يترك مجالا لبرهان وحميدتي في الهروب من مواجهة العدالة، لذلك ظلا يستخدامان العنف المفرط والتشبث بالسلطة كوسائل نجاة من حبل المشنقة.
دراسة الواقع تشير الي ان هنالك ثلاثة سيناريوهات ممكنة يستخدمها البرهان وزمرته الانقلابية في البقاء في السلطة من اجل الهروب من مواجهة العدالة
السيناريو الاولي:
يبدو ان هذه المرحلة بدأت فعلاً منذ سقوط الانقاذ وهي محاولة العسكريين في الانفراد بالسلطة وفرض قبضتهم الامنية بالقوة والبطش والتنكيل بالسياسيين والنشطاء، في ذلك حاول البرهان الانفراد بالسلطة في مراحل الاولي للثورة حيث أمر بفض اعتصام القيادة العامة والانقلاب علي المكون المدني باذاعة بيان فض الشراكة، إلا انّ مليونية 30 يونيو حال بينه وبين طموه. ظل المكون العسكري يصنع ويترصد الفرص من اجل الانقضاض علي السلطة، وباوامر غير مباشرة، أختلق جهاز استخبارات البرهان مشاكل امنية في كل الوطن، منها ظهور عصابة 9 طويلة، رواية مطاردة الخلية الارهابية في الجبرة بالخرطوم، عصيان الناظر ترك في الشرق واغلاق الميناء والطريق الرئيسي، والنزاعات الاهلية في مناطق متفرقة في دارفور وكردفان. رغم اثرتلك الاحداث علي الامن القومي لكن لم تكن كافية لخلق فرصة انقلابية اخري للعسكر مقابل انجازات الشق المدني من الحكومة والتي تتمثل في الاصلاح الاقتصادي وتحسين العلاقات الدولية والسلام.
في خضم هذه الاحداث وتكرار المحاولات الفاشلة لتقويض حكومة حمدوك، فجأة وجد البرهان وحميدتي نفسيهما في حافة فترة رئاسة العسكر بقيادتهما للمجلس السيادي مما اصابهم الهلع وسارعا في تنفيذ انقلاب 25 اكتوبر دون إحتساب عواقبها، ثم اضطرا الي التراجع متستران بالتسوية السياسية بعد ان انسد كل طرق النجاح امامهما.
السيناريو الثانية:
من الحماقة ان يظن احدنا ان البرهان واتباعه من العسكر استسلموا للامر الواقع وسيعملون علي تسليم السلطة كاملة للمدنين في نهاية الفترة الانتقالية. المكون العسكري بعد ان غرق في دماء الشعب السوداني اصبح كالسمكة التي لا يمكن ان يعيش خارج الماء، قطعاً يستمر العسكر في ايجاد فرص بقائهم في السلطة حتي ان كان جزئياً بالمشاركة بعد ان فشل محاولات استأثارها كلياً. ومن تلك المحاولات وليست الاخيرة بالطبع توقيع اتفاقية التسوية السياسية مع حمدوك عقب الانقلاب الفاشل والتي بموجها يبقوا في السلطة حتي نهاية الفترة الانتقالية.
ومن المحولات المتوقع منهم بحث حلفاء ممن نبذهم الشعب السوداني من الاحزاب ذات التوجه الاسلاموي وقادة حركات الكفاح المسلحة للاختفاء خلفهم عند نهاية الفترة الانتقالية، وبالفعل بدأ مغازلة الاسلاميين من المؤتمرين الوطني والشعبي وحزب الامة الذي يقوده جنرال بالمعاش، ولا يحتاج القارئ الي كبير عناء في فهم عن دفاع العسكريين بعضهم البعض.
الي ذلك البرهان والعسكر من وراءه يعولون الي الانتهازيين من المجتمع الدولي مثل اسرائيل ومصر ودويلة الامارات، وبعض من السياسيين المحليين لتمرير اجندتهم الانقلابية وشق وحدة المجتمع السوداني باستخدام كل الوسائل المتاحة لهم من مال وسلطة وسلاح، ليبقوا علي الاقل شركاء في السلطة.
السيناريوالثالثة والاخيرة:
ذكرنا مرارا ان البرهان وحمدتي لا يستطيعا ان يبقيا خارج السلطة كما أنّ ليس لديهما الشجاعة التي تأهلهما في مواجهة العدالة. وبالتالي بقاءهما اعضاء في حكومة الثورة هي زراعة قنبلة موقوته في قلب الوطن واي تهديد بابعادهما يعني انفجار البلد.
محاولة الالتفاف حول حلفائهم من الاسلاميين والجنرال ناصر برمة رئيس حزب الامة قد يكون اكثر الفرص المتبقية لهم حظوظاً في الهروب من العدالة، لكن تحالفهم مع الاسلامويين يخلق في المقابل تحالف الاحزاب اليسارية (المؤتمر السوداني، تحالف الاتحاديبن، البعث والشيوعي) يسعوا في اسقاط تحالف الاسلاموعسكرو هزيمتهم في الدوائر الانتخابية، واذا حدث ذلك لم يتبقي للعسكريين فرصة اخري سوي اختلاق كذبة تزوير الانتخابات كما فعله Trump في امريكا، علماً بان مجلسهم السيادي هو المشرف علي مفوضية الانتخابات، وحينها يدافع عن اكذوبتهم، الانتهازين من القيادات الساقطة من الاحزاب والتنظيمات الكرتونية المدعومة من حمدتي الي جانب الحركات المسلحة التي فقدت قواعدها بسبب دعم الانقلاب، مما يعطي البرهان والعسكريين فرصة ومبرر اخري للانقلاب للمرة الاخيرة وهذه المرة ثمنها ليس الاحزاب بل الوحدة الوطنية.
أخيراً رغم اختلاف وجهات النظر في كيفية التعامل مع العسكر في هذه الفترة الحرجة، فيهم من يري استدراجهم الي الهاوية ودفعهم في غفلة هؤلاء بقيادة د. حمدوك، وفيهم من يري مواجهتهم وحسم امرهم باكراً قبل ان يذهب الوطن يقود هؤلاء الفئة لجان المقاومة والحزب الشيوعي وفيهم من يتأني ليدرس الموقف قبل المواجهة الحاسمة وهم احزاب قحت المركزي والنشطاء السياسيين في الخارج، لكن الذي لا خلاف فيه لزوم ابعاد العسكر من السياسة آجلا غير عاجل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.